أيهما أخص: نبي الرحمة أم نبي الملحمة؟
22 محرم 1432
د. عبدالعزيز العبداللطيف

أيهما أخص: نبي المرحمة أم نبي الملحمة - صلى الله عليه وسلم؟
 
قال ابن القَيِّم: "أسماؤه - صلَّى الله عليه وسلَّم - نوعان:
أحدهما: خاص لا يشاركه فيه غيرُه من الرُّسل؛ كمحمد، وأحمد، والعاقب، والحاشر، والمقفي، ونبي الملحمة.
 
والثاني: ما يشاركه في معناه غيرُه من الرُّسل، ولكن له منه كماله، فهو مُختص بكماله دون أصله؛ كرسول الله ونبيِّه وعبده، ونبي الرحمة، ونبي التوبة"؛ "زاد المعاد"، (1 / 88).
 

 

ثم شَرَح هذه الأسماء، فقال: "وأما نبيُّ الملحمة، فهو الذي بُعِث بجهاد أعداء الله، فلم يُجاهد نبيٌّ وأمَّته قطّ ما جاهَد رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأمتُه، والملاحم الكبار التي وقعتْ وتقع بين أُمَّته وبين الكفار لَم يعهدْ مثلها قبله، وأما نبيُّ الرحمة، فهو الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، فرَحِم به أهل الأرض كلَّهم؛ مؤمنَهم وكافرَهم، أما المؤمنون، فنالوا النصيب الأوفر من الرحمة، وأما الكفار، فأهل الكتاب منهم عاشوا في ظلِّه، وتحت حبله وعهْده، وأما مَن قَتَله منهم هو وأُمَّته، فإنهم عجلوا به إلى النار، وأراحوه منالحياة الطويلة التي لا يزداد بها إلا شدة العذاب في الآخرة"؛ "زاد المعاد" (1/ 95 - 96).

 

 
فمن الرخاوة والوهن أن يغيَّب نبي الملحمة، فلا تسمع له ذِكرًا ولا هَمسًا، ويُوَارى الحديث عنه ويُطْوَى، ويقع التطويل والإسهاب في الرحمة بلا قيود ولا شروط، بل يصاحب ذلك التأويلات المتعسِّفة والمستنكرة، ورُبَّما تَململ بعضهم من اسم الجهاد والملاحم، واعتراه الغمُّ والاكتئاب، وابن القيم يقول: "فلو لَم يكنْ في النضال إلا أنه يدفع الهمَّ والغمَّ عن القلب، لكان ذلك كافيًا في فضْله، وقد جرَّب ذلك أهله..."؛ "الفروسية" ص (11).

 

 
أعجبني ما سطَّره الشيخ محمد الغزالي إذ يقول: "وعنصر الرحمة الغالبة لا يعني أن صاحب الرسالة لا يغضب ويُقاتل، كلاَّ؛ فإن أحوال الدنيا وأغلاط الناس توجِب على الإنسان أن يقفَ أحيانًا مواقفَ لا بدَّ منها؛ لحماية مُثُله وفضائله.
وَلاَ خَيْرَ فِي حِلْمٍ إِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ      بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
 
والشدة على الكفر مصدرها الغيرة على الإيمان، والسعي لصيانته من العابثين والملحدين؛ ولذا وصفَ الله النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصحابته - رضي الله عنهم - بالوصفين معًا، فقال: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]. "في موكب الدعوة" ص (96 - 97).
 
ورَحِم الله أبا العباس ابن تيميَّة القائل: "كلُّ أمة لا تقاتل، فإنها تهلك هلاكًا عظيمًا، باستيلاء العدوِّ عليها، وتسلُّطه على النفوس والأموال"؛ "قاعدة في الانغماس في العدو، وهل يُباح؟" ص (64).