تفجيرات الإسكندرية حرب الخطايا
27 محرم 1432
عبد الباقي خليفة

من المؤكد أن ما حدث في الاسكندرية ليلة رأس السنة ، يمثل وبعمق ، غياب حس حقوق الإنسان لدى الفاعل، والمفعول به، وكذلك النظام الذي تم في ظله حدوث ما حدث . وهي سلسلة من الخطايا المركبة لجميع الأطراف المذكورة، اختلط فيها الحابل بالنابل، وكل طرف يرمي الجهات الأخرى بما فيه، وبما يمارسه حقيقة، سوى شعر بذلك أو لم يشعر. الحادث كان ارهابا، دون الإشارة إلى جهة معينة ، كالقاعدة أو الموساد، أوأي جهة أخرى لها مصلحة في إشغال مصر بالتوريث، ولقمة العيش، والحرب الطائفية الصامتة، والتي تنطق أحيانا دما هنا وهناك . فهناك حالة يمكن وصفها بتدوير الإرهاب، يشترك فيها النظام المصري، والكنيسة ، والجهات التي تستهدفها أحيانا.

 

الوضع العام في مصر، خلق جوا من الشحناء والتوتر بين الأرثدوكس والمسلمين، ساهم فيه الأرثدوكس، أو الأقباط بشكل كبير، ويكررون نفس الخطايا في كل مناسبة . إذ أن تنصيب الكنيسة نفسها وصيا على الأقباط حتى في أراوحهم وأجسادهم، وتسليم النظام المصري بذلك، هو أكبر الخطايا التي اقترفها الطرفان ، فهناك نفاق واضح تمارسه الكنيسة وأتباعها في الداخل والخارج عندما تطالب بحرية الضمير وحرية التدين وحرية الاعتقاد إذا كان لصالحها، وتكتم أنفاس أهله، عندما يختار الأقباط ولا سيما القبطيات الدين الذي ارتضوه أو ارتضينه . فأسر مسلمات  مثل ، كاميليا شحاتة، ووفاء قسطنطين، أو حتى نصرانيات في أقبية الكنائس، ضد حقوق الانسان، وهو الذي جنى على براقش، رغم عدم تأييدنا لما حدث وإدانتنا لمنطق أخذ البرئ بجريرة الجاني .

 

الحرية للجميع : لقد تبين أن بابا الأقباط شنودة ، لم يحسبها جيدا، فقد راهن على النسيان، واعتبره أهم خصلة في المصريين، وهي إهانة وجهها للشعب المصري، حيث وصفه بأنه بدون ذاكرة . وبدا شنودة فاقدا للذاكرة تماما، لأن حادث رأس السنة، الذي أودى بحياة أكثر من عشرين شخصا، وجرح نحو الخمسين، لم يكن الأول، ويبدو أنه لن يكون الأخير، واللجوء للصراخ والاستغاثة التي لن يجيبها أحد لن تجد نفعا ما لم يعترف الجميع ونقول الجميع بحق الانسان في الحياة ، وفي اختيار الحياة التي يريدها لا التي تخدعه بها الكنيسة القبطية أو غيرها. وسواء كان عدد الضحايا الكبير ناتجا عن سيارة مفخخة أو عملية انتحارية، فإن الدرس الذي يجب أن يعيه الجميع هو أن ، الحرية ، يمكن أن توفر دماء كثيرة ، وأن الحق في الحياة لفرد واحد أو اثنين أو ثلاثة أو عشرة يمكن أن يوفر دماء الآلاف وحتى الملايين . وعلى الأقباط الابتعاد عن سياسة الحريات الانتقائية، أو بتعبير بعضهم " الحرية للأقباط والنساء فقط "؟!!!

 

الدرس الثاني، هو أن الإدانات الصادرة سواء من كبار رموز النظام في مصر، أو المعارضة المصرية أو غيرها من دول العالم ، لا تجد نفعا سواء مع القاعدة التي تمثل شبحا لا يمكن تحديده بصورة أو مكان أو زمان، أو الموساد الذي لا يختلف عنها كثيرا في هذه الناحية . لذلك فإن المطالبة بالحريات وللجميع، دون وصاية، أو خطوط حمراء، أو تبرير للاستبداد الكنسي، أو السلطوي، أو الاستخباراتي، أو الاستبداد المسلح، لأن الإرهاب، أريد به أن يكون صفة ملازمة للمسلمين فقط، حيث بدا تحاشي استخدامه في وصف الأعمال الإرهابية التي يقوم بها النصارى سواء في الولايات المتحدة أو أوربا أو غيرها، وعندما تم الاعتداء على سفارة اليونان بصربيا العام الماضي ووصف الحادث بالإرهابي، تصدى أكاديميون للتسمية وأطلق على المجموعة اسم ( الفوضويون ) وهو نفس الاسم الذي أطلق على قضايا الطرود المفخخة المرسلة للسفارات الغربية في كل من اليونان وايطاليا نهاية العام الماضي، رغم أنها كانت أعمالا إرهابية ؟!!!!.

 

حرب الإرهاب على الإرهاب : إن حرب الإرهاب بالإرهاب، سواء قام به المسلمون أو غيرهم، ليس سوى حلقة مفرغة، كداحس والغبراء، يمكنها أن تستمر حتى نهاية العالم، دون أن يكون هناك غالب أو مغلوب بصفة نهائية، ولننظر لما حصل في الحقب الماضية من تجارب توشي جميعها بأن حرب الإرهاب على الإرهاب فاشلة ، ومن يملك القوة الظاهرة وحده، من يملك انهاء هذه الحرب بالتوافق .

 

وفي الوقت الذي عبر فيه الكثير من المسلمين، ولا سيما الأزهر، والكثير ممن كتبوا عن حادثة الاسكندرية ، عن حزنهم وتضامنهم مع الضحايا وذويهم، فإن أصواتا قبطية ومن داخل مصر شاهدناها وهي تصرخ " بالروح بالدم نفديك يا صليب " وقد أعماهم التعصب، عن رؤية قتلى وجرحى من المسلمين بين قتلاهم كانوا في مهمة لحراستهم. وكان بعضهم قد رفع في وقت سابق شعارات تطالب بالعدوان على مصر، من قبل أمريكا، وهي لا تعبر عن خيانة للوطن فحسب، بل عن مشاركة في الجريمة ذاتها، فالذي يعلن استعداده لأن  يسهل احتلال مصر، لا شك أنه مستعد لقتل أهله أيضا .( ومن الحب ما قتل ) كما يقولون . ليس ذلك فحسب ، بل إن أطرافا من داخل الكنيسة المضروبة،، اتهمت ، حماس، وحزب الله ، والإخوان المسلمون ، وجميع هذه الجهات أدانت ما جرى وبشدة، بالضلوع في الاعتداء، مما يعني أن اتهامات بعض الأقباط ليست إلا محاولة لزيادة الشحن الطائفي في مصر، وليس أدل على ذلك من إقدامهم على حرق مسجد في المنطقة . وهو ما يتوجب على السلطات الأمنية التحقيق معهم ، لمعرفة مدى مشاركتهم في الجريمة والأهداف النهائية لها .

 

ولا شك فإن إدانة المجتمع المصري لما حدث تعبر عن روح حضارية، يفتقدها الذين تربوا على الكراهية، حتى إنهم لم يشعروا بكم التعاطف والمؤازرة التي حظوا بها بعد الحادث الأليم مباشرة . وقد أدرك المسلمون في مصر وغيرها أبعاد ما جرى، لكن الاقباط نظروا إليه بعين أخرى، وهي ما شحنوا به طويلا، بأن جميع من حولهم من المسلمين أعداء. أولم يتحدث بابا الاقباط عن أن " المسلمين ضيوف لدى الأقباط " ، فعليهم الرحيل، وبالتالي لا يمكن أن ينظر إليهم بود، حتى أصبحت هتافات " بالروح بالدم نفديك يا صليب " رمزا للكراهية الموجهة ضد المسلمين، تغطي على ما سواها من المشاعر. وكان الأقباط قد نادوا في أوقات سابقة باحتلال مصر من قبل الأمريكان في مظاهرات علنية ، فأيهم أحق بالإدانة ، هذه أم ما نسب للمرشد العام الأسبق للإخوان المسلمين، وهي كلمة جردت من سياقها( طز في مصر) .والتي تعني أن مصر بدون بقية الشعوب الاسلامية كحلقة في صحراء، وقد فقدت وهجها وتأثيرها العالمي منذ انكمشت داخل حدودها قبل أكثر من 30 سنة .

 

إفرازات الديكتاتورية : غياب الحرية، مهد لبروز شرائح من الشباب مستعدة للتعاطي مع مختلف القضايا من منطلق القوة، الذي تجابههم به الأنظمة الحاكمة، في مصر. وقد منع التصعب الكنيسة من رؤية المأزق الذي تؤيده وتسير فيه، فلعبة تدوير المنافع بينها وبين النظام المصري، ومن ثم تدوير الاستبداد، جعلها كما هو حال النظام من أكبر التهديدات الأمنية الاستراتيجية ، ليس في مصر وحدها بل المنطقة والعالم . فما يجري في مصر هو ضغط بدون تنفيس، والانتخابات البرلمانية الأخيرة حلقة من حلقات تسونامي يغلي في الطبقات الدنيا، ودائرة من دوائر زلزال لا أحد يعلم متى ينفجر. وهناك من ربط بين جريمة الاسكندرية وجريمة تزوير الانتخابات لتغطي هذه على تلك .واستغلال تهديد تنظيم القاعدة كمشجب يعلق عليه النظام فشله في إدارة البلاد ، وليغطي على انتقادات الغرب للانتخابات، وفتح الباب أمام التوريث، وإلهاء الشعب بالحديث عن اعتداء بعضه على بعض. ويبدو أن النظام المصري نجح حتى الآن في لعبته هذه، ولكن ليس في كل مرة تسلم الجرة .فما لم يغير النظام من تكتيكاته فمصيره الانكشاف، إذ أن المستفيد الأول من التفجير هو النظام المصري بالدرجة الأولى، إذا انطلت الحيلة على الشعب والعالم، بأنه الضمانة لعدم تفشي العنف الطائفي، الذي يترعرع في حمايته .

 

وهناك جهات من بينها الكيان الصهيوني، إضافة لليمين المتطرف في الغرب، وبابا الفاتيكان الذي دعا دول العالم الغربي لما وصفه " حماية النصارى في الشرق" وبدل التهدئة عمل على صب الزيت على النار عندما زعم بأن النصارى يواجهون التمييز والاضطهاد وهو الذي لم يتحدث عن معاناة المسلمين في العالم كله ، ولو مرة واحدة. وهو يحاول أن يتقمص دور"  أوربان "الذي كان وراء الحروب الصليبية . فهذه الجهات تعمل على تأزيم العلاقات الدولية، وبما أن القاعدة، لا تشعر بالأمان، فقد عملت هي الأخرى أن يعم هذا الشعور أوسع مساحة ممكنة من الدحية الأرضية ( الأرض علميا، ليست كرة ، وإنما مثل الدحية، والأرض وما دحاها، كما يتم دحي العجين أو الطين أو ما شابه) . وبالتالي فإن أهم ما يشيع الأمن ، وينفس الاحتقان لدى الجميع، هو شعورهم بالحرية ، فما يستطيع أن يقوله المرء ويمارسه بالكلام ، لن يلجأ لممارسته بالسلاح بداهة .

 

كما أن العدوان المتواصل من قبل من لم يفوضهم أحد للنطق باسمه ، أو من لم ينتخبهم أحد،  على عقائد الأمة سواء من موقع المسؤولية، أو من موقع الاعلام دون إعطاء الطرف المتناول بالتجريح حق الرد والمناظرة من أسباب زيادة حدة الاحتقان في مجتمعاتنا ولجوء البعض للعنف للتعبير عما منع من التعبير عنه في وسائل الإعلام المتاحة ولا سيما المملوكة للدولة، وتلك المملوكة لبعض الأطراف الكنسية الرسمية وشبه الرسمية وغير الرسمية . فالهجوم المتواصل وغير المبرر لوزير الثقافة الذي لم ينتخبه أحد ، فاروق حسني ( الرسام ) على الاسلاميين، ولا سيما السلفيين، والنقاب والحجاب، من روافد زيادة حدة ما يوصف بالتشدد، فهنا تشدد مقابل تشدد، وانغلاق مقابل انغلاق، وتطرف مقابل تطرف، ومن يزرع الشوك لا يجني العنب .