تفجيرات الإسكندرية...من المستفيد؟؟
27 محرم 1432
د. ياسر سعد

إذا كان السؤال الأساسي عند البحث عن الجاني في الجرائم السياسية والجنائية والذي قد يقدم طرف الخيط في البحث عن الحقيقة، من المستفيد؟ دعونا نتساءل عن المستفيد من جريمة الإسكندرية أو الأطراف والتي يمكنها توظيف الحدث سياسيا والاستفادة منه دون أن تكون بالضرورة لها يد فيما حدث.

 

النظام المصري والذي يفترض أنه المتضرر الأساسي مما حدث لفشله في ضبط الأمن ومنع الإرهابيين من تنفيذ عملية بحرفية كبيرة رغم نشاط أجهزته الأمنية في تعقب معارضيه السياسيين وإحصاء أنفاسهم، سيحاول الاستفادة من تلك العملية في إرسال رسائل للخارج والداخل بأنه يشكل ضمانة للاستقرار، وأن بديله الفوضى العارمة والتطرف الأعمى. كما سيستخدم الحكم المصري العملية في تبريراته أمام الرأي العام المحلي في استمرار قانون الطوارئ والذي يحكم البلاد منذ عقود. وقد يستغل الحكم المصري العملية في التضييق على معارضيه السياسيين خصوصا من الإخوان المسلمين، وسيشغل الرأي العام بها عن مهزلة تزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

 

 

الكنيسة المصرية والتي شهد خطابها تصعيدا كبيرا في الآونة الأخيرة وتصاعدت تصريحات رموزها النارية والتي كان أخطرها تصريح الأنبا بشوى يأن المسلمين ضيوف على مصر، ومع نزول الأقباط للشارع وتحركات المنظمات القبطية في المهجر، ستسعى الكنيسة أو بعض رموزها لإستثمار الحادثة البشعة في تعميق شعور الأقباط بالإضطهاد، وللحصول على مكاسب سياسية، والمزيد من الحصانة للتصرفات الكنسية، والسعي وبشكل غير مباشر للحصول على دعم سياسي دولي.

 

 

الإدارة الأمريكية ستستفيد من الحادثة للترويج لحربها على "الإرهاب" كحرب عالمية تتحمل هي العبء الأكبر منها، وبالتالي ستطالب الدول  العربية والإسلامية بالمزيد من التنازلات والتي تمس سيادتها ومصادر معلوماتها وبمزيد من التعاون في المجالات الأمنية والإستخباراتية.  
الدولة العبرية تبدو المستفيد الأكبر مما حصل في مصر، فالقاهرة والتي تقزم دورها الإقليمي والدولي مع ترهل قياداتها السياسية وفشلها الداخلي وإنشغالها بمسألة الحكم والتوريث، سيضيف الاحتقان الطائفي إلى أثقالها عبئا جديدا، ووزرا ثقيلا. مما يجدر ذكره أن التحقيقات التي نشرتها صحف مصرية في قضية الجاسوس المصري الذي جنده الموساد أخيرا، كشفت عن محاولات قامت بها الدولة العبرية لزرع عملائها في جماعات إسلامية واستخدامهم لاحقا في أعمال طائفية.

 

 

وإذا كان كثيرون من "خبراء الإرهاب" يرددون بأن القاعدة تقف وراء عملية التفجير في الإسكندرية خصوصا وإنها جاءت بعد نحو شهرين من تهديدات نسبت للتنظيم يتوعد المسيحيين في مصر إن لم يتم إطلاق سراح امرأتين مسيحيتين يعتقد أنهما أسلمتا وأن الكنيسة تحتجزهما بالقوة، فإن المرء ليعجب من وجود تنظيم يمتلك هذه القدرات والعقليات "الافتراضية"، ثم تتشتت أولوياته بطريقة عجيبة، وتخدم عملياته بشكل كبير الأهداف والمخططات الصهيونية-الأمريكية! فهل يعقل أن يتغافل ذلك التنظيم عن الخطر الإيراني والصهيوني في المنطقة ولا يرى سوى قضية المسيحيين في بلادنا والذين يشكلون علامة ودلالة على سماحة الإسلام ورفضه المطلق لمسألة الإكراه في الدين تاريخيا وعقائديا؟ وهل هي محض صدفة أن تواجه مصر -المهددة أمنيا بانفصال السودان- بذور حرب أهلية تدفعها نحو طريق التفكك والذي سبقتها إليه الصومال، العراق، اليمن والسودان برغبة أمريكية بطريقة أو أخرى. 

 

ذريعة الإرهاب وتنظيماته استخدم غير مرة غطاء لتمرير سياسات معينة أو لتبرير أعمال تخالف القوانين الدولية, ففي مؤتمر صحافي عقده في ديسمبر 2002، أعلن رئيس الوزراء الصهيوني وقتها آرئيل شارون إن تنظيم القاعدة جند فلسطينيين وشكل خلايا في غزة لضرب أهداف إسرائيلية. ياسر عبد ربه، وزيرا الإعلام الفلسطيني حينها، قال إن عناصر من عملاء إسرائيل صدرت لها تعليمات من جانب الموساد بتشكيل خلية تحت اسم القاعدة في غزة من أجل تبرير الهجوم والحملات العسكرية لجيش الاحتلال ضد القطاع. عبدالقادر بلعيرج، زعيم الشبكة الإرهابية التي أعلنت السلطات المغربية عن تفكيكها بداية العام 2008 يشكل نموذجا أخر للاختراق ألمخابراتي، فقد قالت وسائل إعلام بلجيكية إنه عمل مخبرا لأجهزة الاستخبارات البلجيكية, وقالت صحيفة «دي ستاندار» إنه عمل لحساب أجهزة أمن بلجيكية لعدة سنوات, فيما قالت قناة التلفزيون «في.تي.أم» من جانبها إنه عمل مخبرا لمدة ثماني سنوات, وهو ما رفضت السلطات البلجيكية إثباته أو نفيه.

 

وسواء كانت القاعدة تقف فعليا وراء جريمة الإسكندرية أو أن الأمر لا يعدو عملية اختراق لها أهداف معينة، فإننا نعيش في عالمنا العربي بؤسا أسودا، وتواجه أجيالنا مستقبلا قاتما، جراء أنظمة دكتاتورية فاسدة أهلكت الحرث والنسل ووضعتنا في مواجهة المجهول بمناعة سياسية منهارة وبأولويات مبعثرة وبأحوال اجتماعية ومعيشية بالغة السوء والتدهور. فيما أصبح العالم العربي ساحة للصراع القوى الإقليمية والدولية على حساب مقدراته ومستقبله ودماء أبنائه.