17 رجب 1432

السؤال

يا شيخ: قال معلمي إن درجاتي ضعيفة، وأنا متفوق، وهذا أول تقصير مني وأشعر بالحزن والأسى ولا أستطيع إكمال مشواري الدراسي..

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. أما بعد:
بداية نشكر لك تواصلك وثقتك بإخوانك في موقع المسلم ومستشاريه ونسأل الله سبحانه أن يجري الحق على ألسنتنا جميعا وأن يلهمنا جميعا الخير والرشاد.
أخي الكريم:
نحن كلنا ندرك يقينا أن كل شيء في الكون يخضع لإرادة الله سبحانه ولن يتم شيء في الكون إلا بإذنه عز وجل فالناجح لا يصل لنجاحه إلا بإذن من الله.
والله - عز وجل - ليس ربا لفئة مخصوصة دون باقي الناس، ولا يحابي أحدا من خلقه، فالدنيا كلها أهون على الله من أن تكون جزاء للمحسن أو عقوبة للعاصي، ولذا جعل الله لها قانونا لا يتخلف لمن أراد أن ينال منها ويحصل على مبتغاه فيها، ألا وهو ارتباط حصول الشيء بأسبابه ارتباطا ثابتا باقيا بعد إذن منه – سبحانه – لحدوثه.
فللوصول لأي هدف لابد للمرء أن يسعى لتحقيقه، وان يثابر في سبيل الوصول إليه وأن يأخذ بأسبابه المادية كما أمره ربه تعالى، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، وإن الأماني رؤوس أموال المفاليس.
يقول الله سبحانه في كتابه: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}.
ويقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}، ويقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}.
فالأمر متعلق - بعد توفيق الله سبحانه - بي وبك وبإرادتي وإرادتك وسعيي وسعيك.
والنجاح لا يشترط قوة معينة وان كان القوى أقدر للوصول إليه، ولا يشترط عمرا معينا وان كان للشباب أقرب، ولا يشترط علما بقدر معين وإن كان العلم من أسبابه القوية،ولا يشترط قدرا معينا من المال وان كان الغنى أيسر للوصول لهدفه.
وانظر معي – أخي الكريم - للناجحين في كل زمان ومكان..
ستجد منهم من هو في مثل عمرك وفيهم أكبر منك وأصغر، وستجد من هو في مثل قوتك وفيهم أقوى منك وأضعف، وستجد من هو في مثل علمك وفيهم من هو أكثر أو أقل منك علما، وستجد منهم من هو أغنى منك أو أفقر، فماذا يمتلكون وتفتقر إليه أنت... إنها الإرادة في النجاح والسعي لتحقيقه وعدم الانكسار بعد السقوط.
فاعزم وتوكل على الله واترك هذا الشعور القاتل الذي لو سيطر عليك لسلب منك كل نجاح حققته ولأوردك في المهالك.
خطوات عملية للتخلص من الفشل:
- اعتراف بالخطأ منك أولاً مع عدم الإقرار بالفشل.
- عدم تبرير الأخطاء وتعليق الشماعات، والبحث الحقيقي الجاد في أسباب الفشل
- تكوين رغبة حقيقية داخلية وذاتية للخروج من دائرة الفشل الضيقة القاتلة.
- عدم اعتبار أن الفشل عيبا في شخصيتك أو في تاريخك، فالفشل يمكن أن يكون مرحلة هامة من مراحل نمو شخصيتك.
- بين النجاح والفشل شعرة إعادة المحاولة.
فإذا درست بتمعن سير العظماء والقادة الناجحين في كل الميادين ستجد أنهم تعرضوا كثيرا للفشل، ولكنهم كانوا لا يعتبرون المحاولة الفاشلة هزيمة بل يعتبرونها مجرد تأخُّر في تحقيق الهدف، وينظرون إليها على أنها مرحلة يمكن تجاوزها بالإصرار والعزيمة وإعادة المحاولة، أما الضعفاء المهزومون فهم الذين يتمكن منهم اليأس عندما يتعرضون للفشل لمرة أو مرات، وهم الذين يعتقدون اعتقادا خاطئا أنهم لا يستطيعون أن يصنعوا شيئاً بعد الفشل، وأن طريقهم للنجاح ممتنع ومغلق، وأن تحقيق النجاح من وجهة نظرهم مستحيل أو محدود، بل ويعتقدون أن مجرد إعادة المحاولة ضياع للوقت والجهد وأن ضررها أكثر من نفعها وأن الأفضل لهم هو الانسحاب من واقع الحياة ويتمسكون بالحقيقة المؤلمة "أن الإنسان الوحيد الذي يضمن أن لا يسقط على الأرض أبدا هو ذلك الإنسان المستلقي فعلاً عليها".
هؤلاء هم العظماء الناجحون، وأولئك هم الضعفاء المهزومون فاختر لنفسك، فأطلق لساقيك العنان للهرب من دائرة الفشل والعودة مرة أخرى لصفوف الناجحين، واعلم أن كلا من النجاح والفشل عبارة عن سلاسل متتالية متشابكة، فالنجاح يقود إلى نجاح واستمراء الفشل لا يؤدي إلا إلى فشل.
وفقك الله.