حين تتصافح القِمم صالح آل الشيخ وناصر العمر
6 صفر 1432
عصام العويد

"هذا ببركة القرآن" .. "هذا ببركة القرآن" بترداد هذا الكلمات العفوية كان شيخنا المربي بسمته قبل رسمه الدكتور ناصر العمر ـ حفظه الله ـ يعبر عن بعض غيض فيض مشاعره الجَذْلاء التي تدفقت مع كل كلمة ونظرة وحركة منه وهو يرحب بضيفه الكبير معالي الوزير العالم الشيخ صالح آل الشيخ ـ وفقه الله ـ ومن معه من كوكبة العلماء والفضلاء .

 

تذكرت وأنا أراهما في وئام تام موقفاً حدث لي قبل ثمان سنوات تقريباً حين سألني بعض (العفاريت) من طلابي فقال : من تحب من طلاب العلم والدعاة ؟ فابتسمت واستسلمت لمكره فقلت : أحب صدق ناصر ورؤية صالح وقوة سلمان . وأمروها كما جاءت أيها العُذّال!.

 

شيخنا الشيخ صالح عرفته قديماً في دروس العلم قبل مكاتب الوزارة فما طرق أذني منهجاً اطمأن إليه قلبي كما كنت أسمع منه ، كان يعطي كل ذي حق حقه ، فلله ودينه ورسوله صلى الله عليه وسلم حق ، وللعلماء حق ، ولولاة الأمر حق ، ولعامة المسلمين حق ... ، سمعته مرةً وقد كنت في بيته وقد جاءه أشخاص يقدحون في حلقات التحفيظ فأغلظ القول في جوابهم وقال : هؤلاء أبناؤنا وهم عُدتنا حتى وإن أخطأوا ... .

 

وأنا هنا لا أتكلم عن الوزارة حتى لا يكثر الضجيج ، وإنما عن منهج وقفت عليه وتعلمت منه ، فإن أفادك فاحمله ؛ وإنْ لا .. فلا تلمني فيما يملك سبحانه ولا أملك فقد غرس الله في قلبي محبته من أول درس حضرته عنده ، وأنت جالس بين يديه يُلقمك العلم تلقيماً ، والذي برأني ما تعلمت (التفسير) إلا على يديه كان قفلاً ففتحه الله عليّ بصالح آل الشيخ ، كما أن علم (علل الحديث) ما تعلمناه إلى عند قدمي شيخنا المحدث نسائي عصره أبي عبدالرحمن عبدالله السعد حفظه الله ـ 
هكذا يبعث الله للناس رحمة بهم في كل ضرْبٍ من يعلمهم أمور دينهم علماً وصدقاً ومروءةً وكرماً وحزماً وشجاعةً وجهاداً وبذلاً ، فأين من يشّتمُّ من كل زهرة عبقها .

 

شهدنا البارحة في ليلة الاثنين 6/2/1432 هـ عُرسا تدبرياً دعوياً مُبهجاً تصافحت فيه القلوب قبل الأيادي كانت كلمة معالي الوزير واضحة تُفسِر عن نفسها بنفسها : "نريد شراكة بين المؤسستين الرسمية والأهلية في الدعوة إلى الله " .."نريد شراكة قائمة على التعاون والتناصح بيننا" ، وحتى لا يُقال شبعنا من الكلام كان الفعل سابقا للقول ، فقد تبنت الوزارة "مشروع تدبر في حلقات التحفيظ والدور النسائية" بالشركة مع مركز تدبر للاستشارات الذي يشرف عليه الدكتور ناصر وثلة من المختصين ، وكان لزميلنا المفضال الدكتور عثمان صديقي أثراً بارزاً في تحقيق هذه الشراكة فجزاه الله وجميع العاملين خير الجزاء في الدارين .

 

ثم زُفت إلينا "مؤسسة ديوان المسلم" وقد رعى افتتاحها وهنأ المسلمين بها معالي الوزير وأثنى عليها ثناء حسدها عليه الأصدقاء قبل البُعَداء ، وتماهت أمامنا بحلتها القشيبة ، ومقرها الجديد ، وأصالتها التي لا تفارقها ، وعصرانيتها التي تحاول أن تنطلق فيها فتسبق أحيانا وتتثاقل حينا لأنها تجر وراءها مخزونا هائلا من (الحذر) ، وهو سربالٌ وقورٌ نسجه د.ناصر من خيوط التجارب والأحداث .

 

لقد استطاع هذان العَلَمان المشهوران صالح وناصر أن يبددا تلك الغيوم الكثيفة التي توالدت من عُش الشيطان (ولكن في التحريش بينهم) ، ليُعلِنا هذه الشراكة التي نحتاج أن نستنسخ منها العشرات لتمتد الأيدي مع صفاء القلوب ، فنسعى ببلادنا وأمتنا فيما يرضي ربنا ويحقق طموحنا ، خصوصاً ونحن نواجه جميعاً هجمة "الضباع" على كل ثابت من ديننا ، وراسخ من قيمنا وأخلاقنا.

 

لا غنى للجهات الحكومية مهما تمكنت عن المشاركة الشعبية ، ولن تستطيع المشاريع الخيرية مهما تحقق لها من إمكانات أن تستقل عن الجهات الرسمية ، بالتكامل وحده بين القطاعين بعد عون الله ثم بالسعي الجاد بدون كلل ولا ملل لكسر حواجز (الشيطان) نتقدم رويداً رويداً نحو الكمال البشري المنشود .

 

نعم هناك بون شاسع في الرؤية والأهداف والوسائل والأساليب ، لكن هانحن نرى اثنين من عقلائنا لكل منهم رؤيته وكيانه الخاص به المختلف عن الآخر في نواحٍ شتى اجتمعا وتقاربا وتطاوعا وارتفعا عالياً عن (الأنا) ليتماسكا بالأيدي في الدنيا وعند دخول الجنان بإذن الرحمن .

 

الأمة ليست دولة أو وزارة لوحدها ، وليست أيضاً مجموعة من المؤسسات التطوعية أو المتطوعين الصادقين لوحدهم ، فضلا أن تكون الأمة كما يتصور بعض الأحبة كعلبة كبريت تجمع عشرين أو أربعين من أفرادها تبدأ الأمة عندهم وتنتهي ، الأمة كل متكامل فقرار واحد من مسؤول نافذ قد يهدم عقودا متلاحقة من عمل المصلحين ، وكل ذلك لا يجوز أن يغيب عنا مهما كانت الظنون بالآخرين .

 

لقيد صليت فجر هذا الاثنين بعد تلك الأمسية الماتعة وأن أتذوق حلاوة الامتثال لقوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) ، إن الامتثال الحق لها ليس بتأليف الكتب المطولة ولا المحاضرات المنمقة ولا الخطب الرنانة ؛ وإنما بجعلها حياة نعيشها نقهر بها ذواتنا من أجل جماعتنا ونلين فيها بأيدي إخواننا ونتطاوع فيها حتى وإن اختلف رؤانا .

 

صالح وناصر كلاهما عاشا دهراً طويلاً مع القرآن فكان هذا بعض نتاج تربية القرآن ، كم أجد في نفسي ضرورةً أن أعود لتلكم الكلمات "هذا ببركة القرآن" لها رنين في وجداني كرنين الذهب ، وصدق شيخنا ناصر فوالله لولا القرآن ما اجتمعنا بل تدابرنا ، ولا تطاوعنا بل تنازعنا ، وما اتفقنا بل شتاتاً شتاتاً تفرقنا ، سبحانك ربي ما أعظم القرآن .

 

المصدر/ ملتقى أهل التفسير