لماذا تجددت الاحتجاجات في الجزائر؟
18 صفر 1432
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

طلقات رصاص وأصوات صراخ.. احتجاجات ومواجهات واشتباكات مع قوى الأمن، هذا هو المشهد الذي عاد ليتصدر الواجهة في الجزائر بعد أن هدأت الأوضاع قبل أسبوعين إثر وعود من جانب الحكومة بتحسين الأوضاع المعيشية وخفض الأسعار.

 

عادت الاحتجاجات لتتجدد بعدما استطاع الجيران التونسيون تحقيق الحلم والتخلص من الديكتاترية الجائرة، فبثوا روح الأمل من جديد في الشعب الجزائري.

 

وبلغت حصيلة مواجهات السبت نحو 32 جريحا من المتظاهرين من بينهم أحد نواب البرلمان إلى جانب إصابة 7 من قوات الأمن بجروح، واعتقال عشرات المحتجين.

 

وكانت السلطات الأمنية قد حظرت هذه الاحتجاجات ومنعت إصدار ترخيص لها قائلة إنها ستخل بالأمن العام. لكن القوى المنظمة لها سعت رغم ذلك إلى حشد المحتجين، فواجهتها قوات الأمن بالهراوات وقنابل الغازالمسيل للدموع.

 

وبعد وقوع الاشتباكات مع الشرطة ظلت مجموعة صغيرة من أنصار حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية خارج مقر الحزب تردد الهتافات ضد السلطات وتطالب بالحرية والديمقراطية.

 

وتقول المعارضة الجزائرية إن الدولة أخفقت في الاستفادة من إيرادات الطاقة في تحسين مستوى معيشة الأشخاص وأنها تفرض قيودا على الأحزاب السياسية وأن الجيش يتمتع بنفوذ هائل.

 

وكانت مواجهات دامية قد اشتعلت في الجزائر العاصمة وعدة مدن أخرى مطلع الشهر الجاري وسقط فيها قتيلان برصاص قوات الأمن، كما أصيب عشرات آخرون.

 

وشملت الاحتجاجات إلى جانب العاصمة كل من سطيف والبليدة وتيبازة وبومرداس وبجاية وعنابة وبرج بوعريريج والجلفة ووهران والمسيلة وقسنطينة وجيجل والبويرة.

 

وقام المتظاهرون الغاضبون من عجز الحكومة عن توفير فرص عمل لهم باقتحام مراكز الشرطة، حيث اشتبكت معهم القوات ما أدى إلى سقوط أحد القتلى.

 

وقالت وسائل إعلام رسمية إن العديد من الأضرار المادية لحقت بالمرافق العامة في بعض المدن، مشيرة إلى وقوع أعمال سلب ونهب.

 

وتعرضت المقرات الحكومية والبنوك ومكاتب الشركات وحتى المدارس والمحلات التجارية للتخريب والحرق، في حين شددت السلطات الإجراءات الأمنية في عدد من أحياء العاصمة ومدن رئيسية أخرى.

 

ودفع ذلك الدول الغربية على رأسها فرنسا أن تدعو مواطنيها المقيمين في الجزائر أو المسافرين إليها إلى توخي الحذر من احتمال وقوع "اضطرابات كبيرة" في كبريات المدن الجزائر.

 

وفي ظل هذه التوترات، التزم الرئيس الجزائري عبد العزيز توتفليقة الصمت حيال المظاهرات والضحايا، لكن الجزائرية سعت في الوقت ذاته إلى احتواء الأزمة وإحباط المظاهرات.

 

وعقدت الحكومة اجتماعا طارئا في 8 يناير برئاسة رئيس الوزراء أحمد أويحيى لبحث خطوات لخفض أسعار الغذاء التي تضاعفت في الآونة الأخيرة والتي تسببت في موجة الاحتجاجات.

 

وأعلنت السلطات عدة تدابير من بينها تقييد هامش ربح التجار في مجموعة كبيرة من السلع الاستهلاكية بما في ذلك زيت الطعام والسكر والطحين والحبوب. تلك السلع التي كانت أسعارها تزايدت إلى المثلين خلال الأشهر القليلة الماضية لتبلغ مستويات قياسية، وشهدت زيادات قاربت 30% في ظرف أربعة أيام فقط منذ بدأت الاحتجاجات في 5 يناير. كما قدرت بيانات رسمية معدل التضخم عند 4.2% في نوفمبر الماضي.
لكن استمرار المظاهرات دفع الحكومة إلى الإعلان مجددا عن خفض الضرائب المفروضة على تلك السلع لدفع مؤشر الأسعار إلى الأسفل.

 

وطلب الوزير وزير التجارة الجزائري مصطفى بن بادة من منتجي ومستوردي مادتي الزيت والسكر إلغاء كل الشروط المرتبطة بتموين تجار الجملة والتجزئة بالمنتجات الغذائية الأساسية.

 

وفيما يتعلق بالبطالة قالت الحكومة إنها ستسعى لإيجاد فرص عمل للشباب العاطلين. وتقول الحكومة إن معدل البطالة يبلغ نحو 10%، لكن منظمات مستقلة تقدر النسبة بنحو 25%، في بلد يبلغ تعداد سكانها 35 مليون نسمة.

 

بعد هذه الإجراءات، أفلحت الحكومة أخيرا في قمع الاحتجاجات وتهدئة الأوضاع بمسكنات مؤقتة، مع بقاء الشعب على حافة الانفجار بسبب تردي الأوضاع المعيشية وزيادة القبضة الأمنية.

 

هدأ الشعب ولكن آلامه لم تهدا. وهي لن تهدأ أبدا في ظل هذا الحكم الديكتاتوري المستبد الذي يكرس الثروات في أيدي عدد قليل من الأشخاص، هم الحكام وأسرهم والمقربون منهم.

 

لكن ثورة الشعب التونسي الشقيق، ومثابرته، ونجاحه في إسقاط دكتاتور آخر بقي في الحكم منذ 23 عاما، أيقظت فيما يبدو آمال الجزائرين وتطلعاتهم في التغيير.

 

فمجموعة من الشباب العاطلين الذين تحركوا في تونس دون مظلات سياسية أو أحزاب أو تجمعات تحركهم، استطاعوا إسقاط هذا الحاكم الذي يسمح له القانون بخوض الانتخابات عدد لا نهائي من المرات.

 

أما في الجزائر فالأحزاب والتجمعات السياسية تشارك في تنظيم وتحريك الجمهور، ما يجعل فرصهم في النجاح أكبر. كما أن الرئيس بوتفليقة (74 عاما) "حديث عهد" نسبيا بأبدية السلطة؛ فهو لايزال في دورته الرئاسية الثالثة فقط، وقد استطاع في نهاية فتره الرئاسية الثانية في نوفمبر 2008 تعديل الدستور ليسمح له بعدد غير محدود من إعادة الانتخاب بعد أن كان يسمح بإعادة الانتخاب مرة واحدة فقط.

 

وانتخب بوتفليقة رئيسا للجزائر للمرة الأولى عام 1999 ثم أعيد انتخابه للمرة الثانية في عام 2004. وفي إبريل 2009 أعيد انتخابه للمرة الثالثة بعد تعديل الدستور في انتخابات كانت محسومة مسبقا لصالحه بسبب السيطرة الأمنية على عملية الاقتراع.

 

ويعد بوتفليقة من أكثر الأنظمة العربية اضطهادا للتيارات الإسلامية. وقد أثارت تصريحاته في حملته الانتخابية الأخيرة انتقادات واسعة عندما قال إن الإسلام السياسي في الجزائر "لم تعد ترجى منه فائدة".

 

وانتقد ما أسماه "تسييس الدين"، زاعما أن "العلماني يمكن أن يكون أكثر إيماناً من الإسلامي لأن العلماني يصلي ويصوم ويتصدق لكنه لا يسيّس الدين".

 

لكن بوتفليقة استطاع على مدار فتراته الرئاسية أن يروج إلى أهمية استراتيجيته المتبعة في إبقاء الجزائر آمنا، خاصة بعد تمكنه من قمع الحركات الإسلامية التي كانت تحمل السلاح وتنفذ تفجيرات في البلاد.

 

كما استطاع إقناع الغرب الداعم له بدوره الحيوي في قمع تنظيم القاعدة، وعدم جعل الحدود الجزائرية ملاذا للإرهاب.

 

واعتمد بوتفليقة في حملته الانتخابية الأخيرة على شعار "جزائر قوية وآمنة" خاصة مع انتشار التوترات الأمنية بسبب تفجيرات وعمليات مسلحة نفذتها جماعة محسوبة على تنظيم القاعدة قبل أشهر من الانتخابات.

 

لكن، كما قال عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية في اجتماع اللجنة الاقتصادية الخميس الماضي، فقد تجاوز الأمن القومى المفهوم التقليدي ليشمل الأمن الغذائي والمائي والبيئي وحق الفرد في الحياة والتنمية والحرية والكرامة. وكلها مطالب دفعت الشعب الجزائري لإهمال الشق الأمني الدفاعي، والاحتجاج على النظام الحاكم من أجل تأمين احتياجاته الأولية من الغذاء والعمل والكرامة، والسعي باتجاه ثورة شبيهة بالثورة التونسية الغراء.