ثورة تونس.. هل يمكن أن تتكرر في الأردن؟
19 صفر 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

حالة احتقان متصاعدة في الشارع الأردني أيقظتها الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي على خلفية الغلاء والبطالة وغياب الحريات، وهي نفس الأسباب تقريبا التي يعاني منه الأردنيون منذ سنوات عديدة والتي قد تقود إلى ثورة مماثلة.

 

فبعد أيام قليلة من انتفاضة التونسيين، هب الأردنيون بدورهم ضد حكومة رئيس الوزراء الأردني سمير رفاعي، رافعين شعار لأجل "الخبز والحرية" احتجاجا على غلاء المعيشة والسياسات الاقتصادية لحكومة الرفاعي التي طالبوا برحيلها.

 

وشاركت كل أطياف المجتمع في التظاهرات التي كانت بالآلاف من حركة إسلامية ونقابات مهنية وأحزاب يسارية، حتى رغم إعلان الحكومة إجراءات جديدة لخفض الأسعار وزيادة رواتب موظفي ومتقاعدي القطاع العام.

 

وكان حزب جبهة العمل الإسلامي،الذراع السياسية للإخوان المسلمين في الأردن وأبرز أحزاب المعارضة الأردنية، دعا إلى التظاهر السلمي، معتبرين أن الإجراءات الحكومية الأخيرة غير كافية وطالبوا بإصلاح شامل ورحيل حكومة الرفاعي التي جاءت بمجلس نيابي لا يمثل هموم الأردنيين.

 

كما اعتبر المراقب العام للإخوان المسلمين الدكتور همام سعيد خلال إحدى مسيرات الاحتجاج أن الشعب الأردني يعاني مما عانى منه الشعب التونسي من "استبداد سياسي وتسلط أمني ومصادرة للحريات". 
 

 

ويبدو أن ما حدث في تونس رفع سقف تطلعات القوى المطالبة بالتغيير في الأردن والدول العربية التي رأت أن بإمكان الشعوب أن تصنع التغيير من خلال النزول إلى الشارع. فقد تركت أحداث تونس أثرا في الشارع الأردني،  حيث ترافقت مع سياسات حكومية فاقمت المشكلات المعيشية والاقتصادية على المواطنين، بحسب محللين.

 

فالشعب الأردني لم يعد يطيق الارتفاع الحاد في الأسعار الناتج عن سياسات حكومية خاطئة، ساهمت في تعميق الهوة بين الغنيّ والفقير وفي دفع أعداد كبيرة من الأردنيين تحت خط الفقر، ناهيك عن ارتفاع معدلات البطالة بعد فشل الحكومات في التصدي لهذه الآفة التي تعد مواجهتها ومعالجتها أولوية عند قطاع واسع من الأردنيين، كما تفيد بذلك استطلاعات الرأي المختلفة.

 

وأخطر ما في الأمر أن هناك أزمة ثقة شعبية في الحكومات لم يعد ممكناً إخفاؤها، فالمراقبون يرون أن الثقة بالحكومة وصلت أدنى مستوياتها شعبيا تزامنا مع التغيير في تونس رغم حصولها قبل أقل من شهر على ثقة قياسية من البرلمان، حيث صوت 111 نائبا للثقة بالحكومة من أصل 119 نائبا.

 

ويرى الكثير من المحللين أن مشكلة الأردنيين لا يحلها رحيل حكومة أو حل برلمان فقط، بل يتطلب الأمر إجراءات سياسية من نوع مختلف وإصلاحات سياسية حقيقية كي يكون هناك توازن سلطات بالمعنى الحقيقي يمنع التفرد بالقرار بعد الأوضاع  الاقتصادية المتردية التي شهدتها الأردن في الفترة الأخيرة.

 

وتؤكد فعاليات شعبية أن المسيرات والاحتجاجات ستستمر حتى استقالة الحكومة، وإعلان إصلاحات سياسية في طريقة تشكيل الحكومات، فيما تتعدى مطالب المعارضة ذلك إلى المطالبة بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة وفق قانون ديمقراطي.

 

ويرى نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة الأردنية، أيمن الصفدي، أن ما يحدث من احتجاجات في الأردن هو أمر هامشي مقارنة بالاضطرابات الحاصلة في تونس، حيث يقارن ما يحدث بالبلدين بمقارنة التفاح بالبرتقال.

 

وتقدر نسبة البطالة في المملكة، التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة وفقا للأرقام الرسمية، ب14,3%، بينما تقدرها مصادر مستقلة ب30%.، وتقدر نسبة الفقر في المملكة ب25%، بينما تعد العاصمة عمان أكثر المدن العربية غلاء وفقا لدراسات مستقلة.

 

وحتى الآن صب الأردنيون جام غضبهم على رئيس الوزراء الأردني سمير الرفاعي، إذ إن النظام الملكي يمنع انتقاد الملك عبدالله، بينما تعمل السلطات والأجهزة الأمنية على تشديد الخناق على المعارضة. وفي ظل الاضطرابات الاجتماعية اعتاد ملوك الأردن على التضحية بالمسؤولين الكبار لنيل رضا الشعب.

 

ففي العام 1989 قبل العاهل الأردني، الملك حسين، استقالة والد رئيس الوزراء الحالي، زيد الرفاعي، الذي كان أيضاً رئيساً للوزراء في ذلك الوقت، بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، ما أثار أعمال شغب دموية.

 

غير أن بعض المراقبين يحذرون من أن النموذج التونسي قد يلهم الأردنيين لتحدي إحدى أقدم الممنوعات السياسية في البلاد، ومنهم المحلل لبيب قمحاوي، الذي يقول: "هناك الكثير ممن خرجوا إلى الأماكن العامة للاحتجاج، ومنهم من انتقد الملك، في كل مرة يعتقد الحاكم أن الشعوب ستنسى في نهاية المطاف أمر الاحتجاجات وبالتالي استمراره في قيام ما يفعله في العادة، لكن حذاري، فهذا قد يؤدي إلى تراكم المشاكل مما يؤدي إلى الانفجار".

 

الاحتجاجات السلمية للأردنيين تطرقت إليها صحيفة جيروزاليم "الإسرائيلية" حيث أفادت أن الملك الأردني عبد الله الثاني بات قلقا من تداعيات خطط الجماعات المعارضة في البلاد لتنظيم مزيد من المظاهرات احتجاجا على السياسات الاقتصادية للحكومة.

 

وبحسب الصحيفة فإن هناك أحاديث متداولة في الأردن مفادها أن الملك عبد الله قد يكون أنشأ غرفة عمليات خاصة في القصر الملكي للحيلولة دون إغراق البلاد في حالة من الفوضى وانعدام القانون.

 

كما نقلت الصحيفة عن فلسطينيين عادوا إلى الضفة الغربية المحتلة من الأردن في الأيام الأخيرة، أن الكثير من الأردنيين باتوا يتحدثون علنا عن الحاجة إلى تكرار النموذج التونسي في المملكة والثورة على النظام.

 

والسؤال الآن هل تندلع ثورة حقيقية في الأردن على غرار تونس، تقود بالفعل إلى الإطاحة بالحكومة الأردنية بل هل يمكنها أن يمس ذلك بالنظام الملكي وهو الذي طالما اعتبر من المحرمات؟