عامر أحميتش "للمسلم": 75% من مجرمي الحرب صرب
1 ربيع الأول 1432
عبد الباقي خليفة

عامر أحميتش، واحد من أهم الشخصيات الحقوقية البوسنية، التي " تقاتل" منذ أكثر من 10 سنوات من أجل " الحقيقية" والتاريخ، ولتقرأ الأجيال القادمة الحقائق الموضوعية للحرب التي تعرضت لها بلاده في تسعينات القرن الماضي، كما يقول. ويعتقد أحميتش، أن محكمة جرائم الحرب في لاهاي، قادرة على وضع الأمور في نصابها، وعلى تصحيح الكثير من القراءات المبنية على الاصطفاف الاثني والديني والسياسي بقطع النظرعن مدى تعبير تلك القراءات عن الحقيقة . ولد في التاسع من أكتوبر عام 1962  في بلدة دوبوي بوسط البوسنة، وحصل على الإجازة في الحقوق من جامعة سراييفو. أثناء العدوان على البوسنة كان يعمل في وزارة الداخلية البوسنية، المكتب الخاص بالعلاقات مع محكمة جرائم الحرب في لاهاي. وعمل في الفترة ما بين 1995 و1999 مساعدا في كلية علم الجريمة بسراييفو. وكان الزعيم البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش، قد عينه ضابطا خاصا بالعلاقات مع محكمة جرائم الحرب في لاهاي، عام 1998 . وفي أثناء أدائه لمهامه اعتقل العديد من مجرمي الحرب من بينهم داريوكورديتش، ويادرانكوبرليتش، وممشيلو كرايشنيك، وبليانا بلافاشيتش، والرئيس الصربي الأسبق سلوبودان ميلوشيفيتش، وزعيم صرب البوسنة سابقا رادوفان كراجيتش،وغيرهم . ولا يزال " يقاتل" من أجل اعتقال قائد قوات صرب البوسنة سابقا، وهو الجنرال راتكو ملاديتش، ومجرم حرب آخر يدعى غوران هاجيتش. المسلم، التقاه في سراييفو وأجرت معه هذا الحوارحول محاكمة كراجيتش، ومشروع صربيا الكبرى الذي بقي بدون محاكمة حتى الآن، وقضية تعويضات الضحايا التي تقابل بصمت مريب،والفترة الممكنة التي ستبقى فيها محكمة لاهاي مفتوحة، وغيرها من القضايا.

 


في الأيام الأخيرة قدم المدعي العام لدى محكمة جرائم الحرب في لاهاي، بريميرس، تقريره إلى مجلس الأمن، حول تعاون صربيا مع المحكمة الدولية، كيف تقييمون التقرير؟

تم التركيز مجددا في التقريرأن صربيا هي المسؤولة عن عدم إلقاء القبض على الجنرال راتكو ملاديتش، وغوران هاجيتش. ومسؤولية عدم إلقاء القبض على ملاديتش، وهاجيتش تقع على عاتق مجلس الأمن والدول العظمى التي ساهمت في تأسيس المحكمة وبالدرجة الأولى صربيا.. من ناحية أخرى لا توجد آليات لدى محكمة جرائم الحرب في لاهاي لإجبار صربيا على التعاون الكامل والقبض على المجرمين. بعبارة آخرى،أمر إلقاء القبض على المجرمين بيد أقوياء العالم، وتقارير مسؤولي محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة تمثل صوتا موجها لآذان أصحاب القرار في مجلس الأمن والجهات المعنية من أجل إلقاء القبض على المجرمين. وللأسف فإن هذا الأمر مستمر منذ ما يزيد عن 15 عاما، وعدم القبض على الجنرال ملاديتش،أفضل دليل على، تشخيص،التزام المجتمع الدولي حيال الضحايا البوشناق في البوسنة والهرسك منذ عام 1990. وبخصوص بريميرس، فإنه يقوم بعمله على أكمل وجه، ولكنه يحتاج لمساعدة المجتمع الدولي، وبالطبع مساعدة دول منطقة غرب البلقان، وبالنسبة لنا فنحن نقدم له الدعم المطلق .

 


تجري حاليا محاكمة، زعيم صرب البوسنة سابقا، رادوفان كراجيتش، وعدد من المتهمين الصرببارتكاب جرائم حرب، ما هي مآخذكم على المحاكمة، وما الذي تختلف فيه عن محاكمات، نينبرغ، التي أقيمت للنازيين في أعقاب الحرب العالمية الثانية ؟

المحاكمات الجارية في محكمة جرائم الحرب الخاصة بيوغسلافيا السابقة، محاكمات مهمة جدا بالنسبة للبوسنة، ولتأكيد حقيقة ما جرى في هذه المنطقة. ولا شك فإن هناك فرق كبيربين محاكمات، ننيبرغ، ومحاكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة. إذ أن الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، هي التي أسست محكمة نينبرغ، وقامت بالمحاكمات. في حين أن الأمم المتحدة هي التي أسست محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة، وهي نفسها التي فرضت حظرا على تسليح البوسنةوالهرسك أثناء العدوان، ومنعت الضحايا البوشناق من الدفاع عن أنفسهم، ومنع حدوث إبادة عرقية ضدهم. لقد جاء في اتفاق دايتون ( 21 نوفمبر 1995 ) أن ما حدث في البوسنة هو صراع مأساوي بدون ذكر المسؤولين عن العدوان على البوسنة والهرسك، والإبادة الجماعية. وقد فندت محكمة جرائم الحرب فييوغسلافيا السابقة، الجملة الرئيسية لاتفاق دايتون، وبعد 15 سنة أكدت على أن البوسنة والهرسك، تعرضت لعدوان من قبل صربيا وكرواتيا، وأن البوشناق تعرضوا لإبادة جماعية، لذلك فإن محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة أصبحت شوكة في حلوق البعض من المجتمع الدولي.إن المحاكمات النهائية ستشيد أسس الحقيقة الوحيدة، وهي حدوث عدوان على البوسنة والهرسك، وتحدد المسؤولين عن الإبادة الجماعية التي تعرض لها البوشناق.

 

في أثناء محاكمة زعيم صرب البوسنة سابقا رادوفان كراجيتش، وغيره من مجرمي الحرب الصرب والكروات، أدلى الكثير من المسؤولين الدوليين السابقين بشهاداتهم ما قيمة هذه الشهادات من الناحية القانونية والتاريخية ؟
الشهادات هامة جدا، ولكنها ليست قاطعة. وللأسف الشديد لم يعمل المجتمع الدولي الكثير للبوسنةوالهرسك.إن أحد أهم ما أهمله المجتمع الدولي، هو عدم تمكين تنفيذ الأحكام والحقائق التي أكدتها محكمة مجرمي الحرب ليوغسلافيا السابقة بعد اتفاق دايتون، فحتى يومنا هذا يوجد في كرواتيا وصربيا وفي أكبر أجزاء المجتمع الدولي ثلاث نظرات مختلفة لما حصل في البوسنة والهرسك، وهذا أمر غير مقبول ويمثل استمرار للعدوان والإبادة الجماعية ضدنا. فعندما تحصل عمليات إغتصاب فهناك حقيقة واحدة فقط، ولا يمكن أن تكون هناك ثلاث حقائق حول الإغتصاب، ولكن إذا كان الأمر يخصنا نحن البوشناق فمن الظاهر أن أطرافا داخل المجتمع الدولي تنكر كل شئ، ويقولون بأننا متساوون في ارتكاب الإبادة الجماعية ضدنا. وهذه الأيام يحاول كراجيتش من جديد الايهام بأننا نحن من قمنا بقتل أنفسنا، ونحن الذين قمنا بأنفسنا بإلقاء القنابل على الأسواق في سراييفو. لقد أكد الأستاذ الدكتور توركوشيتش،إبان الإدلاء بشهادته أمام محكمة لاهاي أثناء محاكمة كراجيتش، كشاهد إدعاء، موجها كلامه لكراجيتش،إن ما هو أسوأ من قصف سراييفو،وقتل الضحايا الأبرياء، هوالإنكار الذي يصر عليه كراجيتش.

 

لماذا خلا ملف المحاكمات من تعويضات للضحايا ؟
رئيس محكمة جرائم الحرب ليوغسلافيا السابقة قام ولعدة مرات أمام اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة بالمطالبة بتأسيس صندوق لتعويض الضحايا، ولكن لم يعلن حتى الآن استعداده للموافقة على هذا المطلب.

 

هناك اختلاف حول المدة التي يمكن لمحكمة جرائم الحرب الخاصة بيوغسلافيا السابقة أن تظل تعمل فيها، وهناك من يرى أنها ستبقى حتى 2014 ما رأيكم ؟
من المحتمل أن تنهي محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة المحاكمات التي بدأتها، وهناك مخطط لتأسيس ما يسمى، آليات إعادية، وهذا يعني أنه بعد الانتهاء من جميع المحاكمات لن يتم اغلاق المحكمة، وإنما ستبقى في حالة انتظار، حتى يتم القبض على الجنرال راتكو ملاديتش، وغوران هاجيتش، وذلك في حال لم يتم القبض عليهما في الفترة المشار إليها في سؤالكم.

 


الكثير من قضايا جرائم الحرب، والمحاكمات، انتهت باطلاق سراح المتهمين الصرب والكروات، وخاصة تلك التي جرت في البوسنة، هل تعتقدون أن المحاكمات عادلة ونزيهة، وهل هناك تأثير قومي أو غيره على قرارات القضاة ؟

لقد تمت تبرئة جميع البوشناق المتهمين بارتكاب جرائم حرب، مثل سفر خليلوفيتش، وناصر أورليتش، وزينل ديلاليتش. ولذلك تعد محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة أهم مؤسسة دولية بالنسبة للبوسنة والهرسك، فهي المؤسسة الدولية الوحيدة التي قامت منذ تأسيسها بتأكيد أن البوشناق تعرضوا للابادة الجماعية، وقد أثبتت أن البوسنة والهرسك تعرضت لعدوان ثلاثي.

 

ماذا تعني بالعدوان الثلاثي ؟
أي عدوان من صربيا وكرواتيا ومن أطراف دولية ساهمت في إصدار حظر السلاح عن شعبنا.

 

هناك عدد كبيرمن العدالة موجودين في دول أوروبية كالسويد ( قتلة مايدة ميداري ) وغيرهم، وبعض المجرمين يكتشفون فجأة في الولايات المتحدة الأميركية وقد حصلوا على اللجوء، مثل ملاجنسفيانوفيتش، الذي اعتقلته الشرطة الأميركية يوم 9 ديسمبر 2010، هل لديكم خطة للتعاون مع الدول الأوروبية لاعتقال هؤلاء الفارين ؟
البوسنة والهرسك تتعاون مع دول أخرى في ملاحقة المتهمين بالجرائم في البوسنة والهرسك، وتتقدم وزارة العدل، والإدعاء العام البوسني جميع مؤسسات الدولة في ذلك. إن التعاون في نمو مستمر، ولكن أكثرما يقلق في هذا التعاون هو أن صربيا أعلنت نفسها المسؤولة عن التحريات الخاصة بالجرائم التي وقعت في البوسنة والهرسك، وحاليا تبحث ملفات أكثر من 200 ألف من مواطني البوسنة والهرسك، ولم تبحث في ملفات أي من مواطنيها. وللتذكير فإن محكمة جرائم الحرب في لاهاي اتهمت القيادة السياسية والبوليسية في صربيابالضلوع في الجرائم التي تمت في البوسنة والهرسك، في حين لم تجرى أي محاكمة في صربيا ضد المسؤولين الكبار من صربيا عن جرائم الحرب في البوسنة . وهناك أطراف دولية لن تبادر بمنع أي عدوان صربي جديد على البوسنة والهرسك، وتحاول بكل الطرق اتهام الوطنيين البوسنيين، وذلك للتغطية على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت بحقهم من قبل صربيا.

 


يوجد في السجن التابع لمحكمة لاهاي، عدد من مجرمي الحرب، مثل شيشيلي، وغيره، هل لديكم احصاء لعدد المتهمين والأحكام التي يمكن أن يتلقوها، وهل لهذه المحاكمات انعكاس على الوضع في البوسنة والهرسك ؟

طبعا لدينا جميع المعلومات والاحصائيات الخاصة بكل القضايا، ونسبة الاتهامات والأحكام وهي، 75 في المائة صرب، و20 في المائة كروات، و5 في المائة بوشناق. لقد قامت محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة باتهام ومحاكمة كل القيادات السياسية العسكرية الصربية والكرواتية، وعدد البوشناق المنتمون حصرا لجيش جمهورية البوسنة والهرسك، والمسؤولين من خلال " المسؤولية القيادية وحسب" عن عدم معاقبة بعض الذين قاموا بتجاوزات .

 

يحاكم كراجيتش، بينما مشروعه يهدد البوسنة حتى الآن، كيف يمكن لفت القضاء الدولي لهذه القضية، وهي المشروع الفاشي الباقي، وأنه أولى من محاكمة الأشخاص الزائلين الذين سينتهون بالموت الطبيعي، بينما المشروع يتم توارثه فدوديك، كما يقول البعض ومنهم الرئيس البوسني السابق، هو كراجيتش، ولكن بغطاء مختلف؟
في حال أوقف المجتمع الدولي تدخل صربيا في الشؤون الداخلية البوسنية، سيكون هناك فرصة لايقاف المشروع. من النفاق قيام المجتمع الدولي بدعوتنا نحن البوسنيين للاتفاق فيما بيننا، ونحن نعرف بوجود اختلافات كبيرة بين أعضاء المجتمع الدولي، فهو منقسم إلى عدة جهات، فليس من الأخلاق أن يلقوا علينا محاضرات ويطلبون منا الاتفاق، وهم فعلوا ما فعلوا بحقنا. انظروا اليوم إلى الاتحاد الاوروبي الذي يعيش أياما عضيبة من الأزمات الاقتصادية والسياسية،هل تعتقدون بأن الناتو سيكون متحدا لولا وجود دولة قائدة مثل الولايات المتحدة الأميركية . وأنتم تعلمون أن الناتو مع الولايات المتحدة هو حامي للمصالح الاوروبية . البوسنة والهرسك تحتاج إلى المساعدة، وإلى ما يسمى " الشهود العدول " والولايات المتحدة الأميركية هي أفضل شاهد لنا طبعا مع دعم الاتحاد الاوروبي.

 

أخيرا لم تحصل البوسنة على تعويضات من صربيا، وكان ثمن ذلك استقلال كوسوفو حتى لا يجمع على صربيا التعويضات للبوسنة واستقلال كوسوفو، كما يقول كثيرون،ما رأيكم ؟
 ما يهمنا هو الاستمرار في ملاحقة المجرمين، والوضع في البوسنة سئ بجميع المعايير، وسنحتاج للكثير من الحنكة والمعرفة لنخطو نحو الأمام فبقاؤنا مرهون بملاحقة الجناة .