دروس الثورة في ميدان التحرير
3 ربيع الأول 1432
د. محمد العبدة

كما أنه لا أحد كان يتوقع ما وقع في تونس ، فقد كانت قصص الاستبداد وقمع الحريات ، ومحاربة الإسلام تروى والناس متأسفون على الشعب التونسي ، ثم جاء ما لم يكن بالحسبان وتحرير الشعب من سطوة الظلم والبغي ، وكذلك لم يتوقع كثير من الناس ما يحصل الآن في مصر ، كان الناس يقولون : مصر بعد تونس ، ولكن لم يتوقعون أن تقع الأحداث بهذه السرعة ، ولابد من الإشارة إلى أمور مهمة من خلال هذه الأحداث :

 


أولا :
أن الذي قام بهذه الثورة ، أو هذه الانتفاضة الشعبية هم الشباب الذين لا ينتمون لأي جهة حزبية أو فكرية إنهم شباب رأوا وعانوا وهم طلبة في الثانوي والجامعة كيف تسير البلد وكيف تتدهور الأحوال ، السياسية والاقتصادية ، وعاشوا مع الإرهاب الذي تمارسه الدولة على أفراد الشعب الذين يعارضون هذا النظام .

واللافت للنظر بل الشيء الذي يجب أن ينتبه له أن كل الأحزاب والجماعات الإسلامية ، جاءت متأخرة عما قام به هؤلاء الشباب، بل هم يحاولون حتى الآن اللحاق بهذا الركب، والسبب هو البيروقراطية الحزبية من جهة ، وفقدان الحاسة التي تستشرف المستقبل وتراقب ماذا يجري بين صفوف هؤلاء الفتية ، والنخب تتريث وتراقب وتتخير ، ولكن الشباب يندفع ، والصحيح أن يتلاقيا في الوقت نفسه دون تأخير.

 

ثانيا : كنت أقول دائما وكتبت في هذا الموضوع عدة مرات ، أن لا يستهين الدعاة والعلماء والمثقفون بأمر الجماهير ، وأمر عامة الناس ، وأن هذه النظرة الفوقية إلى عامة الناس غير صحيحة وهي مما يقرأونه في الكتب عن أن العامة يجرون وراء كل ناعق ولا فائدة منهم ، وهي نظرة كانت موجودة عند النخبة في العصر العباسي ، ولكن هذه العامة كان لها دور لا ينسى في الدفاع عن الأرض الإسلامية أثناء الحروب الصليبية وأن العامة عندما يرون الاتجاه الصحيح يؤيدونه .

 


ثالثا :
إن الطغاة على مر العصور يتشابهون في تكبرهم على الناس باحتقار شعوبهم ، ولذلك يستغربون أن تثور هذه الشعوب عليهم ، بل هم يمنون على هذه الشعوب بحكمهم وتسلطهم وأن كل ذلك لمصلحة هذه الشعوب ؟! كما قال سلفهم فرعون لموسى عليه السلام (أولم نربك فينا وليدا ....) وكان جواب موسى واضحا قويا ( تلك نعمة تمنها عليّ أن عبّدت بني إسرائيل ) وقد قالها فرعون هذه الأمة (أبو جهل عمرو بن هشام ) وهو يرى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقوم على صدره ليجهز عليه ، قال له : لقد ارتقيت مرتقا صعبا يا روعي الغنم ، يقول هذا وهو متسربل في جراحه ويتجرع الموت ، فليس سهلا على الطغاة أن يغادروا ما هم فيه من العظمة الفارغة، والذين حولهم يؤزونهم للبقاء لأنهم يستفيدون من هذا البقاء ، لقد تكلم كبار القضاة وكبار الشخصيات المحترمة يدعون فيه الطاغية ليرحل ، ولكن خروجه أهون عليه من خروجه من قصره.

 

رابعا : المعركة أصبحت مكشوفة مع الدول الغربية ، بل ازدادت انكشاف ، فهم يصرحون دون مواربة أنهم يخشون مجيء الإسلاميين ، ومع أن الإسلاميين في مصر جزء من الأحداث الأخيرة ، ولكن الغربيين وبتحريض من الصحفيين وغيرهم من المؤيدين للصهيونية ، يؤيدون بقاء الديكتاتوريات والقهر للشعوب العربية والإسلامية ، على أن يأتي حكم فيه حرية للدعوة الإسلامية ، وحرية بتطبيق الإسلام.

 

خامسا : الثورات يقوم بها الأبطال ، ولكن الخوف هو أن تسرق هذه الجهود ، وهذه التضحيات ، يسرقها من يتقن لعبة رفع الشعارات ، والكذب على الناس ، فهذا أهم ما يجب أن ينتبه له الذين يريدون تحرير بلادهم من الظلم والطغيان ، ويريدون أن يروا بلادهم تتقدم في جميع النواحي التي ترضي الله سبحان وتعالى ، وأن يكون كل ذلك في صالح الأمة ، ويأتي بالسعادة في الدنيا و الأخره