دروس (ميدان التحرير) (2)
3 ربيع الأول 1432
د. محمد العبدة

أولا : قلت في مقال سابق إن من أخطر ما تواجهه الثورات التي تريد العدل وتريد الحرية ، هو الالتفاف عليها من الانتهازيين وأصحاب المطامع ، وأسوأ هؤلاء الذين ظاهرهم من المعارضة وأصحاب أسماء لامعة ، ويريدون أن يدخلوا إلى الثورة – وهم ليسوا صانعيها – من الأبواب الواسعة ، هذا ما حاولت أن تقوم به ما يسمى بـ(لجنة الحكماء) التي سعت للوساطة بين النظام وبين شباب ميدان التحرير ، والحقيقة أن ما قاموا به هو تفريغ الثورة من مضمونها ، والقيام بدور يكونون فيه قريبون من السلطة وقريبون من الثورة ، وهذا ما وقع مع الشعب الجزائري حين قام ( رمضان غبان ) في مؤتمر (الصومام ) و حول الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي عن وجهتها الحقيقية والتي كانت إسلامية عروبية.

 

ثانيا : ليس غريبا أن يتحدث الطاغية عن نفسه ويعتبر حكمه للشعب هو فضل منه ، إنه يمن على الناس بحكمه لهم وإذلالهم وإفقارهم ، وهذا ما قاله فرعون لموسى عليه السلام (أولم نربك فينا وليدا) إنه ينظر إلى الشعب باحتقار ، وأنهم لا شيء ، والحاشية تزين له هذا لترضي غروره ولتبقى هي تستفيد من وجوده كما قالوا لفرعون (أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض) والآن يقولون : هؤلاء مخربون وفيهم مندسون يكرهون مصر وليس غريبا هذا العناد من الطاغية ،فالله سبحانه وتعالى يعمي قلبه ويصرفه عن الهدى ومعرفة الحقائق عقابا له وإذلالا له ( وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل ....).

 

ثالثا : هناك مشكلة حقيقية لدى بعض الشعوب العربية وهي تغليب العاطفة المشوشة على العقل والتفكير في الواقع وفي العواقب ، فلا شك أن هناك من الشعب مَن تأثروا بالكلمات العاطفية الذي قالها من أذلهم وأفقرهم ، ولم يقدم شيئا لبلده طوال سنين ، وقد تكلم عن هذه العقدة المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله ، وهو يتكلم عن نفسه كيف بكى عندما احتلت جيوش ألمانيا فرنسا ، وهو يكره فرنسا التي استعمرت بلاده الجزائر ، وقد علقت على هذه الحادثة التي ذكرها مالك عن نفسه ، بأني رأيت من يكره عبد الناصر كرها شديدا لاستبداده وظلمه ، يبكي عندما سمع بموته.

 

رابعا : نحن نعلم أن أمريكا هي التي أيدت وساعدت الأنظمة الدكتاتورية العسكرية في البلاد العربية ، ونعلم أن القرار الأمريكي غالبا ما يكون تحت تأثير اللوبي الصهيوني فيما يتعلق بالمنطقة العربية خاصة ، ونحن نعلم أن الخطاب الأمريكي في الأحداث الأخيرة كان خطابا ملتبسا غير واضح ولا يريد أي ظهور إسلامي قوي في المنطقة ، أقول رغم كل ذلك ولكن هل إذا أرادت أمريكا إسقاط الطاغية – وإن كان ذلك لاعتبارات خاصة بها – ولكنها تلتقي مع ما يريده الثوار في ميدان التحرير ، هل تصل بنا ( عقدة أمريكا ) أنها لو قالت أريد إسقاط الطاغية فنقول نحن بالعكس نريد بقاء هذا الطاغية ، مناكفة لأمريكا ، هل إذا قال العدو كلمة حق يجب أن نرفضها ، هذا ما قاله أحد الصحفيين في مقابلة مع قناة (الجزيرة) ألم يصدق الله سبحانه وتعالى على كلام ملكة سبأ وهي كافرة قبل أن تسلم عندما قالت (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ) قال تعالى موافقا لها ( وكذلك يفعلون) وهذا هو نهج الإسلام يقبل الحق من أي جهة جاء .

 

خامسا : حاول ( الخامنئي ) الاصطياد في الماء العكر ويعتبر أن ما يجري في مصر هو تقليد لثورة إيران ، ولكن الحقيقة أن لا ثورة إيران هي ثورة إسلامية ولا الشباب في مصر قلدوا أحدا ، قد يكونوا استفادوا مما وقع في تونس ، ولكنهم شباب يريدون حكما منصفا يحقق العدالة الاجتماعية ويهتم بشعبه

 

نقلا عن المصريون