التفاف النظام المصري على ثورة الشعب
6 ربيع الأول 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

بح صوت المعارضة المصرية والعديد من الأصوات المستقلة طوال السنوات الماضية التي فتح فيها باب حرية التعبير النسبي عن الرأي, من المطالبة بتغييرات سياسية واقتصادية في البلاد قبل انفجار الشعب, وكان النظام على الجهة المقابلة يتجاهل هذه الدعوات تماما وإذا رد عليها يقول: إن هناك تغييرات وإصلاحات ولكن أصحاب النوايا السيئة لا يرونها وأن وضع البلاد أفضل من ذي قبل حتى وصل الأمر ببعض رجال النظام أن قالوا: إن تكدس الزبالة في الشوارع دليل على رفاهية المجتمع! وفي ظل حالة التجاهل والاستفزاز المستمر حدث المتوقع وانتفض الشعب المصري الذي راهن النظام كثيرا على طيبته ومسالمته.

 

لقد بدأت الأحداث ساخنة يوم 25 يناير وازدادت سخونة بعد توالي سقوط "الشهداء" حتى وصلت إلى ذروتها بالمظاهرات المليونية التي اندلعت في عدة مدن وخصوصا في القاهرة والاسكندرية والسويس, وبعد فشل استخدام القوة ضد المتظاهرين في الايام الأولى وإصرارهم على مواصلة ثورتهم رغم سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى لم يجد النظام إلا طريق المهادنة في محاولة لتفريق صف المتظاهرين واللعب بورقة "خفوت حماس المصريين مع مرور الوقت" .

 

لقد أصدر النظام عددا من القرارات التي كان يرفض مجرد مناقشتها ويعتبر المطالبين بها من السذج والحالمين والجاهلين ببواطن الامور والسؤال الذي يتبادر للذهن لماذا عاند النظام كثيرا في تنفيذ هذه الإجراءات منذ وقت طويل ما دام يرى أهميتها؟ وهل يرى النظام حقا أنها تغييرات ضرورية أم يحاول أن يلتف على الثورة التي تطالب صراحة بإسقاطه؟ الكثيرون طالبوا بتغيير حكومة رجال الاعمال لتعارض الأعمال الخاصة لعدد من الوزراء مع مهامهم في الحكومة والكثيرون طالبوا بإبعاد أحمد عز عن الحزب الحاكم واتهموه بتزوير انتخابات البرلمان الأخيرة, كما طالبوا بضرورة تعيين نائب لرئيس الجمهورية وتحديد عدد المدد الرئاسية, وإبعاد جمال مبارك من دائرة الترشيح على الرئاسة لكن لا مجيب؛ حتى جاءت الانتفاضة المباركة وتمت كل هذه التغييرات وزيادة في أيام معدودة, ووصل الأمر لدعوة نائب الرئيس عمر سليمان لجماعة الإخوان التي طالما وصفها رجال النظام "بالمحظورة" إلى الحوار وتصريحه أمام شاشات التليفزيون قائلا: "لقد دعوناهم ولكنهم مترددون", ونزل وزير الدفاع إلى ميدان التحرير ليقول للمحتجين: قولوا للمرشد أن يتحاور مع السلطة. !!

 

في الحقيقة لا يمكن فهم هذا التغير أو هذه التصرفات إلا في إطار الحقائق التالية واولها: إن المنطقة تغلي بروح التغيير بعد خلع بن علي في تونس واهتزاز الارض من تحت أقدام رؤساء الجزائر واليمن وملك الاردن.

 

ثانيا: الرئيس المصري قالها صريحة:إنه "يريد أن يموت في مصر" يعني يريد إخلاء مسؤوليته عن أي تصرفات خاطئة ارتكبت في عصره وإلصاقها بالمسؤولين المباشرين, فمن عينهم إذن؟ ومن وجههم؟ ومن تركهم سنوات طويلة ينفذون خطاياهم؟ ومن أصر على أن انتخابات البرلمان الأخير كانت نزيهة فيما عدا "مخالفات محدودة"؟ هو لم يجب عن هذه التساؤلات ولكن المحتجين أجابوا, ثم هل المشكلة تكمن في العادلي وأحمد عز والمغربي وجرانة وآخرين فقط؟ فأين بقية الوزراء والفاسدين طوال سنوات سابقة؟ هل الاوضاع المتدهورة في مصر الآن هي نتاج وحصيلة لفساد هذه الزمرة فقط؟  أم هي حصيلة لفساد حكومات متعاقبة عينها النظام جميعا؟ وهل العادلي هو الوحيد الذي أهان المواطن المصري أم هي سياسة مستمرة للداخلية منذ عشرات السنين؟ وهي وزارة سيادية لا يتم تعيين وزيرها إلا من خلال الرئيس نفسه, وهل أحمد عز هو أول من زور الانتخابات أم أنه تلميذ في مدرسة كمال الشاذلي الذي زور جميع انتخابات النظام مع اختلاف الاسلوب؟ وهل يمكن لهؤلاء جميعا أن يقوموا بهذه الممارسات طوال عقود في ظل عدم موافقة النظام؟ أم أنه كان لا يعلم وهي كارثة أكبر؟ من السذاجة المفرطة أن نظن أن المشكلة تكمن في أشخاص تنفيذيين في النظام مهما كانت سلطاتهم خصوصا مع استمرار السياسة العامة من شخص لآخر.

 

الحقيقة الثالثة: إن عمر سليمان وأحمد شفيق هم رجال النظام وجزء منه وهم خير ضمانة لخروج الرئيس دون مساءلة كما أن ترشيح أحدهما للانتخابات الرئاسية القادمة عن الحزب الحاكم وهو في السلطة ستكفل له الفوز في ظل الاوضاع السياسية والاجتماعية المتراكمة وهو ما يعني بقاء النظام بشكل آخر مع امكانية اختراقه مجددا من أصحاب المصالح.

 

لقد حرص النظام في الفترة الأخيرة على تطبيع الحياة مع وجود المعتصمين دون مواجهتهم حتى لا يثير حفيظة الداخل والخارج وفتح البنوك والمصالح الحكومية ورفع رواتب الموظفين وبدأت أجهزة الإعلام التابعة له والمقربة منه في إرسال رسائل مفادها أن الحياة يمكن أن تسير مع بقاء الاحتجاجات بشكل سلمي ويبقى الوضع كما هو عليه, في نفس الوقت يتم تشوية صورة المعتصمين أو بعضهم بقول: إن هناك عناصر من حزب الله أو حماس تحرضهم أو أن جماعة الإخوان هي التي تحركهم لمصالحها الخاصة وأن هناك جهات تمدهم بأطعمة فاخرة حتى يبقوا طويلا, وتكريس نغمة أن النظام استجاب لجميع المطالب فلماذا استمرار الاعتصام؟ والتركيز على ثنائية "الفوضى أو بقاء النظام". لقد تمكن النظام من استقطاب بعض الفئات للحوار وبدأت هذه الفئات تتنازل عن مطلب رحيل النظام بحجة عدم إمكانية تعديل الدستور بدون الرئيس, رغم أنه دستور مطعون في شرعيته من الاساس. النظام يراهن على الوقت وتفرقة كتل الاحتجاج للالتفاف على المطالب الرئيسية والمشروعة بمسكنات ومهدئات ودون أدنى ضمانات مرتكنا على "شرعية" سحبت بثورة شعبية حقيقية بشهادة أركان النظام نفسه كما جاء هو بـ"شرعية" انقلاب يوليو.