التحدي الحقيقي الذي يواجهنا الآن
18 ربيع الأول 1432
جمال سلطان

أشعر بالراحة الشديدة والامتنان الكبير للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد القرار النبيل بحفظ التحقيق مع الإخوة والأبناء الضباط الذين انحازوا إلى الثورة وتضامنوا مع الشعب في ميدان التحرير ، وكانت شائعات ـ كالمعتاد ـ قد انتشرت عن أحكام ثقيلة صدرت ضد بعضهم ، فأتت التقارير الصادرة عن المجلس بحفظ التحقيق معهم تقديرا لمشاعرهم الوطنية أثناء الأحداث ، لتكون علامة مضيئة أخرى في سجل القوات المسلحة المصرية ، وتأكيدا آخر على أن هؤلاء الرجال الذين يقودون الوطن في تلك المرحلة الانتقالية الصعبة هم أمناء بالفعل على ثورة الشعب ، بل هم جزء من ثورة مصر بالفعل ، ونحن فخورون بهم وبمواقفهم المشرفة .

 

التحدي الأكبر الذي يواجه التيارات الفكرية والسياسية والدينية في مصر الآن هو أخلاقي بالمقام الأول ، التحدي هو البرهنة على أننا على قدر المسؤولية وأن الإحساس بالمسؤولية تجاه وطننا سيكون هو حادينا وقائدنا ، التحدي هو أن نبرهن للجميع داخل مصر وخارجها أننا قادرون على العطاء والبذل في كل مناحي الحياة بما يدفع بوطننا قدما إلى العلياء في كل مجال ، التحدي هو أن نثبت أن الشعب عندما عادت إليه إرادته وأدار شؤونه بحرية استطاع أن يفكك هموم الوطن ومشكلاته التي استعصت طوال عقود طويلة مضت ، التحدي هو أن نثبت أن الديمقراطية والحرية مكنت الوطن من تجفيف منابع الفساد ووقف الهدر الضخم في مقدراتها وإعادة ضخ ذلك كله في خلاياها ودورة العمل والانتاج بما يفيض بالخير على كل من فيها وتظهر نضارة العافية على الدولة واقتصادها وبنيتها الأساسية ومستويات الأجور .

 

التحدي هو أن نثبت أن الحرية والديمقراطية هي العلاج الناجع للعنف والتطرف والإرهاب ، وأن نعصم بلادنا بشكل نهائي من تلك الآفات مؤكدين على أن العنف والإرهاب كان صناعة نظام مستبد وفاسد زال بزواله ، التحدي هو أن نثبت للجميع أن الشعب المصري بجميع قواه السياسية والفكرية قادر على إدارة خلافاته بمستويات راقية وحضارية ومسؤولة ، التحدي أن نثبت للعالم أن مصر محصنة ضد الطائفية وأن الأصوات التي تتاجر بقضايا طائفية هي نشاز ، ومهمشة داخل الوطن ، وأن المصريين قادرون على حل مشكلاتهم الدينية بالحوار المسؤول ، التحدي اليوم هو أن لا تسرق الفرحة أصحاب الحقوق التي هضمت حقوقهم طوال عقود فيتعجلون على الوطن وعلى حركة الحياة ، وأن تكون الحكمة والتأني هي قانون العمل والحركة بما لا يضر بالوطن أو يثير الخوف على مستقبله ، التحدي اليوم هو أن تنجح القوى السياسية والنقابية في استيعاب موجات الغضب والاحتجاج العمالي والفئوي الذي انتشر في ربوع الوطن بصورة غير محسوبة بما يعطل بالفعل المصالح ويربك القيادة المؤقتة للدولة وهو الأمر الذي يحتاج إلى استيعاب عاجل بالعقل والحوار وعدم دفع الأمور إلى تصادم أو إضرار بأي طرف .

 

التحدي الآن هو أن يثبت الإسلاميون أنهم بالفعل طاقات عمل ورحمة وبناء في الأمة وصناعة الأخلاق والولاء للوطن ومصالحه وأنهم حصن الوطن ضد التطرف وضد الإرهاب وضد الفساد وصد الفوضى ، وأن يثبتوا أنهم عون لكل مخلص في هذا البلد حاكما أو محكوما في كل ما يمثل خيرا للوطن وصونا لأمنه وتنمية لمقدراته وتخفيفا لآلام أبنائه ، التحدي الآن أن يثبت كل تيار سياسي أو فكري في مصر أنه في ظل الحرية والروح المصرية الجديدة لا مكان لأفكار إقصائية ، وأن الجميع مؤمن بأن نهضة بلادنا مسؤولية مشتركة بين الجميع ، وأن الشراكة في المسؤولية والعمل والشأن العام هي دستور عملنا الآن وفي المستقبل وهي ضمانة بناء الثقة بين الجميع والثقة في المستقبل أيضا .

[email protected]