هل ستفعل بنا يا بشار ما يفعله القذافي بشعبه؟
1 ربيع الثاني 1432
أمير أوغلو

سيادة الرئيس بشار الأسد مازال مصراً على رأيه أن سوريا ليست كبقية البلدان العربية التي حصلت فيها ثورات أطاحت برؤسائها أو تكاد، لم يبق من الجمهوريات المزعومة في العالم العربي سوى ستة: جزر القمر، موريتانيا، الجزائر، السودان، اليمن وسوريا، مع استثناء الصومال و العراق لأنه لا يوجد فيهما نظام دولة أصلاً ومع هذا بدأت المظاهرات في العراق.

 

موريتانيا فيها حكم شبه ديمقراطي تخلى فيه العسكر عن الحكم وليست بحاجة حالياً لثورة جديدة، فهي في طور التجربة وفيها حريات تعبير مقبولة. جزر القمر لا ندري ما وضع  الشعب فيها وهل هو فعلاً راض عن حكومته وهل يملك قدراً كافياً من الحرية والكرامة يمنعه من الثورة على حكامه.

 

يبقى لدينا إذاً أربع جمهوريات مؤهلة تماماً للثورة، بدأت إحداها بالتصدع وهي اليمن، والجزائر في أول الطريق، والسودان ستشهد قريباً أحداثاً مماثلة مما حدا برئيسها أن يعلن أنه لن يترشح للإنتخابات المقبلة.

 

ماذا إذاً عن سوريا؟ وماذا عن رئيسها الذي أعاد الإعلان عن إصلاحات تدريجية كما فعل منذ عشر سنوات عندما استلم الحكم، ظاناً أن الشعب الذي جربه عشر سنوات كاملة سيعطيه فرصة أخرى لمدة عشرين أو ثلاثين سنة ليبدأ بالإصلاحات المزعومة.

 

لقد سمعنا عن قانون للأحزاب كان جاهزاً تقريباً منذ عشر سنوات ولكنه مازال في طي الكتمان، سمعنا عن محاربة الفساد وجمع الثروات فإذا هي تتحدد في مخالفات السير وملاحقة شرطة المرور التي ترتشي وملاحقة بعض موظفي أمانة العاصمة، أما الحيتان الكبيرة والتي لها علاقة بالنظام مباشرة، فما زالت ثرواتها تتضخم وتسلطها يكبر. سمعنا عن إزدهار إقتصادي سيعم جميع المواطنين فإذا هو استثمارات لمخلوف وأقاربه وبقية شلة الفساد من أموالهم التي خافوا عليها في الخارج فأدخلوها إلى الداخل وجاؤوا بالخليجيين ليشاركوهم في كل مشروع هام في البلد. (عفوا نسيت زيادة دعم المازوت) هذه هي الإصلاحات الموعودة. أما في مجال حقوق الإنسان وحرية التعبير والرأي فالأمور من سيء إلى أسوأ، فإلى متى سيستمر هذا الوضع؟

 

لن تفيد مخاطبة أي إنسان في سوريا أو أي منظمة أو هيئة أو مؤسسة في هذا البلد ولا خارجه، فالمتنفذ الوحيد في البلد هو الرئيس وبحكم أنه يجمع السلطات الثلاث في يده التشريعية والتنفيذية والقضائية، فيجب أن يكون المسؤول الأول بالمقابل عن كل ما يحدث، ولا يمكنه تحميل المسؤولية لأحد بحجة أنه لا يعلم طالما أنه لم يوزع على أحد السلطة. لذلك نقول للرئيس: إنك ترى ما يجري في ليبيا وحمام الدم الذي لم ير العالم مثله مثيلاً، فهل هذه هي خياراتك إذا تحرك الشعب السوري بعد أن نفذ صبره؟ أم أنك تظن فعلاً أن عشر ليترات مازوت لكل مواطن ستحل المشكلة؟

 

سيادة الرئيس كتبنا ونكتب ونقول ونعيد إن مشكلة الشعب السوري ليست الفقر وإن كان الفقر مشكلة، ولكنها مشكلة الكرامة والحرية، كل الشعوب التي ثارت لم تثر من اجل بطنها ولكنها ثارت من أجل كرامتها وحريتها، وكل إصلاح لا ينطلق من هذا المنطلق فهو كذب وادعاء وغباء سياسي واضح. الثورة قادمة قادمة لا محالة. ربما كانت استعداداتك الأمنية أكبر من استعدادات من سبقك ممن هوى ويهوي من الطغاة، وربما استطعت قمع المظاهرات الأولى ولكن النهاية محتومة، فلماذا لا تفكر يوماً بالحل الآخر الذي يوفر عليك الخوض في دماء الناس كما خاض أبوك من قبل؟ ولماذا لا توفر عليك لعنة التاريخ التي ستلاحقك وكل من يقف معك اليوم؟ ولماذا لا توفر عليك الموقف الذي يقفه المجنون القذافي اليوم؟ مازال الشعب مستعداً أن يعطيك فرصة ولكن تأكد أنه مع سيلان أول قطرة دم من أول متظاهر في ساحة الشهداء أو ساحة الأمويين في دمشق ستنتهي هذه الفرصة. كما انتهت فرصة مبارك بعد موقعة الجمل، وكما انتهت فرصة بن علي بعد قتل أول متظاهر، وكما انتهت فرصة القذافي بعد أول هجوم على المتظاهرين بالرصاص الحي. أنصحك بإعادة قراءة هذه الفقرة حتى لا تفوت على نفسك الفرصة الأخيرة، أما إذا كنت تظن أنه بالقمع والاضطهاد ستستطيع تأجيل الثورة فقد يكون هذا صحيحا ولكن فقط إلى يوم الوقت المعلوم، فإن لم تبدأ الثورة في هذا الشهر فستبدأ في الشهر القادم وأنت تتصارع مع الزمن الذي لن يمهلك، فالشعب لم يعد يطيق الاحتمال والأمر ليس أمر معارضة خارجية أو مؤامرة أمريكية أو إسرائيلية، بل هو أمر كرامة وحرية والخيار متروك لك.

 

لن أخوض هنا في تفاصيل ما يمكن أن تفعله وما هو مطلوب فعلاً، فقد كتب الكثيرون في هذا ونصحوا ووضعوا حلولاً المهم هو العمل، الخطوة الأولى يجب أن تأتي منك أنت وأن تكون صادقة وواقعية وعملية، أما الكلام الهوائي الذي لا معنى له فلن يفيد شيئاً ولم يعد يقنع بلهاء الصبية، والأحاديث مع الصحف الأجنبية لم يعد يغني فتيلاً، بالمناسبة لماذا لا نسمع عن الإصلاحات إلا من خلال الصحف الأجنبية، ولماذا لا تقابل سيادتك صحافتنا؟ وتحدثها بما تحدث به صحف الغرب؟ أم أننا شعب لا يفهم ولا يستحق أن يخاطب بمثل هذه الأمور الهامة التي تخصه هو مباشرة؟ لماذا لا تظهر  على التلفزيون السوري لتحدثنا حديثاً من القلب عن مشاكلك مع الإصلاح ولماذا لم يتحقق منه شيء؟ ولكن بربك لا تحدثنا عن العصا السحرية التي سحرتنا بها في خطاب القسم، فقد انتهى مفعولها تماماً بعد عشر سنوات من الانتظار.

 

ختاماً نقول الدم الذي سفكه القذافي لن ينجيه من مصيره المحتوم، وإياك أن تعتبر أن نجاح تجربة أبيك في حماة وغيرها سيتكرر، فقد تغير الزمن، ولك في خروجك من لبنان صاغراً أمام مئات آلاف المتظاهرين السلميين عبرة، وإياك أن تراهن على خوف الشعب السوري فقد انتهى عصر الخوف والإرهاب بعد أن جاءت سحائب سكينة الإنترنيت والفضائيات، وإياك أن تراهن على حزب الله ومقاتليه بدل مرتزقة القذافي لأنهم لن يغنوا عنك شيئا، وإياك أن تراهن على ورقة إيران فهي نفسها في حاجة اليوم لمن ينقذها من ورطتها مع معارضتها، وإياك أن تراهن على مقولات الصمود والتصدي فجبهة الجولان تكذب كل رهاناتك.

 

ألا هل بلغت اللهم فاشهد