بشار الأسد وإصلاحات الجيل القادم !!
1 ربيع الثاني 1432

عشت في الفترة الأخيرة - كغيري من أبناء الوطن العربي - حالة الحماس والترقب التي سادت عالمنا أثناء الثورة المصرية. وكنت أتابع بشغف الأخبار لحظة بلحظة. جلست أمام التلفاز، وفتحت حاسوبي المحمول، وفتحت "كومة" من المواقع الالكترونية؛ الجزيرة، فيسبوك، تويتر…إلخ. ووضعت هاتفي المتنقل بجانبي لعل خبراً غفلت عنه كل هذه المواقع يصلني برسالة قصيرة، أو ربما بمكالمة من "واحد فاضي".

بدأت البحث كالمهووس عن أخبار الاصلاحات التي يتسارع الحكام لتحقيقها واحداً تلو الآخر في محاولة لصد سيل الحرية العارم. وعود بعدم الترشح مجدداً للرئاسة هنا وهناك، تخفيض للأسعار في البلدان الفقيرة، ترخيص لأحزاب سياسية في بلدان لم تعرف معنى كلمة "حزب" سابقاً، مفاوضات بين الحكومة والمعارضة، إقالة حكومات …

وتزداد حالة الحماس والترقب، وتتفتق مواهبي في اكتشاف مواقع الأخبار العربية والأجنبية، وتتطور لغاتي الأجنبية لا إرادياً كي تطفئ عطشي لشم روائح الديمقراطية تنبعث هنا هناك…

فجأة، وإذا بدلو من الماء البارد ينصب فوق رأسي ويغمرني إلى أخمص قدميّ … "لا يزال أمامنا طريق طويل لنقطعه … لكي نكون واقعيين علينا أن ننتظر الجيل القادم لتحقيق هذا الإصلاح". أعدت تدوير عجلة "الماوس" لكي أقرأ العنوان مجدداً، لعل المقابلة التي أقرؤها كانت مع رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، أو لعلها مع رئيس جمهورية الصين الشعبية، البعيدة كل البعد عن ساحة الأحداث، أو لعلها أجريت قبل أشهر. لكنني تأكدت مجدداً بأنها مقابلة مع السيد بشار الأسد، وتاريخ إجرائها يلي انطلاق الثورة المصرية بسبعة أيام، ويسبق سقوط نظيره بعشرة أيام.

رغم كل حماسي المتزايد، لم يخطر ببالي أن الإصلاح في سوريا سيتسارع إلى هذه الدرجة. لماذا يا سيادة الرئيس؟ لماذا تستعجل الإصلاحات والثورة المصرية قد بدأت للتو؟ كيف يمكن لها أن تتم بنجاح دون أن تُطبخ على نار هادئة؟ ألم تدرّب شعبك على مهارة "كتم الأنفاس" و "طولة البال"؟ ألم تعوّدهم بحكمتك اللامتناهية على كيفية "الاحتفاظ بحق الرد"؟ وعلى "انتظار الوقت المناسب"؟

ألم يتعلم منك شعبك أن محاكمة السجين تستغرق عقداً وربما عقدين من الزمن، ليخرج بعدها بعفو من سيادتكم؟ ليس عفواً مجرداً، إنما هو عفو "مزدوج"، عفو عن المجرم، وإعفاء له من المحاكمة. ألم تعلمك جراحة العيون أن العملية الإصلاحية تحتاج إلى دقة وتؤدة، وإلا أدت إلى العمى لا قدّر الله؟ هل يرضيك أن يقال عنك: "إجا ليكحلها عماها"؟

يا سيادة الرئيس…

نحن لا نزال في بداية الطريق، والثورة إنما هي ثورة جياع، وكما قلت في مقابلتك، فالفجوة التي بين سيادتكم وبين شعبكم ليست كبيرة إلى الحد الذي يحدث ثورة. ونسبة فوزكم في الانتخابات أكبر من النسبة التي حصل عليها مبارك وبن علي مجتمعين. والحزب الوطني الحاكم في مصر كان يسيطر على نصف البرلمان أو يزيد قليلاً، بينما "مجلس الشغب" الذي تمخضت عنه قيادتكم يخضع لرغباتكم بنسبة 100% أو تزيد قليلاً.

أما عن علاقتكم مع إسرائيل فتختلف جذرياً عن علاقة مبارك، فهو أقام جداراً معدنياً على حدوده مع غزة، بينما لم يكتفِ والدكم الكريم بإقامة جدار، بل وهب العدو الإسرائيلي جبال الجولان لكي يكون لدى العدو هامش للمناورة في حالة هجوم جيشكم الباسل على أرضه. لقد قمت أنت ووالدك فعلاً بتقليص الفجوة، لكنها كانت الفجوة الخطأ.

وعلى ذكر الجيش والإصلاح، فأعتقد أن الجيش يجب أن "يعفى" من عملية الإصلاح الراشدة التي ستقومون بها. فهو يمتلك عتاداً لا يستهان به من الأسلحة الروسية الصدئة، وعدداً لا يستهان به من صواريخ شهاب1 وشهاب2 التي وضعتها إيران في أمانتكم ليتسنى لحزب الشيطان تسلمها حين تطلب منه إسرائيل العون.

أعدك يا سيادة الرئيس بأن شعبك سينتظر اللحظة التي يحتاج فيها إذناً يومياً من فروعكم الأمنية العامرة لكي ينام في بيته قرير العين. سينتظر حتى تزداد عيونكم حتى يصبح لكل مواطن أربعة عيون، عينان يبصر بهما، وعينان تبصرناه. حينها لن يثور عليكم، بل سيوقن بأنكم تسهرون على راحته، وتهيئون له أسباب الأمن والأمان.

سينتظر الشعب "حافظ الصغير" لكي يرث عنكم سدة الحكم، حينها سيطمئن الشعب إلى تمكن آل الأسد من الكرسي، وسيمتلك بذلك الثقة المطلقة بأنكم أوصياء عليه من رب العالمين، وبذلك يكون قد وصل إلى أقصى درجات الصلاح التي تريدونها له.

سينتظر شعبك إصلاحاتك لأجيال وليس لجيل. سينتظر "مخلوفَك" ليملأ جيوبه التي لم تمتلئ بعد بأموال الشعب. سينتظر المواطن اللحظة التي سيصبح عندها مضطراً لدفع رشوة مقدارها 25 ليرة مقابل حصوله على اسطوانة أوكسجين يتنفس منها، أو ربما يتنفس فيها. حينها، سيدرك مواطنكم كم هي رخيصة تلك الحياة التي دفع ثمنها رشوة زهيدة. ربما يقرر بعدها أن يقدم حياته رشوة لبقية أبناء شعبه مع ما تبقى من غاز في اسطوانة الأكسجين، لكي يثوروا عليكم.

عندها ستجد عناوين الصحف قد تحولت إلى "شعب يحرق نفسه بالأكسجين" بدلاً من "شاب يحرق نفسه بالكاز"، وستكون الثورة السورية إلهاماً جديداً لبقية الأحرار في العالم. وسينسى التاريخ قصة "البوعزيزي" ويسجل بدلاً منها قصة الشعب الذي قال لحاكمه بعد مقابلة صحفية: "تلحس …"

 ورد موقع المسلم هذا المقال بتوقيع  : مواطن سوري