ما كشفته سراديب "أمن الدولة" ووثائقها
4 ربيع الثاني 1432
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

كشفت الوثائق التي استطاع شباب في مصر الحصول عليها من مقرات مباحث أمن الدولة حقائق، وأيدت أخرى، وأبطلت ادعاءات كان يزعمها بعض المقربين من السلطة.

 

كما اكتشف داخل مباني المباحث حقائق مثيرة حول حياة بعض رموز نظام الرئيس السابق حسني مبارك والاعتقالات والتعذيب في عهده.

 

 ومن أشهر الوثائق التي تداولتها وسائل الإعلام، تلك التي تتابع حركة رئيس الجمهورية وعدد من المسؤولين المصريين والأجانب المتواجدين بمصر، وتلك الوثيقة التي سبق نشرها والتي تشير إلى تجسس مباحث أمن الدولة على القوات المسلحة.

 

وقبل مناداة المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر للشعب المصري بعدم نشر أي من تلك الوثائق حفاظا على سرية المعلومات وعلى أمن البلاد، نشر عدد من الشباب على موقع فيسبوك الاجتماعي وعلى موقع الرسائل القصيرة تويتر بعضا من تلك الوثائق. لكنهم بعد نداء القوات المسلحة اكتفوا بالإشارة إلى فحوى بعض الملفات التي تكشف غرائب.

 

وعلى تويتر تقول رسالة لموقع "إخوان.نت" إنه تم العثور على أوراق من مقر أمن الدولة تظهر تلقي ضباط أمن الدولة تدريبات في "إسرائيل".

 

وتظهر وثائق أخرى حجم التجسس الذي كان يقوم به هذا الجهاز سيئ السمعة على الهواتف والبريد الإلكتروني لأعداد كبيرة من المدونين والناشطين والسياسيين وحتى الإعلاميين.

 

وقال البعض إنهم حصلوا على أوراق بها حسابات الفيسبوك وتويتر وكلمة المرور الخاصة بعدد كبير جدا من الناشطين الإلكترونيين.

 

وأكد هذه الأنباء مراسل شبكة رصد التي تتابع أخبار الثورة في مصر، حيث أشار إلى وجود تلك الملفات في مقر أمن الدولة بمدينة نصر بالقاهرة.

 

كما كشفت الشبكة ذاتها عن وجود مستندات تدين إعلامين وصحفيين بالتعاون مع جهاز أمن الدولة، حيث تم اكتشافها بمقرات عديدة. وقالت صفحة قناة "أون تي في" على تويتر إنها حصلت على "صور ومستندات لإعلاميين وصحفيين وسياسيين يّدعون البطولة تفضح جرائمهم وتعاونهم مع أمن الدولة وسيتم تسليمها للجهات المختصة".

 

وكشفت المستندات أيضا عن مراقبة المباحث للمتدينين خصوصا، حيث تظهر إحدى الملفات المختصة بمراقبة شاب أن تهمته أنه "كان ملتحٍ ويحفظ القرآن"! والأغرب أن المستند حمل عنوان: "كارت متابعة لحية"، وكأن لحية الشباب أمر جدير بالمتابعة ويضعه موضع الشك الأمني. ومثل هذه الملفات و"الكروت" كثيرة أو كما وصفها الشباب بالأكوام.

 

فقد تكدست الملفات في مخازن مبنى المباحث تحت الأرض وفي مرآب السيارات، حيث وجد الشباب أطنانا من الأوراق المفرومة، وأطنانا أكبر من الملفات التي كانت معدة للفرم للتخلص من الأدلة على إجرام ذلك النظام وتلك المؤسسة خصوصا.

 

ويجدر الإشارة إلى أن النيابة العامة قدمت عدة ضباط الاثنين الماضي إلى المحاكمة بتهمة إتلاف الملفات. لكن لم يتضح بعد ما إذا كان سيتم معاقبتهم بالفعل أم لا، لأن إحدى الأوراق تشير إلى تلقي الضباط أوامر عليا "بفرم الملفات وليس حرقها" للتخلص منها.

 

وأظهرت إحدى الوثائق أيضا أن مباحث أمن الدولة استخدمت الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى لمحاولة إخماد ثورة الشباب التي بدأت في 25 يناير الماضي.

 

وأشارت الوثيقة إلى قيام السلطات بالدفع بموسى إلى المتظاهرين ومن ثم يقنعهم بكفاية ما تحقق من مطالبهم ليكفوا عن التظاهر. ويصف الشباب الذين زاروا مقرات أمن الدولة واقتحموها مع المتظاهرين أن من أغرب الأشياء التي وجدوها "الاسكريبت (النص) الكامل لمسلسل الجماعة وصور فوتوغرافيا للمسلسل" المثير للجدل والذي يعتقد أن الحكومة دعمته بشكل كبير في محاولة لتشويه صورة جماعة الإخوان المسلمين وتاريخها.

 

كما ذكر أحد الناشطين على تويتر أنه تم العثور على "آثار مصرية داخل مقر أمن الدولة ولم يتم التحقق من أصالتها بعد وسيتم تسليمها للجيش للتصرف".

 

وتساءل البعض عن دور محتمل لضباط مباحث أمن الدولة الفاسدين في الإتجار بالآثار وتهريبها إلى الخارج. وقال أيمن نور رئيس حزب الغذ الليبرالي المعارض، والذي كان أحد ضحايا القمع السياسي للنظام المصري، إنه حصل على "كم هائل من وثائق أمن الدولة يفضح ما فعلوه مع حزب الغد وأخطرها وثيقة تكشف أن القاضي الذي سجنني 5 سنوات التقي وتفاهم مع الأمن قبل الحكم بثلاثة أيام".

 

 لكن نور نفسه لم يسلم من الاتهامات التي كشفتها الملفات. فقد أظهرت إحدى الوراقات أنه اتصل بالإعلامي عمرو الليثي يطلب منه استضافته في أحد البرامج على فضائية مصرية خاصة، بهدف الترويج له، لكن الوثيقة نفسها تقول إن الليثي الذي يرتبط باتفاق مع أمن الدولة اعتذر لنور بانشغال جدول أعماله. ورغم نفي نور والليثي للواقعة وطلبهم التحقيق فيها إلا أن دوائر الشك حول مصداقيتهم بدأت تتسع.

 

وأشار الشباب الذين زاروا المقرات المحترقة إلى وجود كميات هائلة أخرى من ملفات الشخصيات العامة والعوام على حد سواء، وهو ما دفع بعض الشباب إلى إنشاء مجموعة ساخرة على فيسبوك حملت عنوان: "عايز ملفي"، في إشارة لوجود ملفات متابعة لغالبية الشباب الناشطين على الإنترنت.

 

وعلى صعيد مراقبة الهواتف دون إذن قضائي، قال الناشط الإسلامي الشاب مصطفى النجار على موقع تويتر: "محادثة (المعارض المصري محمد) البرادعى معى بالتليفون مساء يوم 25 يناير وهو خارج مصر مكتوبة بالنص فى ورقة متابعة تحركات البرادعى. كانوا مراقبين تليفون البرادعى النمساوى". غرفة نوم الوزير وميدانيا، زار شباب مبنى أمن الدولة بمدينة نصر وصوروا بالفيديو أهم معالمه. وأظهر أحد الفيديوهات في البهو الرئيسي للمبنى، ما سماه الشباب بحائط الإنجازات، وعلى هذا الحائط صور للمفكر الإسلامي سيد قطب الذي أعدمه نظام الرئيس السابق جمال عبد الناصر.

 

وإلى جوار الصورة إطار به أمر اعتقاله ونص شهادته أمام المحكمة، وغيرها من الأوراق المتعلقة بالقضية والتي يعتبرها جهاز أمن الدولة أهم منجزاته. وفي البهو ذاته، حطم الشباب صورا كانت معلقة في "لوحة شرف" للضباط من قادة هذا الجهاز على مدار الأعوام الماضية. وتلك الصور وطئها الشباب بالأقدام وسبوا أصحابها مشيرين إلى جرائمهم بحق أبناء الشعب المصري من معارضي النظام السابق.

 

وفي داخل المبنى، وصل أحد الشباب إلى غرفة وزير الداخلية السابق حبيب العادلي. وبدت الغرفة الرئيسية لا تختلف كثيرا عن مكاتب كبار المسؤولين الحكوميين في مصر، لكن الغريب هو أنه ملحق بها غرفة نوم فاخرة بها مائدة وحجرة معيشة وحمام فاخر مجهز بـ"الجاكوزي" وآلات رياضية.

 

 وفي غرفة النوم بدا واضحا وجود دولاب للملابس به ملابس استحمام إحداها رجالي والأخرى "حريمي". وتساءل الشباب عن مغزى وجود مثل تلك الملابس النسائية في مبنى أمن الدولة وفي غرفة الوزير.

 

وما دعم هذه التساؤلات أيضا، العثور في مبنى آخر لأمن الدولة على ملابس نسائية خليعة تخص في الغالب الراقصات والنساء سيئات السمعة. وانهالت تعليقات الشباب الساخرة على موقع فيسبوك على هذه الحجرة وتلك الملابس، ونشر الشباب صورا وفيديوهات لما شاهدوه من غرائب داخل مقر المباحث.

 

لكن توالي نشر ملفات أمن الدولة توقف إلى حد كبير خاصة بعد أن طلب رئيس الوزراء عصام شرف الذي يحظى باحترام الشباب منع نشر الوثائق حفاظا على أمن البلاد وسرية المعلومات.

 

حتى أن شبكة رصد الإخبارية قررت "تأجيل وليس (منع) نشر الوثائق التى تصل إلينا من مقرات أمن الدولة المحترقة أولا للحفاظ على استقرار الأوضاع في الوقت الراهن وثانيا: للتثبت والتأكد بشكل بات ونهائي من صحة الوثائق التي وصلتنا". فصحة الوثائق ومصداقيتها تعرضت بالفعل للطعن، خاصة بعد أن نشر ناشطون ساخرون على الإنترنت ورقة تبدو مهلهلة وبأطرافها حروق، وتبدو شبيهة بالورق الذي نشر من ملفات أمن الدولة، ولكن كتب فيها: "وصلتنا المعلومات الآتية: بعد التحقيق مع كل المتهمين المذكورين أدناه تبين لنا أن الرئيس السابق محمد حسني مبارك مازال متحكما في شؤون مصر من قصر الرئاسة في شرم الشيخ. وقد أثبتت التحقيقات أن سيادته ينتسب بصلة وثيقة بأسرة القائد جنكيز خان وأنه نفسه مينا موحد القطرين".

 

ويشير مفبركوا الوثيقة الساخرين في نهايتها إلى أنها مفبركة بالفعل باستخدام برنامج "فوتوشوب" طالبين من الشباب عدم الوثوق بأي وثيقة لمجرد أنها مكتوب عليها "أمن الدولة".

 

سراديب الشيطان

 

وعن الاعتقالات والتعذيب فحدث ولا حرج، فيكفي أن تشاهد معدات التعذيب بالصعق والكهرباء وأسياخ التعليق التي تنتشر في غرفات أمن الدولة في لاظوغلي ومدينة نصر حتى تسري أوجاع الألم في جسدك وتجد نفسك "مصعوقا" بحقيقة ذلك النظام البوليسي السادي البائد.

 

ويكفي أن تشاهد "سراديب الشيطان" التي كان يقبع فيها المحتجزون تحت الأرض ليتم استنطاقهم بكافة الوسائل، حتى تدرك مدى مصداقية تلك الوثائق المتكدسة في الغرفات المجاورة وكيف تحصلت عليها الدولة. لكن هذا العهد -كمايرى الشباب في مصر- قد انتهى. لن ترجع مصر إلى الوارء أبدا، هكذا يقولون. وتبقى اعتصاماتهم وحراكهم السياسي، فمن خلاله فقط تمكنوا من إسقاط هذا الجهاز (أمن الدولة) الذي ظل على مدى ستون عاما على اختلاف مسمياته حاميا لسادته الجاثمون على أنفاس الشعب والقابعون على رأس السلطة سنوات طوال.