سقوط الجزيرة..
25 ربيع الثاني 1432
منذر الأسعد

يمكن القول بجزم لا تردد فيه: إن قناة الجزيرة القطرية تتربع على عرش القنوات الإخبارية العربية من دون منازع!! بل يستطيع المراقب المنصف أن يضعها-بقليل من المجازفة المعقولة-بين أكثر المحطات الإخبارية تأثيراً على المستوى العالمي.

 

وليس في هذه الشهادة تزكية ولا قدح، وإنما صورة أمينة للواقع بصرف النظر عن الموقف الذاتي للإنسان قبولاً بتوجهاتها أو  رفضاً لميولها، ولا سيما إذا استحضرنا قبل الحكم لها أو عليها استحالة الحياد في الشؤون الإنسانية-والإعلام من بينها-فالفرق شاسع بين الحياد غير الممكن وبين الموضوعية الواجب انتهاجها من لدن أي وسيلة إعلامية تريد أن تحظى باحترام المتلقي وتقدير أهل التخصص.

 

من هنا، يدرك المرء حجم الجناية التي جَنَتْها الجزيرة على نفسها في الفترة الأخيرة، لأن من يحقق أمجاداً كالتي حققتها الجزيرة، لا يهدرها بسهولة، بل إنه لا يضحي بها-مهما بلغ حجم الضغوط عليه-إلا مُكْرَهاً إكراهاً قاهراً أو مُلْجِئاً كما يقول أهل الفقه في موضوع الضرورة وضوابط الأخذ بها.

 

فلقد سقطت القناة سقوطاً مدوياً في موقفها المناوئ المفضوح من ثورة الشعب السوري المندلعة منذ منتصف شهر مارس (آذار) الجاري، حتى إن الجمهور غير المتخصص لاحظ هذا السقوط وتحدث عنه في كل مكان أتيح له التكلم فيه، بما في ذلك قناة الجزيرة ذاتها!! ولو أن الفرصة فيها شديدة الضيق، مع التنبه إلى حجم الخجل لدى مذيعيها ومدى حرجهم من سياط المتصلين من شهود العيان المكلومين مرتين: مرة من بطش نظامهم الهمجي، ومرة من قناة الرأي والرأي الآخر.

 

ومما يضاعف من الألم لدى السوريين أن الجزيرة لطالما وقفت موقفاً إيجابياً من ثورات مصر وتونس وليبيا، وهو موقف تعدى في بعض الحالات حدود التعاطف إلى التحريض غير المهني!!

 

والحقيقة أنه ليس هنالك عداوة لدى القناة تجاه السوريين كما قد يتوهم بعضهم، فالقضية أعمق حتى من ظواهر الانسجام الواضح بين الحكومتين  القطرية والسورية.

 

ولعل من المفيد ألا تحجب سقطة الجزيرة الأخيرة عنا سقطات لها سابقة، لكنها لصغر حجمها وبعد موضوعاتها عن الاهتمام الشعبي المباشر، لم تكن تبدو لغير المتابع المتخصص بعينه البصيرة وقراءته ما بين السطور.

 

فالجزيرة تبقى موضوعية في أغلب الأحوال، لكنها تتخلى عن موضوعيتها فقط كلما اتصل الشأن بإيران!! فهي نقطة ضعفها المذهلة.. سواء أكان الموضوع عن الداخل الإيراني أو الأطماع الإيرانية ومؤامرات ملالي قم على الإسلام والمسلمين.

 

فأين أهل الأحواز وقضيتهم العادلة بكل المقاييس من برامج الجزيرة بل حتى في أخبارها؟وأين إجرام الصفويين الجدد في حق شط العرب ومياهه منذ الاحتلال الصليبي الصفوي المشترك لبلاد الرافدين؟
أما في الشأن اللبناني  فإن المتابع المنصف يكاد يخلط بين الجزيرة وقناة نصر الله (المنار)!!

 

لكن تلك السقطات كانت هزائم خفية بالنقاط أما السقوط الكبير في الموقف الشائن من الثورة السورية فهو هزيمة بالضربة القاضية..

 

وما يزيد من الحزن على الجزيرة أن القنوات الأخرى (العربية-بي بي سي عربي-الحرة) فازت في الجولة السورية بكثير من النقاط، بالرغم من تاريخها المُثْقَل بالسواد!! بينما خسرت الجزيرة خسارة ضخمة وهي صاحبة الرصيد الإيجابي من قبل بعامة.

 

إنها خطيئة قاتلة، إذ لا فرصة أمام القناة لتصحيح موقفها الذي سوف يظل وصمة عار في جبين أصحابه، ولن يغفره المشاهدون البتة.

 

وفي المناسبة فإن الجمهور الذي سخط على هزيمة الجزيرة لنفسها أمام المجوسية الجديدة، هو الجمهور الذي كان ينحاز إليها ويقدرها ويدافع عنها ويحرص على مشاهدتها ودأب على الثقة بها وتصديقها بلا مناقشة!! وهنا الخسارة الفعلية.