"إسرائيل" والضربة الاستباقية
7 جمادى الأول 1432
إيمان يس

قد يبدو للوهلة الأولى أن الحرب على غزة في هذا التوقيت غير مبررة ، على الرغم من علمنا جميعا بأن "إسرائيل" لا تحتاج إلى مبررات لتنفيذ جرائمها إلا أنها عادة ما تحاول التذرع بصاروخ سقط هنا أو عبوة زرعت هناك ،ولكنها هذه المرة لم تبدأ العدوان بأحد هذه المبررات.

 

والمتابع للأحداث يعلم أن "إسرائيل" كانت تنوي القيام بعملية "الرصاص المصبوب2" ففي 12 يناير المنصرم وصلت تحذيرات مصرية لقيادات حماس بنية الكيان الصهيوني القيام بعملية موسعة على أرض غزة، وعلى أثر هذه التحذيرات تقدم رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية بالشكر لرئيس مخابرات النظام المصري المخلوع عمر سليمان ، كما عقد هنية اجتماعا طارئا مع وزرائه بعد منتصف الليل لبحث هذه التصعيدات وكيفية مواجهتها.
ولا أدري هل ظن النظام المصري الساقط أنه بذلك  قد أخلي مسؤوليته وقام بالدور المنوط به بعد العار الذي لحقه من إعلان مجرمة الحرب تسيبي ليفني عن عملية الرصاص المصبوب1 من القاهرة !!

 

على أية حال فقد شاءت إرادة الله أن تأخرت الضربة الصهيونية واشتعلت الثورة المصرية ، وهنا نتوقف عند تصريحات رئيس أركان جيش العدو السابق التي أدلى بها لمؤتمر هرتسيا في 8 فبراير الماضي على خلفية الثورات العربية ـ والثورة المصرية على وجه الخصوص ـ بأن أي حرب قادمة ستكون شاملة !! ولعل هذا ما جعلنا نستبعد قيام العدو بضربة عسكرية في هذا الوقت
وقد يبدو أن الواقع خيب الظنون ! ولعل الأسباب التالية هي التي أدت إلى قصف غزة في العملية التي تحول اسمها إلى من "الرصاص المصبوب2" إلى  "الصيف الساخن"!!

 

1ـ لم تعد قيادة الكيان الصهيوني قادرة على تقدير الموقف المصري "الرسمي" ـ الموقف الشعبي معروف بالطبع ـ فوزير الخارجية المصري نبيل العربي هو من صناع كامب ديفيد إلا أن له تصريحات سابقة للثورة ترفض حصار غزة و مواقفه بعد الثورة باتت أكثر وضوحا برفض العدوان على القطاع ، كذلك المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة  الذي يحكم مصر حاليا، رغم علاقته الوطيدة والشخصية بالرئيس المخلوع ألا أن ثمة أحاديث تدور عن اتصالات تمت بينه وبين رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية ، ما جعل قادة الكيان بحاجة إلى "جس نبض" أو ضربة استباقية لغزة لمعرفة الموقف المصري بشكل أكثر وضوحا!!.

 

وحول هذا المعنى ذكر موقع تيك ديبكا الاستخبراتي العبري في 8 أبريل الحالي "إن ما يمنع شن حرب على قطاع غزة في هذه الأثناء هو أن الخطوات العسكرية "الإسرائيلية" يجب أن تكون مقرونة بخطوات سياسية أيضًا". وبما أنه، والقول للموقع، ليست لدى "إسرائيل" معلومات وقراءات واضحة لمعالم مصر بعد الثورة وكذلك بعض الدول العربية، فإن ما سيقوم به جيش الاحتلال من هجمات وغارات موضعية، "لن يؤثر على سياسة المقاومة التي ستستمر بإطلاق النار".
2ـ كذلك تأتي الضربة في سياق "جس نبض" الشارع العربي إلى أي مدى يمكن أن تشغله قضاياه الداخلية عن أحداث فلسطين ، وبالتالي يمكن لقادة الاحتلال تحديد ما يستطيعون انجازه قبل استفاقة المارد العربي، وقد يظنون أن بإمكانهم السعي على أن يظل في سبات.

 

3ـ سبب آخر في غاية الأهمية ، وهو ما وعد به الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما أطلق مبادرته للمفاوضات المباشرة في العام الماضي وطلب مهلة حتى سبتمبر القادم (هذا العام) لحل مشكلة الفلسطينيين و"الإسرائيليين" وكان يقصد ب " الحل" حل الدولتين الفلسطينية و"الإسرائيلية"، وهو ما صرح به في كلمته الافتتاحية التي ألقاها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة سبتمبر الماضي قائلا أنه يأمل أن تشهد الجمعية العامة في العام المقبل (الحالي) إضافة عضو جديد إليها، في إشارة إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود67.

 

في هذا السياق هرول رئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز إلى حليفته واشنطن في 4 إبريل الحالي لمحاولة إيجاد مخرج ، وقد ذكرت صحيفة  يديعوت أحرنوت الصهيونية إن بيريز قلق جدا من احتمال مصادقة الأمم المتحدة على قيام دولة فلسطينية في حدود العام ‬1967، ويعتبر أنه يحظر على "إسرائيل" أن تدفن رأسها في الرمال وإنما عليها أن تطرح مبادرة حقيقية خاصة بها لكي لا تعتبر رافضة للسلام.
(لكن ما هو المخرج المناسب؟!!هذا ما سيأتي بيانه بعد بيان موقف دول أوروبا)
ليس هذا هو موقف أمريكا فحسب ، بل إن العديد من دول أوروبا ( فرنسا ـ بريطانيا ـ النرويج ـ البرتغال ـ أسبانيا ـ إيرلندا ) قد رفعت من مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني لديها من "مفوضية فلسطينية" إلى " بعثة فلسطينية " وهو ما يعني وجود حصانة دبلوماسية لأعضاء البعثة ، كما أن رفع التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى"البعثة "يعني أنها لا ينقصها إلا درجة واحدة حتى تصبح "سفارة"،أيضا رافق اعتراف بريطانيا تصريحات وزير خارجيتها وليام هيج أنه يأمل أن يأتي يوم يكون فيه اعتراف بدولتين فلسطينية و"إسرائيلية".

 

هذه التصريحات أثارت استياء قادة الكيان ودفعت الناطق باسم الخارجية "الإسرائيلية" يجال بالمور أن يصرح لوكالة الأنباء الألمانية "يرفض الفلسطينيون استئناف المحادثات المباشرة، وفي الوقت نفسه يتلقون تلك الإيماءات التي تشجعهم في سياستهم الحالية".
بالنظر إلى هذه التصريحات وتصريحات نائب وزير الخارجية الصهيوني داني أيالون التي أدلى بها اليوم 9 أبريل لإذاعة صوت إسرائيل " يجب الضغط على السلطة الفلسطينية لتعود إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة"
(ولم يكن من المستغرب أن يربط ذلك بإقامة الدولة حيث ذكر في ذات التصريح "الإعلان في الأمم المتحدة عن قيام دولة فلسطينية سيكون خطأ يطال الأجيال الفلسطينية القادمة إذ انه لن يغير الواقع ميدانيا بل سيؤثر في الاتفاق مع إسرائيل")
 
يتضح أن أحد أهم أسباب العدوان " الضربة الاستباقية" هو إيجاد مخرج من إعلان قيام الدولة الفلسطينية، فحرب ثم مفاوضات لا تنتهي، ومفاوضات من أجل المفاوضات يصحبها تكريس للاحتلال وتهويد للقدس ومزيد من التغير الديموغرافي وسن القوانين التي تعطي "إسرائيل" الحق بطرد أهل القدس، تنسيق أمني في الضفة وحصار لغزة .....الخ.

 

4ـ من الأسباب الهامة أيضا عرقلة ما تحاول " مصر الجديدة" القيام به من إنهاء الانقسام الفلسطيني، فقد تمت دعوة وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور محمود الزهار والقيادي الدكتور خليل الحية لزيارة مصر، أعقبتها زيارة الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته محمود عباس في محاولة لإيجاد حل ، وهو ما لا يمكن تحققه إلا بوقف التنسيق الأمني بين فتح و"إسرائيل"، وهو ما يعني انتفاضة الضفة ولا أبالغ إذا قلت أنه يعني انتهاء أسطورة الكيان الغاصب ، فلذلك أيضا كان لا بد من "ضربة استباقية" تدخل الجميع في دوائر مغلقة دون التوصل لأي حل.

 

5ـ أيضا لا يمكننا إغفال الترتيبات الحالية لـ "أسطول الحرية 2" فـ"إسرائيل" لم تتخلص بعد ولن تتخلص من تداعيات "أسطول الحرية "1 الذي أغرق "إسرائيل" في بحر جرائمها مما دفعها لتشكيل لجان دبلوماسية وإعلامية لتحسين صورتها بعد ما تكبدته من خسائر اقتصادية و شعبية، وهي تظن أنها بهذه " الضربة الاستباقية" ستمنع نشطاء الأسطول من الإبحار نحو غزة وهو ما رد عليه بولنت يلدرم رئيس الهيئة الإغاثة الإنسانية التركية ( IHH ) اليوم 9 أبريل، مؤكدا أن الأساطيل البحرية والبرية سوف تنطلق مرة ثانية من أجل فك الحصار عن قطاع غزة شهر يونيو المقبل وأضاف " نحن لا نخشى الشهادة"

 

6ـ يبدو أن "إسرائيل" فشلت فيما سبق أن أعلنت عنه من استهدافها لقيادات حماس "داخل غزة" مما اضطرها إلى القيام بهذه "الضربة الاستباقية"، ويعزز هذا الترجيح ما صرح به اليوم وزير الأمن الداخلي يتسحاق أهرونوفيتش على موقع "صوت إسرائيل" "أنه ما من أحد في قطاع غزة يتمتع بحصانة وأن على أفراد حماس أن يعرفوا أن إسرائيل ستلاحقهم فردًا فردًا" ، فإذا كانت "إسرائيل" حقا قادرة على استهداف القيادات فلماذا تضرب بشكل عشوائي ثم تعلن أنها تستهدف قيادات؟!
ويعزز هذا الترجيح أيضا ما نشرته وكالة الواشنطن تايمز الأمريكية اليوم 9 أبريل ،إن وكالات الاستخبارات الصهيونية بدأت في حملة على مستوى العالم؛ لاستهداف قادة حركة المقاومة الإسلامية حماس، فيما يُعرف بعملية (الوقاية القائمة على المعلومات الاستخبارية) وأشارت إلى أن الحملة بدأت قبل شهرين عندما اعترض الكيان سفينة شحن ألمانية في المياه الدولية، وأطلقت صواريخ على من يعتقد بأنه قيادي في حركة حماس بالسودان، واعتقلت شخصًا يُوصف بأنه مهندس من حركة حماس خلال تواجده في أوكرانيا.

 

 
7ـ إذا كان من أسباب عملية "الرصاص المصبوب2" محاولة القضاء على حماس بعد أن ضاقت "إسرائيل" ذرعا باستقرار القطاع وتنامي قدراته العسكرية في ظل التهدئة، ويمكننا القول أن الحصار لم يعد له معنا بعد "أسطول الحرية"، فإن هذه الأسباب ما زالت موجودة وتمثل مبرر ـ من وجهة نظرهم ـ لشن حرب على غزة ، وهي أيضا محاولة للإيقاع بين مواطني القطاع وحكومتهم التي جرت عليهم ويلات حرب كانوا في غنى عنها.