ماذا لو رأى أبو الدرداء مبارك ونجليه محتجزين
11 جمادى الأول 1432
أمير سعيد

كانوا يبكون ويصرخون مذهولين من هول المفاجأة.. لقد ضربتهم الذلة بعد عزة وامتناع؛ فانقلبوا صاغرين خائبين.. المنتصرون في المعسكر المقابل فرحين مستبشرين، بينهم رجل حكيم، لا تحجبه المظاهر عن بواطن ومكنونات ودلائل المشهد.. إنه اليوم الذي بكى فيه أبو الدرداء رضي الله عنه..

 

"قال جبير بن نفير: ولما فتحت قبرس (قبرص) ونهب منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي فقلت: ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله؟ قال: فضرب منكبي بيده وقال: ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك، إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فسلط عليهم السباء، وإذا سلط السباء على قوم فليس له فيهم حاجة". [ابن الأثير ـ الكامل ـ جـ2 صـ470]
بينما كانوا يحكمون مصر بعشرات ملايينها من الناس، يستعبدون، ويستخفُّون، ويتحايلون، وينهبون، إذ حمل لهم القدر ما لا يعلمون، وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون..

 

إنه مشهد بالغ الدلالة، وشديد الأثر لهؤلاء المجرمين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، في لحظة الذل والهوان، فلا يخطئ القدر مصائرهم، وتأتيهم المهانة على موعد لا يخلفونه.. دعوة مظلوم، أو قهر سجين، أو مسغبة فقير، أو لوعة غريب، أو ضياع يتيم، أو إفساد خلق شاب أو فتاة، أو إمراض سليم؛ فلا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون..

 

نسوا عبَّارات الموت في البحر الأحمر، وقطارات الحرائق، وسرطنة الطعام، وأنات المعذبين، وتغييب القيم والدين، وملاحقة المصلحين، وترفيع المفسدين والمطبلين، ونهب أقوات اليتامى والأيامى والفقراء والمساكين، آلاف السجناء بغير ذنب، ملاحقة الناشطين خيرياً بعد الزلزال عسكرياً، تقزيم الدور المصري، تسليم العراق للمحتلين، ومعاونة الصهاينة على قتل الفلسطينيين، حصار أهل غزة، وإمداد دبابات "إسرائيل" بالوقود، ونقل الأسمنت والحديد لبناء المستوطنات في قلب فلسطين الجريحة، السكوت عن ضرب الأمريكيين لطائرة كبار العسكريين المصريين، التعاون مع العدو ضد حركات المقاومة الفلسطينية، التفريط في مياه النيل، والمساهمة في تقسيم السودان، تدمير الاقتصاد.. تنام أعينهم عن كل هذا، لكن عين الله أبداً لم تنم..

 

إن مشهد نجلي مبارك بملابس السجن وعلى فرشه الغليظة وذل الأب الذي يلاحقه أينما كان منذ أن أمطرت ملايين الجماهير شاشة عرض خطابه في التحرير بالأحذية، وحتى اللحظة التي يعامل فيها معاملة المجرمين، وهو بها جدير، ورؤية أبنائه وكبار رجال عصابته وهم يلاحقون بالشتائم التي لا تقف عند حد الهتاف "حرامي" أثناء ترحيلهم واحداً تلو الآخر.. غياب الصولجان وضياع الهيبة وانكسار النفس لهي مدعاة لذرف مليون دمعة كتلك التي بللت خد الحكيم أبي الدرداء رضي الله عنه من قبل، والترديد معه "ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك، إذا تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى فسلط عليهم السباء، وإذا سلط السباء على قوم فليس له فيهم حاجة".. صدقت أبا الدرداء.