الأدوات الغبية لإسقاط الثورة السورية
16 جمادى الأول 1432
أمير سعيد

يستطيع الخطاب الرسمي السوري أن يدغدغ مشاعر البسطاء والواهمين فيما يخص السياسة الخارجية، غير أن يفشل تماماً عندما يتعلق الأمر بإعادة إنتاج أكاذيب قديمة ربما كانت تفلح في عصور الراديو والتليغراف لكنها تعجز عن ملاحقة التقنية العالية، والوعي المتنامي الذي تسبق فيه الجماهير بخطوات بعيدة النمط المتخلف الذي لا ينطلي إلا على الأغبياء وحدهم.

 

والجلاد إذا ما تعرض لمناظرة كلامية يجد نفسه تلقائياً يتحسس سوطه، وقد لا يدرك إلا عندما تنتهي حلقة النقاش ويخرج منها مذءوماً مدحوراً أن السوط لم يكن ليسعفه في ظروف كهذه، والطفل الذي يبكي لانهدام قصره الرملي عندما تدهمه الأمواج لا يتصور أن تكرار بناء قصوره من جديد لن يحميها من الطوفان، تماماً كـ"الزعيم الملهم" حينما يتحسس أدوات قمعه المألوفة، وخطابه الإعلامي الحنجوري لصد طوفان الجماهير الواعية لا يمكن التعاطي معه بأساليب تقليدية عقيمة عفا عليها الزمن، وإنما يتوجب عليه مباشرة "حرب غير متوازية" كالتي تحدث عنها بيل كلينتون قبل سنوات..

 

"سوريا تواجه مؤامرة"! ممن؟! يقول الرئيس غير الطائفي الذي يحذر من الطائفية "إنها من القوى التي لا تريد الخير لسوريا"، فمن هي؟ إنها من الجواسيس المصريين، وبعض فلسطينيي المخيمات، وتيار المستقبل اللبناني، والإخوان من الداخل، وأخيراً وفق بيان الداخلية فإن البلاد تواجه "تمرداً سلفياً إرهابياً".. و"للمصادفة" هم جميعاً من السنة، ولا أحد غيرهم، لا خائن في عرف النظام السوري سواهم، ولا وجود لـ"إسرائيل" أو "الولايات المتحدة"، حيث لا يجرؤ "الأسد" على مسهم في تلك اللحظة لاسيما أنهم يمنحونه بعض الأخبار "الجيدة" عن دعم واشنطن لحركات المعارضة السورية من التسريبات "البريئة"، علاوة على استعمالهم النوع ذاته من القصدير الذي يحجب الأسلحة المهربة من العراق في سد آذانهم عن جرائمه الأخيرة.

 

الأداة الوحيدة الفريدة في هذه الأيام والتي لم يعد الطغاة يستخدمونها الآن لفجاجتها ووضوحها، هي" استضافة" المتهمين والمعتقلين والمختطفين من جنسيات مختلفة للإيحاء بأنهم قادمون للتو إلى البلاد لـ"التخريب" وليسوا معتقلين منذ سنوات في أقبية المخابرات السورية وسجونها الرهيبة.. أما الجديد فهو الإيحاء بأن من قتلهم النظام من جنوده الذين رفضوا إطلاق النار على أبناء شعبهم هم ممن قتلتهم يد "الإرهاب" الخارجية، أما الأكثر جدة فهو ارتكاب مذابح بحق ضباط وجنود (لا بأس أن يكونوا من طائفة النظام للإيهام بأن إرهابيين غير رسميين هم المسؤولون عن ذلك.. (قد يتوقع البعض بعد ذلك استناداً إلى حوادث مشابهة سابقة، أن يتم عرض صور بعض "الإرهابيين" قريباً أو الذين ألقت قوى الأمن القبض عليهم وهم بطريقهم للعراق للإيهام بأنهم ضالعون في أحداث سابقة أو لاحقة).

 

الأدوات إذن مألوفة وطبيعية جداً، أضيف، وأثرها الأخرق مجرب من قبل في مصر، حيث الحديث عن المؤامرة المزعومة والمجهولة لا ينتج إلا وقوداً إضافياً للثورة خاصة أن هذه المؤامرة برأت كل الأنظمة منها "إسرائيل"!، ولنستعرضها سوياً:
"حزمة" من "الإصلاحات" تصلح كعلف للدواب، ولا تلائم إدارة دولة أبية كسوريا التاريخ والعراقة، ومجموعة أكاذيب في خطاب يقول ما مضمونه "لا تتظاهروا الآن لأننا خاضعون للطوارئ، ثم لا تتظاهرون بعد إلغاء القانون لأنه لا حاجة لكم للتظاهر بعد إلغائه".. أقول لكم بالنهاية "لا تتظاهرون اليوم ولا غداً فاليوم قسوة أمنية، وغداً أدعو الأمن للتعامل بحزم"!

 

 

استخدام أداة أخرى للقمع تمنع المحاكمات وتغيب الأدلة، أثبتت أن العقل الأمني في دول "الممانعة" و"الاعتدال" واحد، والمحرك لهم في واشنطن وتل أبيب واحد أيضاً؛ فالجنرال دايتون لا يدرب ميليشيات عباس وعصابة دحلان وحدها، بل أمكنه هو وسابقوه من "ابتداع" جهاز أمني جديد يتفرد به العرب وحدهم، يطلق عليه في مصر "البلطجية" وفي اليمن "البلاطجة" وفي ليبيا "المرتزقة" وفي سوريا "الشبيحة"، وجميعهم لا يظهرون إلا في الأزمات السياسية وحدها، ويختفون في الجرائم الجنائية والسرقات، إنهم "شبيحة" يدمنون السياسة في بلاد جميعها "مستهدفة"، وكلها مهلهلة أمنياً إلى الحد الذي يجعلها تسقط بالضربة القاضية متى ما استهدفها "المتآمرون"، وتخفق دوماً في ملاحقتهم والقبض عليهم برغم أنها دول، وبالأخص سوريا، تحكمها أجهزة مخابرات أضخم من جيش الصين..

 

 

أداة السلاح المهرب والمؤامرات الخارجية المسلحة، وقد أجاد الإعلام السوري مشكوراً بذلك في الكشف عن طريقة إيصال الأسلحة من إيران عبر الحدود السورية، حيث تم فضح طريقة إخفاء الأسلحة المهربة إلى "حزب الله" في أماكن سرية بالشاحنات العابرة للحدود، والتي تغطي في تلك الأماكن بأغلفة من القصدير لمنع رصدها وتتبعها خلال مرورها بالعراق..

 

 

لقد نجح النظام السوري تماماً في تقليد غيره بارتكاب حماقة العنف الدموي المفرط في البداية والتي توفر جيشاً من الناقمين، ثم يبدأ في التراجع بأعمال العنف ومواجهة المتظاهرين كخطوة تالية تؤدي إلى مضاعفة أعداد المتظاهرين يوماً بعد يوم، ثم إلقاء "حزمة" من الإصلاحات الوهمية في حظيرته السياسية، بالتزامن مع حملة إعلامية غبية بالداخل، وأخرى أكثر غباء عبر ضيوف الفضائيات المضحكين، وتخوين المطالبين بالحرية، وتحريش أحذية السلطة وفرعها الأمني "الديني" لشن حملة غوغائية على الشيخ القرضاوي الذي يتمتع في سوريا بشعبية جارفة كتلك التي يتمتع بها في العالم، بما يزيد الحنق والغضب ضد نظام وجه رصاصة إلى أبواب المساجد ودنس جنوده بعضها فيما يدافع عنه أصحاب عمائم أذابوا ما قد يكون تبقى من كرامتهم ونخوتهم..
استخدم النظام أسلحته الخشبية ببراعة لينقل التظاهرات من عشرات إلى عشرات الألوف، ومن احتجاجات عابرة وخاطفة إلى اعتصامات في الميادين الرئيسية، ومن هتافات "الله..سوريا..حرية وبس" إلى "الشعب يريد إسقاط النظام"..