رسالة إلى أثرياء المسلمين
18 جمادى الأول 1432
الهيثم زعفان

ابتداءً بارك الله في كل مسلم ثري أنعم الله عليه بنعمة المال الحلال، وأدى حق الله في هذا المال الحلال، ولم يكنزه وأنفقه في مصارف حلال ترضي رب العباد , حقيقة أود أن أبعث برسالة لأثرياء المسلمين خاصة أعضاء نوادي المليارات، والملايين، في ظل هذه الظروف والتوترات الحالكة التي تمر بها الأمة الإسلامية.,  ورسالتي تدور حول عدة نقاط حيوية ترتبط ارتباطاً جذرياً بأموال أثرياء المسلمين، في حياتهم وبعد مماتهم. وهذه النقاط تتمثل في الآتي:

 

أولاً..... أموال المسلمين المغتربة في أوروبا وأمريكا.

تكلمنا كثيراً عبر دراسات ومقالات عن المخاطر الفعلية التي تهدد أموال المسلمين المغتربة في الدول الغربية سواء كانت أموال صالحة أو أموال طالحة، والتي تقدر بأكثر من 4 تريليون دولار على أقل تقدير. ونرى ويرى الجميع كيف تعاني بعض الدول العربية الآن مثل مصر، تونس، وليبيا من مغبة مصادرة الغرب لبعض أموال هذه الدول.

 لكن بالعموم فإن هناك بعض التساؤلات الحيوية والواقعية التي أوجهها لأثرياء المسلمين الذين يصرون على ترك أموالهم في يد الغرب المتربص والمتحرش يوماً بعد يوم بهذه الأموال، وفي أحسن الأحوال، تذهب بهجة المال والتمتع به إلى أبناء الغرب نفسه. وهذه التساؤلات تأخذ الشكل التالي:

1) اليابان وقع فيها زلزال مدمر كلفها مئات المليارات من الدولارات، إن لم يتجاوز الرقم آلاف المليارات بعد كارثة النووي التي خلفها الزلازل، لكن بعيداً عن أية أموال للمسلمين في اليابان والمخاطر غير المعلنة التي لحقت بهذه الأموال جراء الزلزال، نقول ماذا لو سخط الله على أمريكا ودمرها بزلزال أو ببركان مدمر أتى على الأخضر واليابس في أمريكا، هل سيستطيع أثرياء المسلمين حينها استعادة أموالهم الموجودة في أمريكا؟. وماذا لو حدث الزلزال أو البركان أو أية مصيبة وبلوى كبرى في أوروبا، هل سيستطيع أثرياء المسلمين حينها استعادة أموالهم المتخمة بها البنوك الأوروبية، أو المستثمرة على أراضيها؟.

2) من الواضح جلياً تحرش الجيوش الغربية بديار المسلمين، فبالأمس القريب كانت العراق، واليوم ليبيا، وغداً الله أعلم، وهنا نقول في حالة دخول الغرب في حرب ممتدة مع المسلمين، هل يتوقع أحد أن الغرب سيسمح للمسلمين بسحب أموالهم الموجودة لدى الغرب؟.

3) ماذا لو دخلت دول العالم في حرب عالمية وانشغلت أوروبا وأمريكا بهذه الحرب الكبرى التي ستستنزف مواردها، هل يضمن أثرياء المسلمين أن يحصلوا على أموالهم المودعة لدى أوروبا وأمريكا حينها؟ وما الذي يضمن للأثرياء المسلمين ألا تستخدم أوروبا وأمريكا هذه الأموال في تجييش الجيوش وتغطية نفقات الحرب وتبعاتها؟ ومن ثم تضيع أموال المسلمين هباءً منثورا.

4) أمريكا مرت مؤخراً بأزمة مالية عنيفة، وكل محلل ومراقب يعلم جيداً أن أموال المسلمين في أمريكا تضررت جراء هذه الأزمة القاصمة، وقد اتخذت أمريكا بعض الإجراءات التي تؤجل سقوطها المالي المدوي قليلاً، فموضوع الانكسار والسقوط المالي يعد مسألة وقت لا أكثر. وهنا أسأل أثرياء المسلمين لو تكررت الأزمة المالية في أمريكا أو في أوروبا وكانت أكثر دوياً هل يضمن أثرياء المسلمين حينها استعادة أموالهم من هذه الدول الغربية بعد هذه الأزمة؟ وإن كانت الضمانة غير متوفرة واقعياً فلماذا الإبقاء على هذه الأموال في أوروبا وأمريكا، وعدم سحبها في أقرب فرصة ورعايتها تحت عين وبصر الثري المسلم؟.  

5) كثير من أثرياء المسلمين وضعوا أموالهم في البنوك الأمريكية والأوروبية بطريقة سرية، ولا يستطيع فك شفرتها إلا صاحب المال نفسه سواء ببصمة العين أو الصوت، وهنا نقول ماذا لو مات صاحب المال؟، والموت يأتي فجأة، والأيام والأشهر القليلة الماضية مات فيها عدد غير قليل من أثرياء المسلمين رحمهم الله، حينها كيف سيتمكن الورثة من استعادة أموالهم، خاصة في حالة عدم وجود أبناء للثري المسلم؟، وهل يتحمل الثري المسلم أن يعاقب في الآخرة على تضييعه لحق الورثة بهذه الصورة، وسماحه لأن يؤول المال ليهود ونصارى أوروبا وأمريكا هكذا؟.

6) هناك تدابير دولية سنها الغرب بطريقة مريبة وعنيفة في السنوات العشر الأخيرة لمسنا حين تحليلنا لها تربصها بأموال الأثرياء المسلمين، فلما المخاطرة والاطمئنان للتدابير الغربية التي يمكن أن تصادر أموال المسلمين المودعة والمستثمرة لديه، جبراً وبطريقة يراها هو قانونية؟.

7) بناء على نقطة التدابير السابقة فإن المجتمعات الإسلامية تعصف بها هذه الأيام ثورات أحدثت بها هزات عنيفة، وتغييرات جذرية عميقة، وقد رأينا كيف تعامل الغرب مع الأموال المصرية والليبية والتونسية، وتلويح رجال القانون والمال في أوروبا وأمريكا بمصادرة نصف أو كل هذه الأموال لصالح الدولة الغربية المضيفة على الرغم من أن بعض هذه الأموال قد تكون طيبة المصدر وليست كلها طالحة، وعلى ذلك أسأل أثرياء المسلمين بمنتهى الوضوح، هل لديكم ضمانة شرعية وقانونية، تضمن لكم ألا يحدث لأموالكم مثلما حدث لأثرياء مصر وليبيا وتونس؟، إنني واثق أن أثرياء المسلمين ليس لديهم هذه الضمانة، وعليه أتساءل بعدما يحدث من تجميد ومصادرة لأموال مسلمين لماذا يترك أثرياء المسلمين حتى الآن أموالهم في يد ذئب يتحين أي فرصة هذه الأموال والاستئثار بها؟

8) هناك بعد معنوي هام في إدارة الأعمال يغيب عن أثرياء المسلمين الذين يفضلون وضع أموالهم في يد الغرب، وهو البعد الإنساني والنفسي في العمل، فأموال المسلمين عندما تترك للغرب فإنها تفتح آلاف البيوت الغربية، ويعمل من خلالها ملايين العمال الغربيين، وكل هؤلاء يتمتعون، ويأكلون من خير المسلم، وقد لا يعلمون أنها أمواله ولا يعنيهم هذا الأمر بالأساس. لكنه على الطرف الآخر وحين استثمار الثري المسلم لهذه الأموال في ديار المسلمين، وفتحها لآلاف بيوت المسلمين وتشغيلها للملايين من المسلمين، فإن عناصر من قبيل إدخال السرور، حفظ الجميل ورده، المحبة والدعوات بالخير والبركات والرحمات وكلها أمور معنوية هامة يحتاجها الثري المسلم في أوقات أزماته في حياته وبعد مماته. بينما إصرار الثري المسلم على ترك أمواله في الغرب، يحرمه من هذه الحوافز المعنوية، بل وقد تنقلب الحوافز إلى أحقاد، وكراهية وسخط من الطرفين في الشرق والغرب، فلماذا لا يحرص أثرياء المسلمين على اقتناص هذا الحافز المعنوي الذي لن يجده إلا في ديار المسلمين؟.

9) هناك عبء شرعي عنيف يقع على عاتق أثرياء المسلمين الذين تركوا أموالهم تستثمر في أوروبا وأمريكا تحت إشراف الأمريكان والأوروبيين وهو أنه لا سلطان لصاحب المال المسلم على منع الغرب من استثمار أمواله في مصانع الخمور، الإعلام الانحلالي، مصانع لحوم الخنازير، بيوت الدعارة، صالات القمار، صناعة الأسلحة التي يقتل بها المسلمين، وتدمر الإنسانية، الاستثمارات الربوية، وغير ذلك من الاستثمارات غير الشرعية. وعليه يتحمل الثري المسلم أوزار فساد يستشري في كل الدنيا وقد يمتد لأصلابه في الدنيا، كما أنها أوزار تثقل ميزان حسابه يوم القيامة بطريقة نسأل الله العافية منها، وأحزن أن يعذب بها مسلم ولد لأبوين موحدين، وفي الطرف الآخر لو استثمر هذه الأموال في بلاد المسلمين موطنها الشرعي، وفي مصارف ترضي رب العباد وملك الملوك، لوجد النفع ولنفع البشرية ولضيق فرص انتشار الفساد بسبب انسحاب المال من الاستثمار الفاسد إلا الاستثمار النافع. فلماذا يترك الثري المسلم نفسيه أسيراً لهذه الإشكالية الشرعية الجالبة لمفاسد مهلكة هو في غنى عنها؟. 

 

ثانياً..... حق الله المتمثل في زكاة أموال أثرياء المسلمين
يلمس كل مراقب أن هناك ضعفاً شديداً في دفع أثرياء المسلمين لزكاواتهم المستحقة عليهم، سواء كانت زكاة مال أو زروع، أو ما يخرج من باطن الأرض.
ونلمس ويلمس المراقبون بصورة أكبر ضعف دفع الزكاة المستحقة على أموال أثرياء المسلمين الموجودة لدى أوروبا وأمريكا. وإلا لو كانت هذه الزكاة يتم دفعها لما وجدنا هذا الضنك والفقر الشديد والمرض والأزمات التي يمر بها المسلمون في كل بقاع الأرض.

وهنا أتوجه ببعض الأسئلة المتعلقة بشأن الزكاة لأثرياء المسلمين المكنزين:
1. ألم يسأل الثري الحاجب للزكاة نفسه يوما ما لما أقام سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه "حروب الردة"، التي حارب من خلالها مانعي الزكاة؟.
2. ألا يعلم الثري المسلم المانع للزكاة أن فريضة الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمس؟. وألا يعي معنى كلمة "ركن" وحكم تضييعه؟
3. في ظل أثرياء المسلمين الذين يموتون يوما تلو الآخر ألم يسأل الثري المسلم المانع للزكاة نفسه ماذا سيقول لربه يوم يلقاه عن تضييعه لحق الزكاة؟.
4. بالنسبة لأموال المسلمين الموجودة لدى أوروبا وأمريكا إذا قبلنا أنها أربعة تريليونات دولار، أي أربعة آلاف مليار دولار، ولو اعتبرنا أن زكاتها زكاة مال، رغم أن بعضها يستحق زكاة الخمس باعتباره من خيرات باطن الأرض، لكن بحساب نصف العشر تكون القيمة المستحقة سنوياً على هذه الأموال هي مائتي مليار دولار زكاة مال سنوياً، يتضاعف المبلغ بإضافة خمس خيرات باطن الأرض، ترى لماذا لا تدفع هذه الزكاة؟، وترى ماذا يمكن أن يفعله هذا المبلغ بالمسلمين وبحياتهم وبقوتهم؟.

ثالثاً..... التطهر من الأموال الطالحة قبل الممات
أعلم أن بعض أموال أثرياء المسلمين قد تكون ملوثة وأتت بطريقة غير شرعية، وإنني من هذا المنبر أتمنى لكل ثري مسلم تلوثت أمواله أن يتوب إلى الله وأن يطهر ماله من هذه الملوثات قبل مماته، وأن يستعين بأحد علماء المسلمين الثقات ليعينه على هذا التطهر، وإنفاق المال الملوث وفق الضوابط الشرعية التي حددتها الشريعة الإسلامية.

وهنا أيضاً أتوجه لأصحاب الأموال الطالحة من أثرياء المسلمين بهذه التساؤلات:
1. ألم يلفت نظركم ما حدث للأثرياء الذين أثروا بطرائق غير شرعية في مصر وتونس، ألم يكونوا بالأمس القريب رؤساء ووزراء وصاروا سجناء يخفون وجوههم من الناس بسبب الفضيحة، ولم تنفعهم أموالهم؟ ألم يكونوا بالأمس القريب سادة يحكمون الناس، وصاروا اليوم سجناء، وأسرى يأمرهم أصغر سجان فينصاعوا لأمره، ولم تغني عنهم أموالهم شيئاً؟ ألم يمكروا بليل ونهار، ويسرقوا متخفين، ويسنوا التشريعات التي تحميهم، ولكن الله، فضحهم وكشف مكرهم، ولم تستطيع أموالهم ولا تشريعاتهم أن تحميهم؟ هؤلاء بالأمس كان صيفهم في المنتجعات السياحية، والمكيفات في كل مكان، والآن السجون التي يحبسون فيها لا توجد بها مكيفات كالتي اعتادوا عليها، وكذلك سيارات التراحيل التي يساقون فيها الآن والتي كثيراً ما مات فيها سجناء من أثر الاختناق وشدة الحر، كل هذه الفضائح والشدة والضنك ألم تلفت انتباه الأثرياء الطلقاء الملوثة أموالهم، والذين يمهلهم ربهم حتى الآن؟.

2. أكرر تذكير أثرياء المسلمين أصحاب الأموال الطالحة بأوناسيس، وأقول للثري المسلم صاحب المال الطالح لمن تسرق أللأبناء والأحفاد؟ ألم ترى مصير ثروة أوناسيس أسطورة المال في القرن العشرين، مات ابنه الوحيد في حياته، وانتحرت ابنته الوحيدة، وآل المال للحفيدة الوحيدة من ابنته التي آثرت التبرع بمعظم الثروة للجمعيات الخيرية، ولما نذهب بعيداً لأوناسيس أنظر لنظرائك الآن في مصر وليبيا وتونس، لا يسعني في هذه الجزئية إلا أن أذكر الثري المسلم صاحب الأموال الطالحة من أجل الأبناء والأحفاد بقول ربنا سبحانه وتعالى " وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا".

رابعاً..... أثرياء المسلمين والصدقات واقتسام الأموال مع الله
 أذكّر سريعاً في هذه الجزئية أثرياء المسلمين بالسيرة العطرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولصحابته رضوان الله عليهم في الإنفاق والبذل في سبيل الله واقتسام أموالهم مع الله، وجزاء إنفاقهم وبذلهم، وأعجب عندما يكون في الغرب في العصر الحديث "بيل جيتس" يقتسم أمواله مع الجمعيات الخيرية، ولا يكون لدينا مسلم واحد يحاول أن يقتسم أمواله مع الله مثلما كان يفعل سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنه، في اقتسام أمواله مع الله أكثر من ثلاث مرات في حياته.
 

ختاماً فإن هذه الرسالة أسأل الله أن يقرأها كل ثري مسلم، وأن يشرح صدره لما جاء فيها من خير في حماية أمواله من التهديد المباشر الذي يلاحقها في أوروبا وأمريكا سواء بالفقدان أو المصادرة، وأن يريح باله ويعيد أمواله إلى أحضانه، ويؤتي حق ربه فيها، بدفع زكاتها، ويتأسى بعبر المفضوحين الآن بسرقاتهم وفسادهم المالي، ويسعى جاهداً لتطهير أمواله من كل حرام أو شبهات، وليكثف بصورة أكثر بذله وإنفاقه، وليجرب يوماً أن يقتسم ماله مع الله، فالموت يأتي فجأة، ولا أتمنى لمسلم ثري أن يموت وهو راسب في اختبار الله له في المال وتكون عاقبته مثلما قال ربنا في كتابه العزيز " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِـزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَـزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِـزُونَ".