مقتل بن لادن بين الألغاز والاستعراض الإعلامي
1 جمادى الثانية 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

جاء الإعلان الأمريكي عن مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في وقت كان يعيش فيه الرئيس الامريكي باراك اوباما أزمة تدهور شعبيته قبل الانتخابات الرئاسية القادمة والتي يسعى من خلالها لتجديد ولايته, كما جاء في وقت وجهت فيه حركة طالبان عدة ضربات موجعة للاحتلال في أفغانستان وأصبح وضع الادارة الامريكية حرجا بعد أن كانت تعول على هزيمة طالبان لتعلن للعالم نجاحها في القضاء على "الإرهاب" الذي شنت من أجله هذه الحروب وجرت معها العالم كله, وأنفقت المليارات لتنفيذ أجندة بوش الصليبية والتي لم تتغير بعد مجيء أوباما الذي لم يضف للمشهد إلا بعض الزخارف الكلامية المتعلقة "باحترام العالم الإسلامي وفتح صفحة جديدة معه" وغير ذلك من العبارات الهلامية..

 

لقد جاء الإعلان عن مقتل بن لادن الذي تمكن طوال 10 سنوات من الاختفاء عن جيوش الناتو والمخابرات الامريكية التي لم تكن تبعد عن مخبئه إلا كيلو مترات قليلة, بشكل استعراضي من رئيس مهتز قاربت فترته على الانتهاء ويريد إنقاذ كرسيه المتهاوي, فقد قال أوباما متباهيا: "إنه أصدر أوامره لاقتناص بن لادن، بعد جمع معلومات استخباراتية وافية، باستهداف مجمع في ضاحية "أبوتاباد" بمشارف إسلام أباد، في عملية دقيقة لم يصب فيها أي من عناصر القوة المهاجمة", الطريقة التي نسب فيها أوباما العملية لنفسه تبين مدى المأزق الذي يعيشه بعد شعورة بالهزيمة في أفغانستان التي كثف فيها هجماته منذ وصوله للسلطة وأرسل إليها الآلاف من الجنود لدعم العمليات ضد طالبان..حركة طالبان حتى الآن لم تعترف بمقتل بن لادن اعتبارا للملابسات التي أحاطت بالعملية والتي تلقي بالكثير من الاسئلة بشأن تعاون المخابرات الباكستانية في العملية والذي اشارت إليه واشنطن في البداية ثم ظهر أنها كانت تخشى من معرفتها حتى تفسد العملية, كما صرحت الحكومة الباكستانية بأنها لم تكن على علم بالعملية وأن الطائرات الامريكية دخلت إلى أراضيها دون علمها مستغلة أن المنطقة جبلية لا يمكن رصدها بالرادار,ولكن في نفس الوقت لا يمكن تجاهل زيارة رئيس المخابرات الباكستانية وبعض كبار المسؤولين الباكستانيين إلى واشنطن لتأكيد التعاون الامني ونفي الاتهامات التي وجهتها لها بشأن إخفاء معلومات عن حركة طالبان وقياداتها, كذلك لا يمكن استبعاد اختراق واشنطن لأجهزة الاستخبارات الباكستانية أو بعض أفرادها للحصول على معلومات بشأن بن لادن أو غيره من زعماء القاعدة, اللافت أيضا هنا موضوع الحامض النووي حيث تم تأكيد أن التحليل أثبت أن القتيل هو بن لادن ثم صرح مسؤولون أمريكيون بأن التحليل ما زال يجري في نفس الوقت تم إلقاء الجثة في البحر وهو أمر غير معتاد في مثل هذه الظروف فماذا لو لم يكن القتيل هو بن لادن؟ أليس من الافضل الاحتفاظ بالجثة لمعرفة هوية القتيل؟ لماذا الحرص على التخلص من الجثة بهذه الطريقة؟ ما الامر الذي يراد إخفاؤه مع الجثة؟ الكثير والكثير من الأسئلة التي تتوارد حول هذا الموضوع ..

 

رجل حير العالم سنوات طويلة يتم التعامل مع جثته بهذا الاستهتار خصوصا وأن الولايات المتحدة أعلنت من قبل أنها قتلت بن لادن ثم تبين أن الاخبار عارية عن الصحة, كما أعلنت مقتل العديد من القيادات المناوئة لها في باكستان وأفغانستان ثم اتضح كذب المعلومات, هل من الطبيعي بعد كل ذلك عدم عرض الجثة على مرأى ومسمع من الجميع؟! ثم أين احترام حرمة الموتى كما تنص عليها مواثيق حقوق الإنسان التي تتشدق أمريكا بالحفاظ عليها؟ ولماذا لم تسلم الجثة لذويه؟ما هذا الحقد الدفين على رجل ميت؟ أين شرف الخصومة والشجاعة التي يدعيها الجيش الأمريكي؟ ثم أين احترام أراضي الدول الاخرى؟ وكيف يتم اختراقها دون إذن؟ إن المنطق الهمجي التي تتعامل به أمريكا مع الدول ومع الافراد الذين لا يتبعون نهجها يساهم في زيادة الاحتقان ضدها ويؤدي إلى زيادة المتعاطفين مع شن هجمات عليها, ولن ينهي مقتل بن لادن ولا غيره هذه الحرب المستعرة لسبب بسيط وهو أن بن لادن كان منذ وقت طويل ولأسباب لها علاقة بالتخفي بعيدا عن التعامل التنفيذي, وكان يقتصر دوره على بعض التسجيلات التي تحمل إشارات ما لأتباعه وهذا الدور يمكن للظواهري القيام به, ولكن طريقة مقتل بن لادن وطريقة التعامل مع جثته ستزيد اللهيب, وهي أبعد ما تكون عن النصر كما تصورها أجهزة الإعلام الغربية..

 

 

فأين النصر في قتل رجل يبحث عنه العالم كله منذ 10 سنوات؟! الأمر لا يعدو أن يكون استعراض قوة في غير موضعه وقد ينقلب إلى ما هو أخطر من قبل الإعلان عن مقتله..أليس من الأولى أن تراجع أمريكا مواقفها من العالم الإسلامي وتسحب قواتها من أراضيه حتى تهدأ مشاعر الكراهية المستعرة في قلوب المسلمين؟ ..اعتبر الأمريكيون أن مقتل بن لادن بداية لحياة هانئة واحتفلوا ولكن ما لايعلمونه أنه قد يكون ـ لو صح ـ بداية لسلسلة من العمليات الانتقامية التي كانت قد بدأت في التراجع في الفترة الأخيرة, وذلك بسبب الاسلوب العقيم التي تتعامل به الإدارة الأمريكية مع شعوب العالم الإسلامي .