أنت هنا

الإلزام بالتأمين وتأمين المركبة
25 جمادى الثانية 1432
وليد الرميخان

الإلزام بالتأمين وتأمين المركبة (1-2)

الإلزام بالتأمين وتأمين المركبة (1) الإلزام بالتأمين وتأمين المركبة (2) الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ليكون مشكاة نور تهتدي بها البشرية, وليكون حكماً عدلاً بين الخليقة, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, القائل: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض عترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيها" (1) أما بعد: فمما لا شك فيه أن هذا الدين الحنيف يدعو المسلمين إلى التعاون والتماسك قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ } (2) , ويقول صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى لـه سائر الجسد بالسهر والحمى"(3), وغير خفي أن سبل التعاون والتكاتف كثيرة, ومن ذلك ما يعرف في الوقت الحاضر بشركات التأمين التعاوني, ولا ريب أن هذه الشركات متى التزمت بالشروط الشرعية فإنها من أعظم القرب, وأجل الأعمال, ولا يخفى أن مسألة التأمين ليست من النوازل الفقهية الجديدة, فلقد تكلم عنها العلماء من سنوات عديدة, وحظيت هذه المسألة بقدر كبير من الاهتمام والدراسة, إلا أن الجديد فيها هو مسألة الإلزام بهذا التأمين, حيث اتجهت بعض الدول إلى الإلزام بالتأمين على السيارة أو الرخصة. ولا يخفى أن العلماء قد قسموا التأمين إلى قسمين هما: أ ـ تأمين تجاري, وهو الذي يكون الربح فيه للشركة, وليس للمؤمنين, وهذا حرَّمه أغلب العلماء, وكذلك حرَّمته هيئة كبار العلماء لدينا. ب ـ تأمين تعاوني, وهو الذي يكون الربح فيه للمؤمنين, وهذا النوع من التأمين واضح فيه المعاني السامية للدين الحنيف من التعاون والتكاتف. والتأمين على المركبة ــ وهو الذي تكون الشركة المؤمنة مسؤولة عن تغطية خسائر الطرف الآخر فقط دون المؤمن لـه ــ يندرج تحت هذين القسمين بحسب الشركة التي تجري عقده, ولقد سُئل سماحة الشيخ/ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ عن التأمين على المركبة فقال سماحته: إذا ألزم به ولي الأمر, فلا بأس به. وقد ألزمت الدول ومنها المملكة العربية السعودية بذلك, نظراً لكثرة المعضلات الناتجة عن عسر أو تهرب أصحاب تلك السيارات من الواجبات التي يلزمون بها بسبب ما يقع عليهم من حوادث, الأمر الذي أدى إلى اكتظاظ السجون بأصحاب تلك الدعاوى, وبقائهم في السجن فترات طويلة لعجزهم عن التسديد, كما أن الضرر هنا يلحق المعتدى عليه أيضاً (صاحب الحق) حيث يضطر لإصلاح سيارته بنفسه إن استطاع إلى ذلك سبيلا, أو بقي فترة دون الانتفاع بها, هذا وغيره دعاني إلى البحث في تأصيل هذه المسألة, تأصيلاً شرعياً, ووضع النقاط على الحروف فيها, ولقد تبين لي أثناء زيارتي لأهم وأكبر المؤسسات التي تقوم بالتأمين على الرخصة في المملكة وهي الشركة الوطنية للتأمين التعاوني, عدم وجود لوائح محددة تسير عليها هذه المؤسسة وغيرها, الأمر الذي أدى إلى حدوث مشاكل جديدة, جعلني استعين بالله, وأشمر عن ساعدي, لبحث هذا الموضوع, الذي أسأل الباري الكريم أن يوفقني ويعينني, وأن يجعل قولي حقاً, وأن يبعدني عن زلات اللسان والشيطان, إنه جواد كريم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين. التكييف الفقهي للتأمين على المركبة: من حيث المجالات: يُقسّم التأمين من حيث المجال, الذي يوجد فيه المؤمِّن عليه إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ التأمين البحري: ويقصد به: التأمين للحوادث التي قد تقع أثناء رحلة السفينة, أو في الموانئ, كالغرق والتحطم والتلف والاستيلاء والأسر ونحو ذلك(4), أو يكون على جسم السفينة أو حمولتها من البضائع أو هما معاً, ويشمل النقل عن طريق البحر, أو الأنهار, والترع, والقنوات (5), وقد يكون الغرض من التأمين البحري تعويض أصحاب السفن عن الخسائر التي تلحق بهم بسبب غرق سفنهم, وقد يكون الغرض منه تغطية الأخطار التي تتعرض لها السفينة أثناء بنائها, وتجربتها, ورسوها, وإصلاحها, كما قد يكون الغرض منه تعويض أصحاب السفن عن المبالغ التي يلتزمون بدفعها بسبب أخطار المسؤولية التي تنشأ عن استخدام هذه السفن (6). 2 ـ التأمين البري: ويقصد به: التأمين لما يصيب الأشخاص في أجسامهم, أو أموالهم, سواء كانت (الأموال) للمستأمن أو لغيره, ووصف التأمين بالبري لتمييزه عن التأمين البحري فقط, وإلاّ فإنّ من حوادث البحر ما يطبق عليه التأمين البري, فمن أمَّن على حياته قبل سفره على ظهر باخرة وغرق, أو مات على ظهرها فإنّه تطبق عليه قواعد التأمين على الحياة, وهو من التأمين البري (7). 3 ـ التأمين الجوي: ويقصد به: التأمين لما يصيب المراكب الجوية, كالطائرات والمناطيد, من حوادث أثناء رحلاتها, أو في المدرجات من تحطّم أو احتراق أو اصطدام, ويكون التأمين على المراكب الجوية ذاتها, وعلى البضائع المحمولة عليها, وأغلب أحكام هذا النوع مأخوذة من التأمين البري (8). ــ والتأمين على المركبة هو من أنواع التأمين البري. من حيث قوة التطبيق (9): ينقسم التأمين من حيث قوة التطبيق إلى قسمين: 1 ـ التأمين الاختياري: وهو: التأمين الذي يُقْبِل عليه الأشخاص من تلقاء أنفسهم لخدمة مصلحة من مصالحهم دون أن تلزمهم الدولة بذلك, كالتأمين الصحي حالياً في المملكة العربية السعودية. وتَدَخُّل الدولة في هذا القسم من التأمين إنّما يكون بوضع القواعد التي تحكم العلاقة بين المؤمِّن والمستأمن حتى لا يستغل الطرف الأول الثاني في شروطه, لأنّ عقود التأمين من عقود الإذعان, والمؤمِّن هو الجانب القوي, وشروطه أكثرها مطبوع ومعروض للناس كافة. 2 ـ التأمين الإجباري: وهو: التأمين الذي يقبل عليه الأشخاص بإلزام من الدولة من غير اختيار, سواء كان التأمين لدى جهة عامة تقيمها الدولة أو جهة خاصة, كنظام التقاعد والمعاشات الحكومي, وكالتأمين ضد الغير. ــ والتأمين على المركبة هو من التأمين الإجباري. من حيث العموم والخصوص (10): ينقسم التأمين, من حيث العموم والخصوص, إلى قسمين: 1 ـ التأمين العام: وهو: التأمين الذي تباشره المنشآت والهيئات العامة التي تقيمها الدولة ويصدر بتنظيمه قانون, وغالباً ما يكون مقتصراً عليها دون أن يسمح لغيرها بمزاولته, والدول تقيم هذه المنشآت والهيئات العامة لتطبيق التأمين الاجتماعي غالباً, ولذلك يطلق عليه البعض اسم التأمين الاجتماعي في مقابل التأمين الخاص. 2 ـ التأمين الخاص (11): وهو التأمين الذي تباشره منشآت وهيئات مملوكة للأفراد, أو لمجموعة منهم, أو للدولة في صورة شركات أو جمعيات يحكمها القانون الخاص الذي ينظم المعاملات المالية في الدولة (القانون المدني وقانون التجارة). ــ والتأمين على المركبة يندرج تحت التأمين الخاص. من حيث محله (موضوعه) (12): ينقسم التأمين من حيث محله إلى أقسام ثلاثة: 1 ـ التأمين على الأشخاص (13): وهو: التأمين الذي يقصد به حصول المستأمن, أو المستفيد عنه, على مقابل لما دفعه إذا حصل ضرر أو خطر على شخصه, وهذا القسم على أنواع: ‌أ) التأمين على الحياة (14): ولـه صور متعددة منها: التأمين للوفاة, والتأمين للبقاء, والتأمين المختلط بينهما, يدفع المؤمِّن للمستفيد مبلغ التأمين عند حصول الوفاة خلال فترة زمنية محددة, في الصورة الأولى, أو عند بقائه حيًّا بعد فترة زمنية محددة أيضاً, في الصورة الثانية, أو عند السابق منهما ـ الوفاة أو البقاء ـ في الصورة الثالثة. ‌ب) التأمين للمرض, وهو: أن يتعهد المؤمِّن بدفع مصاريف العلاج والتشخيص والعمليات الجراحية, وغير ذلك مما يحتاجه المؤمَّن له عند مرضه أو بعضها, وهذا المرض إما أن يكون عاماً شاملاً لجميع أنواع الأمراض, أو مقتصراً على أنواع معينة منها كالذي يحتاج إلى إجراء عمليات جراحية, وهو تأمين للأضرار بصفة رئيسية, وتأمين على الأشخاص بصفة ثانوية. ‌ج) التأمين للإصابات: وهو أن يتعهد المؤمِّن بدفع مبلغ معين دفعة واحدة, أو على أقساط, في حالة حدوث إصابات خارجية على جسم المؤمَّن له, بالإضافة إلى مصاريف العلاج والأدوية, كلها أو بعضها, حسب الاتفاق, وهو تأمين للأشخاص بصفة رئيسية وتأمين للأضرار بصفة ثانوية. ‌د) التأمين للزواج: وهو أن يتعهد المؤمِّن بدفع مبلغ معين من المال إذا تزوج المؤمَّن له قبل أن يبلغ سناً معينة نظير أقساط يدفعها, فإن لم يتزوج إلى تلك السن, أو توفي قبلها, ضاعت أقساط التأمين المدفوعة. ‌ه) التأمين للأولاد: وهو أن يتعهد المؤمِّن بدفع مبلغ معين من المال عند ولادة كل طفل للمؤمَّن لـه نظير أقساط يدفعها. 2 ـ التأمن على الأشياء (15): وهو التأمين على ما يملكه المؤمَّن له, وهذا المملوك قد يكون معيناً بذاته, كالمنزل والمصنع, وقد يكون معيناً بنوعه, كالبضائع الموجودة في المتجر أو المخزن, وقد يكون على النقود من السرقة أو الضياع. 3 ـ التأمين للمسؤولية (16): ويمكن أن يطلق عليه التأمين للذمة, وهو التأمين لذمة المؤمَّن له, فيتحمل المؤمِّن ما يجب على المؤمَّن له تجاه الغير في حالة حدوث ضرر منه عليه, فإذا وقع ضرر على الغير التزم المؤمِّن بدفع ما يترتب عليه من تعويض للمضرور, دون أن يتحمل المؤمَّن له أي تبعة مالية. ـ والتأمين على المركبة يندرج تحت التأمين للمسؤولية. من حيث مردوده (17): وينقسم التأمين من حيث مردوده إلى ثلاثة أقسام هي: 1 ـ تأمين تعويضي: وهو: الذي يتعهد فيه المؤمِّن بدفع قيمة الأضرار الواقعة على محل التأمين للمؤمَّن لـه, ومسؤوليته تتحدد بقيمة الضرر اللاحق فقط, ويدخل فيه التأمين على الأشياء وللمسؤولية من التقسيم السابق (من حيث محله), فلو أمّن شخص على منزلـه عن مائة ألف ريال ثم أحترق جزء من هذا المنزل, وتكلّف إصلاحه ألف ريال فقط, فإن المؤمِّن لا يدفع إلا المبلغ الأخير, وكذلك لو صدم سيارة أخرى بسيارته فإن المؤمِّن يدفع الضرر الناشئ للسيارة المصدومة قلّ المبلغ أو كثر. 2 ـ تأمين غير تعويضي: وهو: الذي يتعهد فيه المؤمِّن بدفع المبلغ الذي تم الاتفاق عليه عند حدوث الشرط المعلق عليه العقد, دون نظر إلى نوعية الضرر النازل أو مقداره, وهذا النوع يشمل التأمين على الأشخاص من التقسيم السابق, (من حيث محله). 3 ـ تأمين مزدوج: وهو: تأمين مشترك بين التعويضي وغير التعويضي, وهو التأمين للمرض والإصابات من تأمين الأشخاص إذ يلتزم المؤمِّن بدفع مبلغ التأمين عند حدوث المرض والإصابة, كما يدفع قيمة الأضرار الواقعة من مصاريف العلاج ونحوها. ـ والتأمين على المركبة هو من التأمين التعويضي. من حيث إنشائه (18): وينقسم التأمين من حيث إنشائه إلى قسمين: 1 ـ التأمين التجاري: وهو: التأمين الذي يقوم به أفراد, أو هيئات, أو شركات, أو جمعيات عامة مملوكة للدولة, أو خاصة مملوكة للأفراد بقصد تحقيق الربح الذي يعود على القائمين به. 2 ـ التأمين غير التجاري: وهو: الذي يقوم به الأفراد, أو الشركات, أو الجمعيات, أو الدولة لا بقصد تحقيق الأرباح المالية وإنّما لتحقيق مصلحة عامة للمجتمع, لطائفة من طوائفه, أو مجموعة منهم, أو مصلحة خاصة, وهو يتنوع إلى أنواع هي: ‌أ) التأمين الذاتي: وهو التأمين الذي يقوم به المستأمن بنفسه للتخلص من الشروط المجحفة, والأقساط المرتفعة التي تفرضها شركات التأمين التجاري من ناحية, ولتعود الفائدة من الأقساط إليه, وينجح هذا التأمين إذا كان للمستأمن وحدات كثيرة تحقق لـه ـ إلى حد ما ـ قانون الأعداد الكبيرة, كهيئة السكك الحديدية, وشركات النقل الكبيرة, وتكون منتشرة جغرافياً بحيث لا تتعرض كلها للحوادث في وقت واحد, ويستطيع تجنيب مبالغ مالية في حساب خاص يستثمرها لزيادتها, ومنها يعوض الخسارة التي تقع عليه. ‌ب) التأمين التبادلي: وهو التأمين الذي تقوم به مجموعة من الأفراد بدور المستأمن والمؤمِّن, فيتفقون على تعويض الأضرار التي قد تصيب أحدهم إذا تحقق خطر معين والمسؤولية فيه غير محددة, وهو على نوعين: الأول: التأمين التبادلي ذو الحصص البحتة, وفيه لا يدفع العضو أي قسط أو مبلغ مالي ـ سوى اشتراك العضوية ـ إلا بعد حدوث الخطر لأحدهم وتوزيع التعويض عليهم, فيدفع كل منهم ما خصه من الخسارة الواقعة. الثاني: التأمين التبادلي ذو الأقساط المقدمة, وفيه يدفع العضو مبلغاً معيناً مقدماً ليسهل سداد التعويض بمجرد حدوث الخسارة, وفي نهاية السنة يُرد إلى كل عضو ما تبقى لـه من القسط المدفوع إذا زاد نصيبه في تحملها عما دفع. ‌ج) التأمين التعاوني: وهو: الذي تقوم به الجمعيات التعاونية لأعضائها ولغيرهم, وهو شبيه بالتأمين التبادلي ويختلف عنه من وجوه: أولاً: يكون للهيئات التعاونية رأس مال, وليس للهيئات التبادلية رأس مال. ثانياً: مسؤولية العضو في الهيئات التعاونية محدودة بقيمة القسط المدفوع وليست محدودة في الهيئات التبادلية. ثالثاً: مسؤولية الهيئات التعاونية كمؤمِّن محدودة بقيمة رأس مالها ـ غير المحدود ـ ومسؤولية الهيئات التبادلية غير محدودة. ‌د) التأمين التبادلي التعاوني: وهو مشترك بين التأمين التبادلي والتعاوني, فيجمع بين ميزتهما, إذ يتفق الأعضاء على تعويض الأضرار التي قد تصيب أحدهم إذا تحقّق خطر معين مع وضع حد أقصى ـ على ضوء الإحصاءات الخاصة بالخسائر ـ لما يطلب من العضو سداده, وهذا النوع هو الأكثر شهرة. هـ) التأمين الاجتماعي (19): وهو: الذي تقوم به الدولة غالباً بقصد حماية أصحاب الدخل المأجور وأسرهم عند عجزهم عن العمل, أو بلوغهم سن التقاعد أو الوفاة, أو حصول بطالة قصرية, أو المرض, أو أضرار العمل, أو غيرها. ـ والتأمين على المركبة يندرج تحتها بحسب الشركة التي تجريه. من حيث المنتفع به (20): وينقسم من حيث المنتفع به إلى ثلاثة أقسام هي: 1 ـ التأمين لمصلحة النفس: وهو: التأمين الذي يستفيد منه دافع القسط, كالتأمين للمرض والإصابات وللمسؤولية, والتأمين على الحياة للبقاء, والتأمين على الأشياء. 2 ـ التأمين لمصلحة الغير: وهو: التأمين الذي يستفيد منه غير دافع القسط, كمن يؤمّن على حياة ولده أو زوجه, وإذا نظرنا إلى التأمين على الحياة للوفاة رأيناه نوعاً من التأمين لمصلحة الغير, إذ ينتفع بمبلغ التأمين غير المستأمن من الورثة والأوصياء. 3 ـ التأمين المشترك: وهو: التأمين الذي يجمع بين مزايا التأمين لمصلحة النفس, ولمصلحة الغير, فيعود النفع على المستأمن في حياته وعلى غيره بعد وفاته, كالتأمين المختلط من صور التأمين على الحياة, وكالتأمين للشيخوخة والعجز والوفاة, والتأمين لأضرار العمل من فروع التأمين الاجتماعي, إذ يعود نفعها على المستأمن إذا كان حيّاً وعلى غيره بعد موته. ــ وتأمين على المركبة من التأمين لمصلحة الغير. اختلاف العلماء في التأمين على المركبة يرتبط عقد التأمين على المركبة ارتباطاً وثيقاً بعقد التأمين عموماً, ذلك أنّ عقد التأمين على المركبة جزء منه, وصورة من صوره, لذلك قبل الحديث عن بيان حكم التامين على المركبة, لا بد من بيان حكم عقد التأمين بإيجاز؛ ليكون مدخلاً مناسباً لمسألتنا, ولتعم به الفائدة. وقد اختلف الباحثون من المعاصرين ومن سبقهم في حكم عقد التأمين. وقبل أن أشير إلى الأقوال في المسألة, لا بد من تحديد محل الخلاف وتحرير محل النزاع, وهو كما يلي (21): أ ـ اتفقوا على أنّ التأمين الغير هادف للربح جائز شرعاً وهو التأمين الخيري القائم على الزكوات, والصدقات, والوصايا, والديات ونحوها, وأنّه يعتبر من صميم التعاون الذي تأمر به الشريعة, وتحض عليه في نصوصها الأساسية من الكتاب والسنة, وفي أصولها وقواعدها العامة المستمدة منهما. ب ـ واختلفوا في التأمين الهادف للربح, على النحو التالي: القول الأول: ذهب أكثر الفقهاء إلى القول بتحريم التأمين مطلقاً(22). القول الثاني: وذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى القول بجواز عقد التأمين مطلقاً (23). القول الثالث: وذهب آخرون إلى القول بجواز التأمين التعاوني, دون التجاري (24). هذه هي أبرز الأقوال في هذه المسألة, إلا أنّ هناك قولاً رابعاً ذا أهمية وارتباط وثيق بهذا البحث, وذهب قائله إلى أنّ التأمين على حوادث السيارات, والطائرات, والسفن, والمصانع, والمتاجر مباح لا محظور فيه, أما التأمين على الحياة فلا يجوز (25). بعد تحرير محل النزاع في مسألة التأمين, وذكر أقوال الفقهاء فيها, أبيّن هنا أدلة كل قول. أولاً: أدلة القول الأول والذي ذهب أصحابه إلى تحريم عقد التأمين مطلقاً: واستدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة, ولعلى أبرزها ما يلي: الدليل الأول: أنّ عقد التأمين من عقود المعاملات المالية الملزمة, على ما عُرف من نظام التأمين, وهي مشتملة على الغرر, فكانت ممنوعة شرعاً حيث أنّه من المقرر أنّه إذا كانت عقود المعارضات مبنية على الغرر فيها باطلة بالاتفاق (26), وبيان ذلك من وجهين (27): أ ـ أنّها عقود يلتزم فيها كل من المتعاقدين بعوض مالي للآخر, فهي عقود معاوضة مالية, ويقصد منها الربح؛ ولذا يقوم المؤمِّن بالإحصاء, ويحتاط بالشروط ونحوها, ليربح من وراء جملة المستأمنين غالباً, وإن خسر بالنسبة لبعض العقود, والمستأمن يقصد إلى الأمان بضمان المؤمِّن مبلغ التأمين لـه, فهو إذن عقد تجاري يقصد منه الربح, وإذا كان عقداً تجارياً ملزماً لكل من المتعاقدين بما التزم به من العوض المالي, حَرُم فيه الغرر بخلاف عقود التعاون والتبرعات, فإنها ليس فيها مغالبة ولا قصد إلى ربح مادي, فلا مخاطرة فيها, أو لا يضر فيها الغرر والمخاطرة. ب ـ أنه عقد احتمالي كما اعترف به رجال التأمين, وذكروه في خصائصه, وذلك لأنّ كلاً من المتعاقدين لا يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي وما يأخذ, ولا مدى كسبه أو خسارته, حيث أنّه معلّق على أمر غير محقق الحصول, أو غير معروف حصوله في المستقبل, فكان من عقود الغرر. ـ وقد نوقش هذا الدليل بعدة مناقشات وهي: أولاً: بأنّ عقود التأمين ليست من عقود المعاوضة التجارية التي يقصد بها الربح حتى يكون ما ادعى فيها من الغرر موجباً للتحريم, وإنّما هي عقود تعاونية, لما فيها من المساعدة على تكوين رؤوس الأموال, وإنماء الثروات, والنهوض بالمشروعات, وتحقيق الأمن للأسر, والإنقاذ من الشدائد عند نزول الكوارث, إلى غير ذلك مما يُعد من مزايا التأمين (28). وأجيب عليه: بأنّها مجرد دعوى يردها واقع عقود التأمين, وما ذكر في خصائصها فهي عقود معاوضة مالية, رائدها الكسب, وباعثها الربح, وحاميها احتياط شركات التأمين؛ لأثر تهم بالاحتياط بالنظم, والشروط, والخداع, والتغرير, وليس للمستأمن عند التعاقد إلا التسليم لما في وثائق التأمين؛ ولذا سميت عقود إذعان(29). وقد تناقش هذه الإجابة: بأنّه ومع التسليم بأنّ عقود التأمين عقود معاوضة, إلا أنّ وصفها باستيثار الشركات التأمينية بالاحتياط والنظم, والشروط, لا يُسلّم لخضوع هذه الوثائق للإشراف الحكومي والرقابة عليها كما سيأتي بيانه ـ إن شاء الله ـ (30). ثانياً: بأنّها على تقدير كونها عقوداً تجارية يقصد منها الربح, لا غرر فيها؛ لأنّ كلا المتعاقدين قد دخل على شروط معلومة لـه وقت العقد, ورضي بها, وكل منهما كاسب, فالمستأمن كاسب على كل حال, تحقق الخطر أم لم يتحقق, والمؤمِّن كاسب على كل حال بالنسبة لما يربحه من جملة المستأمنين (31). وأجيب عليه: بأنّ المستأمن قد يدفع الأقساط كلها ولا يعود إليه شيء, وذلك عند السلامة من الخطر, وقد يدفع قسطاً واحداً ويعود إليه مبلغ التأمين كاملاً, ويكون أضعاف القسط الذي دفعه, وأما المؤمِّن فهو مخاطر مخاطرة فاحشة بالنسبة لكل عقد بانفراده, فإنّه قد يخسر خسارة فادحة بدفعه لجميع مبلغ التأمين عند تحقق الخطر المؤمَّن منه, بعد تسديد المستأمن قسطاً واحداً, ولا يبيح لـه اقتحام المخاطرات في العقود الفردية ربحه الغالب من مجموع عقود التأمين, فإنّ كل عقد من عقود التأمين مستقل عن الآخر بالنسبة للحكم عليه بحل أو حرمة (32). ثالثاً: أنّ عقود التأمين على تقدير تحقق الغرر فيها, فليس كل غرر في العقود المالية محرماً, إنّما المحرم منه ما كان فاحشاً متجاوزاً حدود التسامح الذي يقرره العرف, أما إذا كان الغرر يسيراً فلا يدخل في النهي, إذ قلما تخلو منه تصرفات الناس, ومعاملاتهم في تجاراتهم, وإجاراتهم, وصناعاتهم؛ ولذا أجازه العلماء وتسامحوا فيه, وإلا لضاقت دائرة الحلول ووقع الناس في الحرج, والغرر في التأمين غرر يسير لا يؤدي إلى نزاع, بدليل انتشاره, وشيوعه, وكثرة تعامل الناس به في شتى نشاطاتهم الاقتصادية (33). وأجيب عليه: بأنّا لا نسلم أنّ الغرر في التأمين هو من قبيل الغرر اليسير الذي لا يفسد عقود المعاوضات, بل هو غرر كثير؛ لأنّ الخطر ركن من أركانه, وعنصر من عناصره, فهو قائم على الاحتمال في الحصول, والمقدار, والأجل, فالمؤمَّن له لا يدري وقت إبرام العقد هل سيحصل على شيء مقابل ما يدفعه من أقساط أم لا؟ ثم لو قدّر حصولـه على شيء فلا يعلم مقداره, ولا وقته, وبهذا نعلم أنّ الغرر في عقود التأمين هو من الغرر الفاحش (34). الدليل الثاني: أنّ التأمين نظام تعاقدي مبني على الربا, لا يتصور منفكاً عنه بحال, إلا بالقضاء على عقوده نفسها والتخلص منها, إلى بديل يرتفق به دونها, وإلى جانب ما فيها ـ عقود التأمين ـ من ربا أصيل ففيه أيضاً معاملات ربوية أخرى طارئة, وبيان ذلك (35): 1) يتبيّن لنا من تعريف القانونيين للتأمين, من أنه: (التزام من المؤمِّن بدفع مبلغ من المال عند وقوع الحادث المؤمِّن ضده, مقابل أقساط معينة يدفعها المؤمَّن له) وبه يتضح أنّ هذا العقد قائم في أساسه التركيبي وعنصره الجوهري على كل من ربا الفضل وربا النسيئة المحرمين بإجماع العلماء, ذلك أنّه إذا وقع الحادث المؤمّن منه, فإن مبلغ التأمين الذي تدفعه الشركة إلى المؤمَّن له, إما أن يكون أقل أو أكثر, أو مساوياً لما دفعه المؤمِّن من أقساط, فإن كان مبلغ التأمين أقل أو أكثر (وهو الأعم الأغلب) فقد اجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة معاً, أما ربا الفضل فلعدم التماثل بين عوض الجنس الواحد, وأما ربا النسيئة فلتأخر أحدهما عن الآخر, وإن كان المبلغ مساوياً للأقساط (وهو من النادر جداً), ففيه ربا النسيئة لتأخره عنها, مع أن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل. فالحاصل أنّ التأمين مبادلة نقود بنقود متأخرة عنها في الأجل, زائدة عنها في المقدار, فكان عقداً ربوياً فاسداً. 2) إنّ شركات التأمين تستغل رصيدها في معاوضات ربوية, فالمستأمن يعود إليه مبلغ التأمين مع فائدة ربوية بعد انتهاء مدة التأمين دون حصول الخطر المؤمِّن منه, وذلك في التأمين على الحياة فإنّه لو انتهت مدة التأمين التي أراد طالب التأمين أن يشملها العقد, كخمس سنين مثلاً, فإنّ المستأمن سيأخذ مبلغه الذي دفعه أقساطاً مع زيادة من المال, إن بقي حياً حتى نهاية مدة العقد, وهو صريح الربا بنوعيه. 3) تشترط شركات التأمين فوائد ربوية على من يؤخِّر دفع الأقساط عن وقتها المحدد, بمقدار ما كانت ستكسبه من فوائد ربوية من توظيف هذه الأقساط ربوياً لو دفعت في حينها. 4) إنّ الشركات التأمينية تقترض مبالغ مالية لضمان الوثائق لقاء فوائد ربوية معينة. وبهذا يتبين أنّ الربا هو قاعدة التأمين التي ينطلق منها فكره, وركنه الذي يقوم عليه أصله, فلا خلاص منه إلا بهدمه. ـ وقد نوقش هذا الدليل بعدة مناقشات وهي: أولاً: أنّ موضوع البحث في نفس عقود التأمين التي أبرمت بين الشركة والمستأمن, لا ما تقوم به شركات التأمين في استثمار رصيدها ربوياً, فالدليل في غير محل النزاع, وأما ما يأخذه المستأمن من الفائدة الربوية في بعض صور التأمين فليس من أركان التأمين, ولا لازماً لـه, بل من الشروط التي يمكن التخلص منها باشتراط عدم الفائدة أو بترك اشتراطها على الأقل (36). وأجيب عليه: بأنّه وإن أمكن التخلص من الوجه الثاني من وجوه الاستدلال, فلا يمكن التخلص من بقية الاستدلالات إلا بترك التأمين نفسه (37), ثم إنّ هذا اعتراف منكم بوجود الربا, فهو اعتراف ببطلانه(38). ثانياً: أنّ الربا لا يتحقق في التأمين؛ لأنّ التأمين مبادلة نقود بمنفعة, والمنفعة ليست من الأصناف الستة الواردة في حديث الربا, ولا ما ألحق بها, وحقيقة هذه المنفعة أن المبادلة تكون بين الأقساط التي يدفعها المؤمَّن له والأمان الذي يضمنه المؤمِّن, يدل على ذلك أنّ مبلغ التأمين لا يدفع إلا إذا وقع الخطر, ولو كان عوضاً عن الأقساط لوجب دفعه في كل حال, كما أنّه لا يدفع إلا بمقدار الضرر من غير زيادة, مما يدل على أنّه ليس بمعاوضة يراد بها الربح وتنمية المال بالنسبة للمؤمَّن لـه (39). وأجيب عليه: بأنّ عوض الأقساط هو مبلغ التأمين دون شك, وليس هو الأمان؛ لأنّ الأمان معنى لا يباع ولا يشترى, وليس مالاً تملكه شركة التأمين, أو عملاً تقوم به, حتى تعاوض عليه, يؤيد هذا ويقطع به تعريف أهل القانون للتأمين من أنّه: (التزام من المؤمِّن بدفع مبلغ من المال عند وقوع الحادث المؤمَّن ضده, مقابل أقساط معينة يدفعها المؤمَّن له), ثم إنّ قولكم: (إنّ مبلغ التأمين لا يدفع في كل الأحوال) حجة عليكم وليست لكم, فعلاوة على ما فيه من ربا, تقررون بهذا أنتم أنفسكم أنّه قمار وغرر (40). ونوقشت هذه الإجابة: بأنّا لا نسلم أنّ الأمان ليس مالاً يقابل بعوض, إذ أنّ الأمان من أعظم ثمرات الحياة, وهو الذي أمتن الله به على قريش بقولـه: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (41)، وأنّ الإنسان يسعى, ويكد, ويكدح, ويبذل أغلى الأثمان من مالـه وراحته في سبيل الحصول على الأمان, والاطمئنان لنفسه, ولأسرته, ولحقوقهم, ولمستقبلهم, فأي دليل في الشرع يثبت أنّه لا يجوز الحصول عليه لقاء مقابل؟ ثم إننا نجد في بعض العقود القديمة المتفق بين جميع المذاهب الفقهية على شرعيتها, ما يشهد لجواز بذل المال بطريق التعاقد بغية الاطمئنان والأمان على الأموال, وذلك هو عقد الاستئجار على الحراسة, فالأجير الحارس هنا ـ وإن كان مستأجراً على عمل يؤديه وهو الحراسة ـ نجد أنّ عمله المستأجر عليه ليس لـه أي أثر أو نتيجة سوى تحقيق الأمان للمستأجر على الشيء المحروس, واطمئنانه إلى استمرار سلامته من عدوان شخص أو حيوان يخشى أن يسطو عليه(42). وأجيب عليه: بأنّ القول ببيع الضمان ـ الأمن والأمان ـ باعتباره محل العقد يعني القول بأخذ الأجرة على الضمان, وهذا القول رفضه جمهور أهل العلم, بل حكى ابن المنذر (43) الإجماع ممن يحفظ عنه من أهل العلم على منع أخذ الأجرة على الضمان, حيث جرى تخريج محل العقد في التأمين على شراء الضمان ـ أي ضمان حصول الأمن والسلامة للمؤمن لـه ـ وأنّ ذلك غير جائز (44), ثم إنّا لا نسلم أنّ عقد الحراسة, وذلك باستئجار شخص بغية الحصول على الاطمئنان والأمان في حفظ الأموال, أنّ العقد هنا واقع على الأمان, بل هو عقد عمل نظير قيام هذا الحارس بالحراسة, بدليل أنّه لو سُرق ما يقوم بحراسته دون تعدي أو تفريط منه فإنّه لا يضمن (45), بخلاف التأمين فإنّ الشركة تضمن في حال وقوع الخطر المؤمِّن منه, سواء حصل منها تعدي أو تفريط أو لا. ونوقشت هذه الإجابة: بأنّ القول بمنع أخذ الأجرة على الضمان ليس محل إجماع بين أهل العلم, وإن ذكر ذلك ابن المنذر ـ رحمه الله ـ فقد قال بجوازه عدد من العلماء (46). ثالثاً: أنّ القول بوجود الربا في التأمين قول واه لا تنهض به حجة؛ لأنّ التأمين قائم من أساسه على التعاون على جبر المصائب والأضرار الناشئة من الأخطار, ولو صح اعتبار الربا فيه لوجب القول بتحريم التأمين التبادلي, وتحريم معاشات التقاعد؛ لأنّه في هذه الأنظمة جميعاً قد يدفع قليلاً ويأخذ كثيراً (47). وأجيب عليه: بعدم التسليم بأنّ عقود التأمين تعاون على جبر المصائب, وإصلاح الأضرار الناشئة عن الأخطار, بل هي معاوضة نقدية محضة لا أثر فيها لتعاون أو تبرع, وأما احتجاجكم بالتأمين التبادلي, ومعاشات التقاعد فهو احتجاج في غير محله, فليس هذان النظامان ولا غيرهما من الأنظمة القانونية حجة على شرع الله (48). رابعاً: أنّه يمكن فصل عقد التأمين عن الربا, بأن تجعل الأموال فيه ما لا يجري الربا بينها, بأنّ يدفع في الأقساط نقداً, ويكون التعويض سيارة أو نحوها (49). ويجاب عليه: بأنّ الأجناس وأن اختلفت هنا, إلا أنّ هذا حيلة إلى الربا, كون السيارة أو نحوها ليست مقصودة بذاتها, بل بقيمتها, وبالتالي كانت حيلة إلى مبادلة المال بالمال نسيئة وفضلاً ـ والله أعلم ـ. الدليل الثالث: أنّ التأمين من قبيل الرهان المحرم؛ لأنّ كلاً منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة, ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهور لأعلامه بالحجة والسنان, ومن هذا أنّ النبي صلى الله وعليه وسلم راهن على فرس يقال لـه : سبحة, فسبق الناس, فبش لذلك وأعجبه (50), ولهذا حصر الرسول صلى الله عليه وسلم رخصة الرهان في ثلاثة بقولـه: "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل"(51), فما كان في معنى الثلاثة مما فيه نصرة الإسلام بالسلاح أو العلم والبرهان جاز, وليس التأمين من ذلك (52). ونوقش هذا الدليل بما يلي: أولاً: بمنع كونه قماراً, لأنّ التأمين جد, وفيه تبادل المنافع من الجانبين مع وثوق كل من المؤمِّن والمستأمن من الوصول إلى المكسب والانتفاع وأنّه نظام يقوم على أساس ترميم آثار الكوارث الواقعة على الإنسان في نفسه أو ماله, وذلك بطريق التعاون, بخلاف القمار فإنّه لعب بالحظوظ, ومقتله للأخلاق العملية, والفعالية الإنسانية, فكيف يُقاس عليه؟‍‍ (53) وأجيب عليه: بأنّ في التأمين أيضاً اقتحاماً للمخاطر, وعدم وثوق بقدر ما يصل إلى المستأمن, أو المؤمِّن من الكسب, والانتفاع, أو زمن وصولـه, فكان التأمين قماراً, ذلك أن شركة التأمين تقول للمؤمّن لـه: أدفع كذا, فإن أصابك كذا, دفعت لك كذا, وإن لم يصبك خسرت ما دفعت. والمقامر يقول للآخر: افعل كذا, فإن أصبت كذا, دفعت لك كذا, وإن لم تصبه خسرت ما دفعت, فكل منهما يخاطر معتمداً على الحظ اعتماداً مطلقاً, وبالتالي فيحكم للتأمين بحكم القمار, ثم إنّه ليس كل ما فيه كسب أو انتفاع, يكون مشروعاً حتى ترجح منفعته على مضرته, ويغلب خيره شره (54). ثانياً: أنّ علة تحريم القمار, أنّه يورث العداوة والبغضاء, ويصد عن ذكر الله, وعن الصلاة, والتأمين نظام تعاوني يرمم آثار الكوارث التي تحل بالإنسان, ويمنحه الطمأنينة والأمان من الجوائح والأخطار, والتأمين معاوضة مفيدة للطرفين وليس ذلك في القمار (55). وأجيب عليه: بأنّ ذلك هو الحكمة, بينما العلة في تحريم القمار هي دفع مال يحتمل الحصول على مقابل لـه, والمقامر يقول للآخر: افعل كذا, فإن أصبت كذا, دفعت لك كذا, وإن لم تصبه خسرت ما دفعت. وشركة التأمين تقول للمؤمَّن لـه: ادفع كذا, فإن أصابك كذا, دفعت لك كذا, وإن لم يصبك خسرت ما دفعت, فالذي يدفع الأقساط ولا يقع لـه الحادث يخسر مبلغ التأمين, والذي يقامر ولا يصيب الرقم الرابح يخسر المقامرة, وليس لواحد منهما القدرة على تحقيق ما عاقد عليه, يؤيد ذلك أنّ الفقهاء يعدون أنواعاً من البيوع الجادة قماراً, كالبيع بالرقم, وبيع الملامسة, والمنابذة (56). ثالثاً: إنّ حصر النظر في عقود التأمين في العقد المبرم بين المؤمِّن وكلٌ مؤمَّن لـه على حدة, دون مدِها إلى سائر المؤمَّن لهم, هو الذي دفع بفقهاء الشريعة إلى القول بأنّ التأمين قمار, وهذا صحيح إذا قصرت النظرة على هذا الجانب, أي إذا لوحظ كل عقد بانفراده, فيه يكون التأمين قماراً لا يقره شرع ولا قانون, ولكن علينا أن توسع في نظرتنا إلى عقود التأمين, وأن لا نقف عند كل عقد بعينه يبرمه المؤمَّن مع المؤمِّن لـه, بل نتجاوز ذلك إلى نظرة شاملة لمجموع المؤمِّن لهم, فلو نظرنا هذه النظرة لتبيّن لنا أن التأمين مجرد تعاون بين المؤمَّن لهم لدفع خطر محدق بهم, وأنّ شركة التأمين مجرد وسيط ينظم هذا التعاون, فينتفي القمار عن التأمين (57). وأجيب عليه: بأن ردكم هذا باطل, لا يسنده دليل, وترده حقيقة التأمين, فإنّنا لا نجد في تعريف التأمين أدنى أثر لارتباط بين مجموع المؤمَّن لهم, وإنّما الذي نجده أن العلاقة, والارتباط, والالتزام في عقد التأمين قائم بين طرفين فقط: أحدهما المؤمَّن لـه المعيّن, والآخر المؤمّن, فدعوى قيام أي علاقة بين المؤمَّن لهم باطلة من أصلها, ولا وجود لها, وبانتفاء العلاقة بين مجموع المؤمَّن لهم يكون التأمين باعترافكم قماراً. ولو سلمنا جدلاً أنّ هناك علاقة بين مجموع المؤمَّن لهم, فإنّ ذلك لا ينفي عنه صفة القمار؛ لأنّ الاحتمال والغرر, أصيلان فيه لا يزولان إلا بزوال التأمين نفسه. وإن قلتم: إنّ الاحتمال يخف بهذا الاعتبار عند المؤمِّن. قلنا: ولكنه يبقى على حاله تماماً عند المؤمَّن لهم, وهو كاف لإبطال هذا العقد؛ لأنّ القمار في أحد جانبي المعاوضة مبطل لها من أصلها عند الجميع(58). الدليل الرابع: أنَّ التأمين من أكل أموال الناس بالباطل, وأكل المال بالباطل ممنوع, يدل على ذلك قولـه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ } (59). وجه الاستدلال: أنّ عقود التأمين تتضمن الغرر, والقمار, والربا, وأخذ مال الغير في المعاوضات التجارية بلا مقابل, فكان من أكل أموال الناس بالباطل, فيدخل في عموم النهي في الآية (60). ـ ونوقش هذا الدليل: بأنّ التأمين لا يدخل في عموم النهي حتى يقوم دليل تفصيلي على منعه؛ لأنّ أكل الأموال بالباطل كلمة مجملة(61). وأجيب عليه: بما تقدم تفصيلاً من الأدلة الدالة على اشتمال عقد التأمين على الربا, والغرر, والقمار وغيرها من المحظورات, فكان داخلاً في عموم النهي في هذه الآية وما في معناها من نصوص الكتاب والسنة (62). وهناك أدلة أخرى متعددة تركتها خشية الإطالة. ____________________ 1. أخرجه الترمذي في سننه, كتاب المناقب عن رسول الله حديث رقم 3720, وأحمد في باقي مسند المكثرين حديث رقم 10681, 10707, 10779, 11135, حديث حسن غريب. 2. سورة آل عمران, آية: 110. 3. أخرجه البخاري في كتاب الآداب, حديث رقم 5552, ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب حديث رقم 4685. 4. التأمين الاجتماعي, د/ آل محمود, ص39. 5. الوسيط, د/ السنهوري, 7م2/ 1156, الأحكام العامة لعقد التأمين, د/ لطفي ص40, حكم الشريعة الإسلامية في عقود التأمين, د/ حسان, ص432. 6. أصول التأمين, د/ رمضان أبو السعود, ص94. 7. التأمين الاجتماعي, د/ آل محمود, ص39ـ 40. 8. الوسيط, د/ السنهوري, م27/ 1156, التأمين الاجتماعي د/ آل محمود, ص40. 9. التأمين, د/ غريب الجمال, ص40, ط1, 1975م, دار الفكر العربي, التأمين الاجتماعي, د/ آل محمود, ص40ـ 41. 10. التأمين, د/ الجمال, ص40, التأمين الاجتماعي, ص41, 42. 11. التأمين, د/ الجمال, ص49. 12. التأمين الاجتماعي, د/ آل محمود, ص42ـ 44. 13. التأمين في الشريعة الإسلامية والقانون, د/ غريب الجمّال, ص50ـ 57, الوسيط, د/ السنهوري, م27/1372. 14. الوسيط, د/ السنهوري, م27/ 1389. 15. التأمين, د/ الجمال, ص38, الوسيط, د/ السنهوري, 7م2/ 1540. 16. التأمين, د/ الجمال, ص111ـ 122, الوسيط, د/ السنهوري, 7م2/1641. 17. التأمين الاجتماعي, آل محمود, ص44ـ 45. 18. التأمين الاجتماعي, آل محمود, ص45ـ 47. 19. التأمين, د/ الجمال, ص184, 186, التأمين الاجتماعي, آل محمود, ص47. 20. التأمين الاجتماعي, آل محمود, ص47ـ 48. 21. الاقتصاد الإسلامي, وهو عبارة عن بحوث مختارة من المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي, ص399, الطبعة الأولى, عام 1400هـ ـ 1980م, المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد الإسلامي. 22. وممن قال بهذا القول: الشيخ/ محمد بخيت المطيعي, ود/ شوكت عليان والشيخ/ محمد عليان, محمد رشيد رضا, والشيخ/ إبراهيم الجبالي, والشيخ/ عبدالرحمن تاج, والشيخ/ عبداللطيف الفرفور, ود/ سليمان الثنيان. 23. وممن قال به: الشيخ/ مصطفى الزرقا, والشيخ/ علي الخفيف, ود/ محمد نجاة الله صديقي, ود/ رفيق يونس المصري, وصدر به قرار الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار سنة 1411هـ, والشيخ/ محمد سلام مدكور, والشيخ/ يوسف موسى, والشيخ/ عبدالرحمن عيسى, والشيخ/ عيسوي أحمد عيسوي, والشيخ/ محمد البهي. 24. وممن قال بهذا: د/ الصديق الضرير, والشيخ/ محمد أبوزهرة, ود/ حسين حامد حسان, ود/ حمد بلتاجي حسن, ود/ محمد الفنجري, وصدر به قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي سنة 1397هـ, وقرار مجمع الفقه الدولي بجدة سنة 1406هـ. وتجدر الإشارة هنا إلى أن قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (52) الصادر سنة 1397هـ والمنتهي بجواز التأمين التعاوني دون التجاري, ليس بإطلاقه إذ قد صدرت فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء بأنّ المراد بالتأمين التعاوني هو إيجاد جمعية تعاونية معروف أعضاؤها يقومون بجمع مال منهم يُستثمر ويخرج منه ما تقتضيه الحوادث عليهم, وأنّ التطبيق الحالي للتأمين التعاوني من قبل الشركات التعاونية غير صحيح, وأنّ هذه الشركات التعاونية تتفق مع شركات التأمين التجارية في العناصر الأساسية فهي بذلك تتفق مع شركات التأمين التجاري في الحكم بالتحريم. 25. وقال بهذا القول الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود, في كتابه أحكام عقود التأمين ومكانها في شريعة الدين, ص53, الطبعة الثالثة, عام 1407هـ ـ 1986م, المكتب الإسلامي. 26. التأمين, لهيئة كبار العلماء في المملكة, ص281, التأمين على الرخصة, د/ سعد الشثري, مجلة البحوث الفقهية المعاصرة, العدد (60) ص107, التأمين البري في التشريع, د/ عبدالقادر العطير, ص38, ط1, 200م, مكتبة دار الثقافة, التأمين, د/ سليمان الثنيان, ص230ـ 236, التأمين أنواعه المعاصرة, هاني الحديدي, ص76, التأمين في الشريعة والقانون, د/ شوكت عليان, ص219ـ 224, ط2, 1401هـ, دار الرشيد, التأمين الإسلامي, أ. د/ علي محي الدين القره داغي, ص167, ط2, 1416هـ, شركة دار البشائر الإسلامية. 27. التأمين, لهيئة كبار العلماء في المملكة, ص281ـ 282. 28. التأمين, لهيئة كبار العلماء في المملكة, ص282. 29. التأمين, هيئة كبار العلماء, ص282. 30. وذلك أثناء الحديث في الفصل الرابع عن مسؤوليات شركات التأمين ضد الغير. 31. التأمين, لهيئة كبار العلماء في المملكة, ص282ـ 283. 32. التأمين, هيئة كبار العلماء, ص282ـ 283. 33. المرجع السابق, ص283ـ 284, التأمين, د/ سليمان الثنيان, ص336, نظام التأمين, د/ مصطفى الزرقاء, ص49ـ 50. 34. التأمين, لهيئة كبار العلماء في المملكة, ص284, التأمين, د/ سليمان الثنيان, ص237. 35. التأمين, لهيئة كبار العلماء, ص285ـ 286, التأمين, د/ الثنيان, ص216ـ 218, التأمين, د/ شوكت عليان, ص215ـ 217, التأمين الإسلامي, د/ أحمد ملحم, ص46, التأمين الإسلامي, أ.د/ القره داغي, ص177, التأمين على الرخصة, د/ الشثري, ص105ـ 106. 36. نظام التأمين, مصطفى الزرقاء, ص53, التأمين, لهيئة كبار العلماء ص286. 37. التأمين, هيئة كبار العلماء, ص286. 38. التأمين, د/ الثنيان, ص220. 39. المرجع السابق, ص219. 40. التأمين, د/ الثنيان, ص219. 41. سورة قريش, الآيات: 3ـ 4. 42. نظام التأمين, مصطفى الزرقاء, ص50 ـ 51. 43. وهو محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري, أبوبكر ولد سنة 242هـ, فقيه مجتهد, من الحفاظ, كان شيخ الحرم بمكة وله عدة مؤلفات منها: المبسوط, الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف, الإشراف على مذاهب أهل العلم, واختلاف العلماء, ونحوها توفي بمكة سنة 319هـ(الأعلام 5/294ــ 295). 44. التأمين بين الحلال والحرام, د/ عبدالله بن منيع, ص21, مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية, الرياض, بدون سنة طباعة. 45. رد المحتار على الدر المختار, لابن عابدين, 6/72. 46. وممن قال به: إسحاق به راهوية, ومن المتأخرين: الشيخ علي الخفيف, والشيخ عبدالرحمن عيسى, والشيخ عبدالحليم محمود, والشيخ عبدالرحمن بن سعدي, والشيخ عبدالله البسام. 47. نظام التأمين, مصطفى الزرقاء, ص137, التأمين, د/ الثنيان, ص221ـ 222. 48. التأمين, د/ الثنيان, ص222. 49. التأمين على الرخصة, د/ الشثري, ص106. 50. أخرجه البيهقي في سننه, باب ما جاء في الرهان على الخيل وما يجوز منه وما لا يجوز, حديث رقم 19560 وأحمد, في باقي مسند المكثرين, حديث رقم 12648, والدارمي, في كتاب الجهاد, حديث رقم 2430, تفرد به سعيد بن زيد, وإسناده حسن. 51. أخرجه الترمذي في سننه, في كتاب الجهاد عن رسول الله, حديث رقم 1622, والنسائي في كتاب الخيل, حديث رقم 3530, وأبو داود, في كتاب الجهاد, حديث رقم 2210, وابن ماجة, في كتاب الجهاد, حديث رقم 2869, وأحمد في مسند المكثرين, حديث رقم 7269, ورقم 8438, وابن حبان في صحيحه, حديث رقم 4690, قال أبوعيسى: هذا حديث حسن, وصححه ابن حبان والألباني, وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح. 52. التأمين, هيئة كبار العلماء, ص286, التأمين, د/ شوكت عليان, ص234ـ 236, التأمين, هانئ الحديدي, ص77. 53. نظام التأمين, مصطفى الزرقا, ص45ـ 46. 54. التأمين, هيئة كبار العلماء, ص285, التأمين, د/ الثنيان, ص226ـ 228. 55. نظام التأمين, مصطفى الزرقاء, ص45ـ 46, التأمين على الرخصة, د/ سعد الشثري, ص106. 56. التأمين على الرخصة, د/ الشثري, ص106ـ 107. 57. الوسيط, د/ السنهوري, ج7 م2/ 1087, التأمين, د/ الثنيان, ص228. 58. التأمين, د/ الثنيان, ص229. 59. سورة النساء, آية: 29. 60. التأمين, هيئة كبار العلماء, ص287, التأمين, د/ عليان, ص244ـ 246, التأمين على الرخصة, د/ الشثري, ص107. 61. التأمين, هيئة كبار العلماء, ص287. 62. المرجع السابق.

 

***

 

الإلزام بالتأمين وتأمين المركبة (2-2)

الإلزام بالتأمين وتأمين المركبة (1) الإلزام بالتأمين وتأمين المركبة (2) ثانياً: أدلة القول الثاني والذي ذهب أصحابه إلى القول بجواز عقد التأمين مطلقاً: وقد استدلوا بأدلة متعددة، أبرزها ما يلي: الدليل الأول: قياس عقود التأمين على عقد ولاء الموالاة، وفسروه: بأن يقول شخص مجهول النسب لآخر: أنت وليي تعقل عني إذا جنيت، وترثني إذا أنا مت، أو أن يتفق شخص من غير العرب قد أسلم مع عربي مسلم على أن يلتزم العربي بالدية إذا جنى مولاه، ويلتزم غير العربي أن يرثه مولاه العربي إذا لم يكن لـه وارث سواه. ووجه الشبه بين العقدين: أنّ العربي يتحمل جناية غير العربي بعقد الموالاة مقابل إرثه، والمؤمِّن يتحمل جنايات المستأمن نظير ما يدفعه من أقساط التأمين، فالمؤمِّن نظير المسلم العربي في تحمل المسؤولية، والمستأمن نظير المولى المسلم من غير العرب فيما يبذل من أقساط أو إرث، وقد صحح الحنفية عقد ولا الموالاة (1)، وأثبتوا به الميراث، وعقود التأمين وثيقة الصلة، وقوية الشبه به، فتخرّج عليه ويحكم لها بحكمه وهو الجواز (2). ـ ونوقش هذا الدليل بما يلي (3): أولاً: أنّ عقد ولاء الموالاة، وإن كان معمولاً به بالنسبة للنصرة ونحوها، فهو مختلف في نسخه وإحكامه بالنسبة للإرث به، والأدلة الصحيحة تشهد لنسخ الإرث به، فلا يصح التخريج عليه. ثانياً: أنّ عقد ولاء الموالاة يقوم على أمر عظيم لا وجود لـه في التأمين، وهو أنّه ارتباط صلة وقرابة كصلة الدم وقرابة الرحم، فإذا ارتبط رجلان بهذه الرابطة، فإنّها تقوم بينهما معاني الأخوة والقرابة والنصرة والحماية والمحبة حتى يصبح مولى القوم منهم، ولذا نرى كبار أئمة الإسلام من الموالي يفتخرون بهذه الصلة ويحافظون عليها ويعتبرون أنفسهم كسائر أفراد القبيلة التي ينتمون إليها ولا فرق، وأما ما ينتج عن ذلك من أمور مالية فهي ثمرة ذلك، وشتان بين عقد يكون المتعاقد به كفرد من الأسرة، وبين عقد لا يحس فيه كل من المتعاقدين بشيء من العاطفة الإنسانية والإخاء الإسلامي نحو الآخر، ولا يتحسس كل منهما عن أحوال صاحبه إلا تحسساً تجارياً ليس لخالص مودة أو صدق إخاء، وإنّما هو خشية الإفلاس أو الغرامة....! ثالثاً: أنّ عقد الموالاة عقد تبرع لا يؤثر فيه الغرر والجهالة والخطر، وعقد التأمين عقد معاوضة، وعقود المعاوضة يشترط فيها السلامة من ذلك كله. رابعاً: إذا حلّت مصيبة في أحد طرفي عقد الموالاة توقع العون والمواساة من الطرف الآخر، ولا يتوقع لـه أي عون أو إغاثة من شركة التأمين فيما عدا المؤمّن عليه. خامساً: أنّ من شرط القياس أن يكون المقيس عليه منصوصاً أو مجمعاً عليه، وإلا فللمخالف في الفرع أن يمنع حكم الأصل فلا يكون القياس مفيداً في إلزام المخالف حكم الفرع، ثم هذا يتوقف على قول الحنفية بتحمل المولى جناية مولاه بعقد الموالاة، فهل الحنفية يقولون بذلك حتى يتم الشبه والتخريج على مذهبهم؟ ولم يبين المستدل ذلك. سادساً: أنّ هذا الاستدلال على تقدير تسليمه لا يدل إلا على جواز فرع من فروع التأمين وصورة من صوره، وهي التأمين ضد المسؤولية، والمدعي يدعي جواز التأمين مطلقاً، فلا مطابقة بين الدليل والدعوى. وبهذه الفروق الكبيرة يبطل القول بقياس التأمين حتى ضد المسؤولية على عقد الموالاة. الدليل الثاني: أنّ الأصل في الشريعة إباحة العقود إلا ما دل الدليل الشرعي على تحريمه، لقولـه تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } (4). فالله خلق كل شيء على وجه الإباحة لخلقه، إلا ما استثناه الدليل بالتحريم، ومن هذه المباحات العقود، وعقد التأمين واحد منها، ولم يرد نص بخصوصه بالتحريم (5). ـ ونوقش هذا الدليل: أنّ هذا الدليل يدل على عكس ما أراده منه أصحابه، فهو يدل على تحريمه لا على إباحته، إذ أنّ الدليل قد قام على تحريم الربا والغرر، والتأمين قائم على الربا والغرر الفاحش ـ كما سبق بيانه (6) ـ، ولو لم يكن فيه سوى كبيرة الربا لكانت كافية لوضعه في مصاف أغلظ المحرمات، وبذلك يخرج التأمين من الأصل المباح في العقود إلى المحرم منها (7). الدليل الثالث: قياس عقود التأمين على ضمان خطر الطريق. وبيان ذلك: أنّه إذا قال شخص لآخر: اسلك هذا الطريق فإنّه آمن، وإن أصابك فيه شيء فأنا ضامن، فسلكه وأُخِذ مالـه فإنّه يضمن عند الحنفية (8)، فكذا القول في عقود التأمين، فإنّ المؤمِّن ضمن للمستأمن مبلغاً يدفعه لـه أو عنه أو للمستفيد بشروط تراضيا عليها، فإذا جاز ضمان خطر الطريق مع وجود الجهالة، ولزم الوفاء به عند حصول الحادث، جازت عقود التأمين ولزم الوفاء بها حيث لا فرق، ولو أنّ الفقهاء الذين قرروا ضمان خطر الطريق في ذلك الزمان، عاشوا في زماننا، وشاهدوا الأخطار التي نشأت من الوسائل الحديثة كالسيارات، التي فرضت على الإنسان من الخطر بقدر ما أنتجته من السرعة ولمسوا ضرورته التي نلمسها نحن اليوم في سائر المرافق الاقتصادية الحيوية لتخفيف آثار الكوارث الماحقة، لما ترددوا لحظة في إقرار التأمين (9). ـ ونوقش هذا الدليل: بأن هذا القياس لا يصح لعدة أمور هي: أولاً: أنّ هذا القياس قياس في غير علة جامعة، فعلة ضمان خطر الطريق هي التغرير المتسبب في الإتلاف، وعلة التأمين هي الالتزام بدفع أقساط التأمين، فمتى دفعت الأقساط حصل التأمين، ومتى لا فلا. فالعلتان مختلفتان تماماً (10). ثانياً: أنّ من شروط جواز القياس الاتفاق على حكم المقيس عليه، والقول بتضمين خطر الطريق هو قول عند الحنفية وحدهم، وهو من باب الإتلاف بالتسبب، فليس من المتفق عليه، فالقياس باطل(11). ثالثاً: أنّ الضمان نوع من التبرع يقصد به المعروف المحض، والتأمين عقد معاوضة مالية يقصد منها أولاً الربح المادي، فإن ترتب عليه معروف فهو تابع غير مقصود إليه، والأحكام يراعى فيها الأصل لا التابع ما دام تابعاً غير مقصود إليه؛ ولذا اغتفر في الضمان مالا يغتفر في عقود المعاوضات المالية، وأفسده اشتراط العوض على الضمان (12). رابعاً: أنّ تضمين خطر الطريق لا يكون إلا إذا كان الضامن مغرراً بالمضمون، بأن كان عالماً بخطر الطريق وأمره بسلوكه، وأخبره بأنّه آمن، وكان السالك جاهلاً بالخطر فالتضمين للتغرير لا لمجرد الضمان، وشركات التأمين تقرر التضمين مطلقاً، ثم هي لا ترضى أن يلصق بها ولا يسرها أن يعرف عنها أنها تغرر بالمستأمنين (13). خامساً: أنّه على تقدير إلزام الضامن بالغرامة مطلقاً فإنّما يكون ذلك بعد العجز عن تسليم الحق من المعتدي أو المتسبب، أو عند اختيار صاحب الحق أخذها منه ابتداءً، وشركات التأمين تضمن الغرامة للمستأمن على كل حال دون المعتدي أو المتسبب ما دام الخطر قد تحقق مع توافر الشروط المتفق عليها (14). وهناك أدلة أخرى متعددة تركتها خشية الإطالة. ثالثاً: أدلة القول الثالث، والذي ذهب أصحابه إلى التفريق بين التأمين التعاوني والتأمين التجاري، فقالوا: بحل الأول، وتحريم الثاني: واستدلوا لمنع وتحريم التأمين التجاري، بأدلة المانعين من التأمين، وقد سبق بيانها بالتفصيل (15). كما استدلوا بجواز التأمين التعاوني بأدلة المجيزين للتأمين، ـ وقد سبق بيانها (16) ـ، وأضافوا دليلاً آخر وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إنّ الإشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قلّ طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم"(17)، فأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الفعل الذي يعد صورة من صور التأمين التعاوني (18). وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه يراد بالتأمين التعاوني: دفع جماعة لأقساط دورية لتعويض النقص الحاصل على بعضهم، فهو اتحاد غير مقيد يقوم به المؤمَّن لهم بأنفسهم، بحيث يتعهدون بدفع اشتراكات دورية، وفق جدول متفق عليه لتغطية الخسائر التي يتعرض لها بعضهم في حالات معينة يحتمل حدوثها في المستقبل (19). فالفرق بين التأمين التعاوني والتجاري أن التعاوني لا يُسعى فيه للربح، بل لتخفيف الخسائر الواقعة على المشتركين فيه، كما أن الأموال الباقية بعد تعويضات الخسائر ترد على المشتركين (20). رابعاً: أدلة القول الرابع القائل: بأنّ التأمين على حوادث السيارات، والطائرات، والسفن، والمتاجر مباح لا محظور فيه، أما التأمين على الحياة فلا يجوز. واستدلوا بعدة أدلة هي: الدليل الأول: أنّ الأصل في العقود الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه، إذا ثبت هذا، فإنّ صفة عقد التأمين من حوادث السيارات، وهو أن يتفق الشخص الذي يريد التأمين على سيارته مع شركة التأمين، سواء كان التأمين كاملاً أو ضد الغير، فيدفع قدراً يسيراً من المال على تأمينها مدة معلومة من الزمان، كعام كامل بشروط وقيود والتزامات معروفة عند الجميع، ومن أهمها: كون السائق يحمل رخصة سياقة، فمهما أصيبت هذه السيارة أو أصابت غيرها بشيء من الأضرار في الأنفس والأموال خلال المدة المحددة، فإنّ الشركة ملزمة بضمانه بالغاً ما بلغ، ويستفيد المؤمِّن على سيارته حصول الأمان والاطمئنان على نفسه وسيارته، ويستفيد عدم المطالبة والمخاصمة في سائر الحوادث التي تقع بالسيارة متى كان التأمين كاملاً، وتقوم شركة التأمين بإصلاحها عند حدوث شيء من الأضرار بها، ومثل هذا الأمان والاطمئنان يستحق أن يبذل في حصولـه نفيس الأثمان. وليس فيه من المحذور سوى الجهالة بالأضرار التي قد تعظم في بعض الأحوال فتقضي بهلاك بعض النفوس والأموال وقد لا تقع بحال، وهذه الجهالة مغتفرة فيه كنظائره في سائر الضمانات (21). ـ وقد سبقت مناقشة ما يخص بأنّ الأصل في العقود الإباحة (22)، أما قول المستدل (أن الجهالة في عقد التأمين على السيارات مغتفرة) فلا يُسلم إذ الجهالة المغتفرة هي الجهالة اليسيرة، والأضرار التي تترتب على الحادث المروري قد تصل إلى مبالغ كبيرة جداً. الدليل الثاني: أنّ الحاجة والضرورة قد دعت إلى هذا العقد في أكثر البلدان العربية، بحيث لا يُمنح السائق رخصة سياقة إلا في سيارة مؤمّنة وإلا اعتبر مخالفاً لنظام سير البلد، وهذه مما يزول بها شبهة الشك في إباحتها، وتتمخض للجواز بلا إشكال (23). ـ ونوقش هذا الدليل بما يلي: أولاً: أننا هنا نبين حكم التأمين، وبالتالي فإنّه لا يجوز الإلزام به إلا عند جوازه. ثانياً: وأما الإلزام بالتأمين على الرخصة أو السيارة فسيأتي بيانه- إن شاء الله - (24). الدليل الثالث: أنّ في هذا التأمين مصلحة كبيرة، وهي أنّ المتصرفين بقيادة السيارات هم غالباً يكونون من الفقراء الذين ليس لهم مال ولا عاقلة، فمتى ذهبت أرواح بعض الناس بسببهم وبسوء تصرفهم فلن تذهب معها دياتهم لورثتهم، بل يجب أن تكون مضمونة بهذه الطريقة، إذ من المعلوم أنّ حوادث السيارات تقع دائماً وباستمرار، وأنّ الحادثة الواحدة تجتاح هلاك العدد الكثير من الناس، ومن الحزم وفعل أولي العزم ملاحظة حفظ دماء الناس وأموالهم، وهذا التأمين وإن كان يراه الفقير أنّه من الشيء الثقيل في نفسه، ويعده غرامة مالية عليه حال دفعه، لكنه يتحمل عنه عبئاً ثقيلاً من خطر الحوادث، مما يدخل تحت عهدته ومما يتلاشى معها ما يحس به من الغرامة لكون المضار الجزئية تغتفر في ضمن المصالح العمومية (25). ونوقش هذا الدليل بما يلي: أولاً: لا نسلم أنّ التأمين مصلحة، بل هو على العكس مفسدة، لما فيه من تكديس لأموال الناس في أيدي قلة من الخاصة تتسلّط بها وتتحكّم (26). ثانياً: لو سلمنا جدلاً بأنّ فيه مصلحة، ويجري عليه حكم المصلحة المرسلة، فإنّ المصلحة المرسلة محل خلاف بين العلماء، ولم يقل بها إلا قلّة منهم، فلا حجة فيها للتأمين (27). ثالثاً: ولو سلمنا جدلاً بأنّ المصالح المرسلة حجة شرعية، وأردنا أنّ نبيح التأمين بناء عليها، فإنّنا عند تطبيقه على شروط جواز العمل بالمصلحة نجده يصطدم اصطلاحاً مباشراً بكل شرط من شروطها، فعند شرط عدم مخالفة أصول الشريعة وأدلتها نجده يقع في مخالفة دليلين من كتاب الله تعالى، إذ في التأمين ربا وميسر، وهما محرمان بنص القرآن، ويقع في مخالفة دليل قاطع من السنة وهو تحريم الغرر، والتأمين لا يقوم إلا على الغرر، وعند شرط معقولية المعنى، فإنّ التأمين وإن كان في المعاملات إلا أنّه يسلب العبد التوكل على الله والثقة به، ويحرمه مثوبة الصبر والاحتساب بحلول المصائب، وعند شرط حفظ الأمر الضروري، فالتأمين لا يحفظ أمراً ضرورياً، بل هو مخل بالأمر الضروري الذي هو حفظ المال، وبهذا بان بطلان كون المصلحة تقتضي التأمين (28). الدليل الرابع: إن العقود والشروط والشركات والمبايعات كلها مبنية على جلب المصلحة ودرء المفسدة بخلاف العبادات، فإنّها مبنية على التشريع والاتباع لا على الاستحسان والابتداع، ومتى كان الأمر بهذه الصفة، فإنّه ليس عندنا نص صحيح ولا قياس صريح يقتضي تحريم هذا التأمين يعارض به أصل الإباحة أو يعارض به عموم المصلحة المعلومة بالقطع، وهذه الشركة المنعقدة للتأمين إن رأت في نفسها من مقاصدها، أو رآها الناس أنها تجارية استغلالية، لكن حقيقة الأمر فيها والواقع منها أنه يتحصل منها اجتماع المنتفعين، منفعتها في نفسها في حصول الأرباح لها ومنفعة الناس بها، فهي شركة تعاونية محلية اجتماعية تشبه شركة الكهرباء، فكل هذه الشركات تدخل في مسمى التعاون بين الناس؛ لأنّ الشخص غني بإخوانه قوي بأعوانه ويد الله مع الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه (29). ويجاب عنه بما سبق وأن أجيب عن الدليل السابق. الدليل الخامس: أنّ هذا التأمين من جنس الصلح الجائز بين المسلمين، لما روي أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً والمسلمون على شروطهم"(30) (31). ـ وقد نوقش هذا الدليل بأنّ هذا العقد مما حرّمه الدين، وبالتالي كان مُحلّلاً لحرام؛ لما فيه من الربا والقمار والغرر، وبالتالي كان الحديث دليلاً على التحريم لا على الإباحة. والراجح ـ والله أعلم ـ من الأقوال الأربعة السابقة هو قول الفريق الثالث القائل بحرمة التأمين التجاري وإباحة التأمين التعاوني، لما يأتي: أسباب تحريم التأمين التجاري: بالإضافة إلى الأدلة السابقة، فإنّ التأمين التجاري محرم لما يلي(32): 1) أنّ التأمين التجاري عقد معاوضة بدفع مال مجهول مؤجل، مقابل مال مؤجل كما سبق، فيظهر تحريمه لكونه عقد معاوضة يُبنى على الغرر والجهالة، مما يجعله نوعاً من الميسر. 2) أنّ المجيزين اعتمدوا على قياسات مبنية على أقوال بعض المجتهدين مع الفرق بين المسائل المقيس عليها وعقد التأمين، ومانع هذه المعاملة استدل بنصوص شرعية وقواعد متفق عليها. 3) أنّه من المقرر عند الأصوليين أنّه إذا تعارض دليل الإباحة مع دليل التحريم قدم دليل التحريم (33). 4) يمكن قياس هذا التأمين على أخذ الأجرة على الضمان الذي منع منه الفقهاء (34). 5) أنّ الجهالة في عقد المعاوضات تبطلها لحديث أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم : "نهى عن الثنايا إلا أن تعلم"(35)، وفي التأمين التجاري جهالة، فالمؤمِّن لا يعلم مقدار ما سيدفعه عن الحادث الذي هو أيضاً مجهول. 6) احتواء هذا العقد على الغبن لأحد الطرفين قطعاً. أسباب إباحة التأمين التعاوني: بالإضافة إلى الأدلة السابقة، فإنّ التأمين التعاوني مباح، لما يلي(36): 1) أنّ التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار، والاشتراك في تحمل المسؤولية عند نزول الحوادث. 2) خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه، ربا الفضل وربا النسيئة، فليس عقود المساهمين ربوية، ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية. 3) أنّه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم بالنفع؛ لأنّهم متبرعون فلا مخاطرة ولا غرر ولا مغامرة، بخلاف التأمين التجاري فإنّه عقد معاوضات مالية تجارية. 4) قيام جماعة من المساهمين، أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون، سواء كان القيام بذلك تبرعاً أو مقابل أجر معين. الإلزام بالتأمين على المركبة: إنّ قيادة السيارة في هذه الأيام تتضمن مخاطر شتى بالرغم من مهارة السائق وقدرته على القيادة، فالإحصائيات تشير إلى موت وجرح عشرات الآلاف من الناس كل سنة، ولذا فلا عجب إذا رأينا كثيراً من الدول تضع مزيداً من القوانين لتنظيم التأمين الإلزامي لتغطية حوادث السيارات وضمان حقوق المتضررين (37)، ولقد عرفنا في المطلب السابق أنّ التأمين محل خلاف بين الفقهاء، وبالتالي فالإلزام بالتأمين على الرخصة لا يخلو من الأحوال التالية (38): أولاً: إنّ كان المجتهد يرى المنع من التأمين كلياً، أو المقلد الذي يتبع من يرى ذلك، فإنّه لا يجوز لـه الإلزام بما يرى المنع منه ما لم يصل لحد الضرورة، ويدل على ذلك إجماع العلماء على وجوب عمل المجتهد باجتهاده وتحريم تركه للقول الراجح لديه، ومستند هذا الإجماع هو قول الله تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم } (39)، حيث أوجب الله على المكلف العمل بما ترجح لديه. ثانياً: أمّا إذا كان المجتهد يرى جواز عقد التأمين ولو في بعض صوره، أو المقلد الذي يتبع ذلك، فإنّه يجوز لـه إلزام غيره به إذا كان لـه دراية، ورأى المصلحة في الإلزام به، ويدل على ذلك عدد من النصوص والقواعد الشرعية منها: الدليل الأول: قاعدة (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة)(40). هذه قاعدة فقهية مبنية على قول الرسول صلى الله عليه وسلم : "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته فالإمام راع ومسؤول عن رعيته"(41). والمراد بهذه القاعدة: أنّه يجب على من تولى شيئاً من أمور المسلمين، أن تكون تصرفاته مبنية على حفظ مصالحهم، فمتى رأى أنّ وضع هذا النظام تحصل به مصلحة المسلمين، ويبعد ضياع حقوقهم جاز لـه وضعه. الدليل الثاني: الاستدلال بسد الذرائع، ويراد بهذا الدليل إغلاق الوسائل المفضية للفساد والمحرمات، فإذا كانت الوسيلة تؤدي للفساد قطعاً منع منها إجماعاً، وإن كانت مفضية لـه غالباً وجب سدها أيضاً عند جماهير أهل العلم؛ لأنّ في ذلك زيادة تمسك بالنصوص الشرعية واتباعاً لمنهج الشرع في إغلاق طرق الشر كما قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }(42)، فمنع من سب آلهة المشركين؛ لأنّه يفضي غالباً لجعل المشركين يسبون الله، وحيث أنّ من المفاسد ضياع حقوق الخلق بسبب تهرب بعض الناس عن دفع تكاليف إصلاح السيارات التي يتسببون في إتلافها، فمن طرق سد ذلك وضع نظام التأمين ضد الغير. الدليل الثالث: إحداث أقضية بسبب إحداث الشرور: إنّ المتأمل في الشريعة الإسلامية يجد أنهّا تأمر بإحداث أقضية للناس بقدر الشرور التي يحدثونها لتكون رادعة لهم، ومن هذا الباب جاءت أحكام التعزير، فإنّ مقدار العقوبة فيه يختلف فكلما انهمك الناس في فعل منكر رتب عليه عقوبة مناسبة لردع الناس عن ذلك المنكر، ومن هنا لما كُثر التهرب في حوادث السيارات فقد يُحدث نظام يحد من هذا المنكر، وقد قال الإمام مالك: يحدث للناس أقضية بقدر ما يحدثون من الفجور (43)،كما روي عن عمر بن عبدالعزيز(44) أنّه قال مثل ذلك فقال: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور(45). وينبغي عند إصدار مثل هذا الإلزام ملاحظة مدى القبول والنفرة من مثل هذا النظام، فقد يُترك الإلزام بالتأمين على الرخصة لدرء مفسدة أعظم، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في بناء الكعبة، فقد ترك الرسول صلى الله عليه وسلم بناء البيت على قواعد إبراهيم ـ عليه السلام ـ من أجل ذلك كما قالت عائشة (46): سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الجدار (47) أمن البيت (48) هو؟ قال: "نعم" قلت: فما بالهم لم يدخلوه في البيت؟ قال: "إنّ قومك قصرت بهم النفقة، ولولا أنّ قومك حديث عهد بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدار في البيت".(49) وقد يُمهد لـه ببعض المقدمات التي تجعله مقبولاً، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية، عندما صده المشركون عن العمرة، أمر أصحابه بالإحلال فلم يفعل ذلك أحد منهم، فقدم لذلك بمقدمة بأن ابتدأ بهذا الفعل قبلهم، فتتابع المسلمون على الاقتداء به (50)، وفي القرآن شواهد لذلك، فإنّ الله عز وجل لما أراد أن يذكر ولادة عيسى من غير أب، مهد لـه بذكر إيتان الفاكهة لمريم من عند الله في غير وقتها فقال تعالى: { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} (51). ثم ذكر ولادة يحي لأبوين كبيرين، أحدهما عقيم يستبعد أن يولد لمثلهما عادة: {قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ } (52)، وقارن بين عيسى وآدم فقال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (53)، ومن شواهد ذلك أيضاً قصة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، فقد مهد الله لهذا الحكم بعدد من الأمور منها: 1) إثبات مشروعية النسخ وحكمته بقولـه تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا }(54). 2) بيان أنّ الجهات كلها لله بقوله تعالى: {وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (55). 3) بيان فضائل البيت الحرام وأنّ ذلك من ملة إبراهيم بقولـه جل وعلا: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } (56). 4) بيان حكمة تغير القبلة وأنّ الاعتراض على ذلك شأن السفهاء. 5) تأكيد الأمر بالتوجه للبيت ثلاث مرات. 6) بيان أنّه لا حجة للمعترضين، وأمر المسلمين بعدم خشيتهم. الدليل الخامس: أنّ عقود الغرر تجوز عند الحاجة كالسلم، وبيع العرايا، وعقد الاستصناع، وإلزام ولي الأمر بالتأمين على الرخصة يعتبر حاجة، بل هو ضرورة(57). الالتزام بالتأمين: إذا صدر نظام بالإلزام بالتأمين وجب على المسلم الالتزام بهذا النظام، ودفع أقساط التأمين وحَرُم عليه التهرب منه، سواء كان هذا المسلم يرى جواز التأمين أو يرى عدم جوازه، ويدل على ذلك عدد من الأدلة منها: الدليل الأول: أدلة وجوب السمع والطاعة: لقد تواترت النصوص بوجوب طاعة ولاة الأمور، ومن تلك النصوص قول الباري تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } (58)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة"(59). وقال عليه الصلاة والسلام: "تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك "(60)، والنصوص خلاف ما سلف متعددة ومتواترة بوجوب السمع والطاعة (61). ـ وقد يناقش هذا الدليل: بأنّ السمع والطاعة الواجبة لولي الأمر مقيدة بغير معصية الله يدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا طاعة في معصية الله"(62)، والتأمين معصية لاشتماله على الربا والغرر والقمار. ـ وأجيب عليه: بأنّ حكم التأمين مختلف فيه، إذ من العلماء من قال بجوازه واستدل لذلك بأدلة متعددة، وبالتالي فهو ليس معصية عنده بل هو مباح، بل قد يصل درجة الوجوب عند الحاجة إليه، خاصة في مثل التأمين ضد الغير، ومن يراجع الجهات الحقوقية يجد أنّ كثيراً من الناس قد ضاعت حقوقهم بسبب المماطلة أو الإعسار. الدليل الثاني: قاعدة (حكم الحاكم يرفع الخلاف)(63). قضاء القاضي في المسائل الخلافية التي ليس فيها دليل قاطع يجعل ذلك الحكم الذي قضى به متعيناً، وبما أنّ هذه المسألة ليس فيها دليل قاطع فإنّ إلزام الحاكم يوجب العمل بها (64). الدليل الثالث: الأخذ بالتدابير الاحترازية. ذلك أنّه من المعروف أنّ الإسلام إذا نهى عن أمر فإنّه يحذر من كل السبل الموصلة إليه، مثال ذلك تحريم الزنا، فإنّه لما حُرّم نهى الإسلام عن الخلوة بالمرأة الأجنبية، كما نهى عن سفر المرأة لوحدها إلا مع ذي محرم، ومنع المرأة أن تظهر زينتها إلا لمحارمها، كذلك في التأمين ضد الغير فإنّ الشركات المؤمِّنة سوف تقوم بإعداد الدراسات والإرشادات التي من شأنها التقليل من الحوادث المرورية، كما أنّه يضمن حقوق المعتدى عليهم المالية فوجب الالتزام بهذا الأمر. الدليل الرابع: قاعدة (ارتكاب أهون الضررين)(65). فعند تطبيق هذا النظام فإنّ حال المكلف لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يدفع قسط التأمين. الثاني: وإما أن يُعّدَ مخالفاً للنظام مع وقوع العقوبة التعزيرية على المتهرب. ولا شك أنّ الأول أهون ضرراً، فوجب عليه درء المفسدة الأعلى. فإن قيل: العقود يشترط لها الرضا والمكره لا يلزمه عقد. أجيب: بأنّ الإكراه متى كان سائغاً في الشريعة فإنّه لا يؤثر على صحة العقود (66). حكم أخذ عوض التأمين: إذا استحق المسلم عوض التأمين فلا يخلو حالـه من أحد أمرين (67): الأول: أن يكون مجتهداً يرى جواز ذلك التأمين، أو مقلداً لمن يرى جوازه فحينئذٍ يستحق العوض المرتب على التأمين، ولا حرج عليه في دفع شركة التأمين أرش التلف الحاصل بفعله؛ لأنّ المكلف متعبد بالعمل باجتهاده إن كان مجتهداً، وبسؤال العلماء إن كان مقلداً. الثاني: أن يكون مجتهداً يرى عدم جواز التأمين، أو مقلداً لمن يرى عدم جوازه فحينئذٍ يجوز لـه أخذ الأقساط التي دفعها، والأقساط التي دفعها المعتدي أو المفرط بلا إشكال، فأما ما زاد عن ذلك فيحتمل الوجهين، أحدهما الجواز والثاني المنع؛ لأنّ القاضي إذا حكم بحكم لشخص، وكان ذلك المحكوم لـه يرى أنّه لا حق لـه فيما قضى به القاضي، فإنّه لا يخلو من ثلاثة أحوال: الحال الأول: إذا كان قضاء القاضي يخالف دليلاً قاطعاً، فحينئذٍ لا يجوز للمحكوم لـه أن يأخذ ما قضى به القاضي متى علم المحكوم لـه بمخالفته للدليل القاطع. الحال الثاني: إذا كان حكم القاضي مبنياً على ما يخالف رأي المحكوم لـه في الوصف الذي يعلق الحكم عليه (تحقيق مناط الحكم) مثل أن يبني القاضي حكمه على شهادة شهود يغلب على ظن المحكوم لـه كذبهم، فحينئذٍ لا يجوز لـه أخذ ما حكم به القاضي لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إنكم تُختصمون إليّ فلعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي لـه على نحو مما اسمع فمن قضيت لـه حق أخيه فلا يأخذه فإنّما أقطع لـه قطعة من النار"(68). الحال الثالث: إذا كان اجتهاد القاضي يخالف اجتهاد المحكوم لـه في ذات الحكم في مسألة أدلتها ظنية، كأن يرى القاضي شفعة الجوار والمحكوم لـه لا يرى صحتها، فهل لـه أن يأخذ ذلك المحكوم به إذا حكم به القاضي؟ ومسألتنا من هذا النوع، وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: لا يجوز لـه ذلك. القول الثاني: يجوز لـه ذلك. والذي يظهر رجحانه -والله أعلم -هو القول الثاني؛ لأنّه لو حكم عليه بالدفع للزمه فكذلك إذا حكم القاضي له جاز الأخذ، إذ الغنم بالغرم. على أنّ مسألة تسديّد شركة التأمين عنه عند وجوب ضمان التل عليه أخف؛ لأنّ الشركة تدفع المال الواجب بطيب نفس، ومستحق الضمان لا يفرق بين أخذ الأرش من الشركة أو من الذي حصل الحادث بسببه. هذا وأسأل الباري العظيم أن يُرِى المسلمين الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، وأن يريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. ----------------------------- 1. المبسوط، للسرخسي، 8/82، دار المعرفة، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني، 4/171، دار الكتب العلمية. 2. نظام التأمين، الزرقاء، ص28ـ 30، و ص57ـ 58، التأمين، هيئة كبار العلماء، ص288، التأمين، د/ الثنيان، ص181ـ 182، التأمين، د/ عليان، ص159، التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص110ـ 111. 3. التأمين، هيئة كبار العلماء، ص289ـ 290، التأمين، د/ الثنيان، ص182ـ 183، التأمين، د/ عليان، ص159ـ 162. 4. سورة البقرة، آية: 29. 5. نظام التأمين، الزرقاء، ص33ـ 34، التأمين، د/ الثنيان، ص157، التأمين الإسلامي، أ. د/ القره داغي، ص179ـ 180، التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص111. 6. انظر ص 107ـ 111 من هذا البحث. 7. التأمين، د/ الثنيان، ص157ـ 158. 8. مجمع الضمانات، للبغدادي، ص 157، دار الكتاب الإسلامي، مجمع الأنهار في شرح ملتقى الأبحر، عبدالرحمن زاده دار إحياء التراث العربي، رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين، 4/171. 9. نظام التأمين، الزرقاء، ص58، التأمين، هيئة كبار العلماء، ص293، التأمين، د/ الثنيان، ص158ـ 161، التأمين الإسلامي، أ. د/ القره داغي، ص181. 10. التأمين، د/ الثنيان، ص161. 11. المرجع السابق، ص162. 12. التأمين، هيئة كبار العلماء، ص294. 13. المرجع السابق. 14. التأمين، هيئة كبار العلماء، ص294. 15. انظر ص 107ـ 121 من هذا البحث. 16. انظر ص 121ـ 127 من هذا البحث. 17. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشركة، حديث رقم 2354، ومسلم في صحيحه، في فضائل الصحابة، حديث رقم 2500. 18. التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص114. 19. المرجع السابق، ص113. 20. المرجع السابق. 21. أحكام عقود التأمين ومكانها في شريعة الدين، د/ عبدالله آل محمود، ص59 ـ 62. 22. انظر ص 124ـ 125 من هذا البحث. 23. أحكام عقود التأمين، د/ آل محمود، ص62. 24. انظر ص 135ـ 140 من هذا البحث. 25. أحكام عقود التأمين، د/ آل محمود، ص63. 26. التأمين، د/ الثنيان، ص196. 27. المرجع السابق. 28. التأمين، د/ الثنيان، 196. 29. أحكام عقود التأمين، د/ آل محمود، ص65ـ 67. 30. أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الأحكام عن رسول الله، حديث رقم 1352، وأبو داود، كتاب الأقضية، حديث رقم 3594، وابن ماجة، في كتاب الأحكام حديث رقم 2353، وابن حبان في صحيحه، في ذكر الإخبار عن جواز الصلح بين المسلمين، حديث رقم 5091، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال عنه الألباني: حسن صحيح. 31. أحكام عقود التأمين، د/ آل محمود، ص72. 32. التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص112. 33. شرح الكوكب المنير، لابن النجار، 4/659، ت: د/ محمد الزحيلي ود/ نزيه حماد، طبعة عام 1413هـ، مكتبة العبيكان، الأشباه والنظائر، للسيوطي، ص139،. 34. التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص112. 35. أخرجه الترمذي في سننه، كتاب البيوع عن رسول الله، حديث رقم 1211، والنسائي، كتاب البيوع، حديث رقم 4447، وأبوداود، كتاب البيوع، حديث رقم 2956، قال أبوعيسى: هذا حديث حسن غريب. 36. قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الأولى المنعقدة في 10 شعبان عام 1398هـ بمكة المكرمة. 37. التأمين البري، د/ العطير، ص264. 38. التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص115ـ 118. 39. سورة الزمر، آية: 55. 40. الأشباه والنظائر، السيوطي، ص158. 41. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، حديث رقم 853، ومسلم في صحيحه. كتاب الإمارة، حديث رقم 1829. 42. سورة الأنعام، آية: 108. 43. المتقى شرح الموطأ، 6/47، سليمان بن خلف الباجي، دار الكتاب الإسلامي، بدون سنة طباعة. 44. عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم الأموي القرشي، أبوحفص، الخليفة الصالح، والملك العادل، وقيل عنه: خامس الخلفاء الراشدين وهو من ملوك الدولة الأموية، ولد سنة 61هـ بالمدينة، ونشأ بها، ولي الخلافة سنة 99هـ، وسكن الناس بأيامه، ولم تطل مدته، حيث ولي الخلافة سنتان ونصف، قيل: دس لـه السم وهو بدير سمعان، فتوفي بها سنة 101هـ. (تهذيب سير أعلام النبلاء 1/178). 45. الإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام، محمد بن أحمد الفاسي، 2/235، دار المعرفة، بدون سنة طباعة. 46. سبقت ترجمتها ص62. 47. ويقصد به حجر إسماعيل. 48. ويراد به البيت الحرام (الكعبة). 49. أخرجه البخاري في صحيحه، باب ما يجوز من اللو، حديث رقم 1507، ومسلم، في كتاب الحج، حديث رقم 2374. 50. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الشروط، حديث رقم 2529. 51. سورة آل عمران، آية: 37. 52. سورة آل عمران: آية: 40. 53. سورة آل عمران، آية: 59. 54. سورة البقرة، آية: 106. 55. سورة البقرة، آية: 115. 56. سورة البقرة، آية: 125. 57. هذا الدليل ذكره فضيلة الشيخ. د/ يوسف الشبيلي في أحد اللقاءات التلفازية معه،على قناة CNBC العربية، بتاريخ 15/8/1426هـ. 58. سورة النساء، آية: 59. 59. أخرجه البخاري في صحيحه، باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، حديث رقم 6723. 60. أخرجه مسلم في صحيحه، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، حديث رقم 1847. 61. التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص119. 62. أخرجه مسلم في صحيحه، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، حديث رقم 1840. 63. تحفة المحتاج في شرح المنهاج، لابن حجر الهيثمي، 2/420، دار إحياء التراث العربي، غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، للحموي، 3/114، دار الكتب العلمية، مطالب أولى النهى في شرح غاية المنتهى، للرحيباني، 6/392، المكتب الإسلامي. 64. التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص120. 65. الأشباه والنظائر، للسيوطي، 116ـ 117. 66. التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص120. 67. التأمين على الرخصة، د/ الشثري، ص121ـ 122. 68. أخرجه البخاري في صحيحه، باب من أقام البينة بعد اليمين، حديث رقم: 2534، ومسلم، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، حديث رقم 1713.