رؤية أعمق لا تصرف أحمق!... قراءة في "ثورة" 17 يونيو
27 جمادى الثانية 1432
قمراء السبيعي

تقول البريطانية تانيا هوسو :"  كنتُ أقضي في قيادة سيارتي  في أمريكا  مايقارب الساعتين يومياً  أقوم خلالها بإيصال الأطفال إلى المدرسة وإعادتهم بعدها ، فقد كانت  سعادة لي ألا يتكرر ذلك في الرياض ! ، ففي الليالي المظلمة لن يصيب المرأة السعودية القلق من مهاجمة أحد وهي في طريقها إلى السيارة ، والأهم من ذلك  كله الأخذ  في الحسبان اهتمام  الإسلام بحماية المرأة ،  فهل يخاطر أي أحد بإلقاء المرأة لوحدها  في الشارع ؟ ،  فالأسطورة الغربية تقول:" إنَّ النساء السعوديات مضطهدات ، ويخضعن للهيمنة الذكورية " ، وقد دهشتُ أشد الدهشة كيف استمر هذا المفهوم الغربي غير الدقيق عن المرأة ، لقد آن للسعوديين أن يشرحوا للعالم مدى احترامهم للمرأة وكيف أن الأسرة لها الأولوية " (المرأة السعودية رؤى عالمية ، 1429هـ   ) .
 

 

آثرتُ الاستشهاد بهذه التجربة النسائية الغربية المنصفة ، و غير المؤدلجة ! ، هذه المرأة الغربية عاشت الواقعين مابين قيادة السيارة وعدمها ،  فاختارت عدم قيادتها  وكانت سعيدة لذلك ،  موضحةً كيفية احترامنا للتكوين الأسري بحجر زاويته المرأة السعودية  ،  في حين أننا رأينا بعض أبناء بلدنا يحاول تكريس تلك الأسطورة الغربية لتي استشهدتْ بها " تانيا هوسو "  أعلاه  عن صورة المرأة السعودية في الغرب ، إضافةً إلى حصره لحقوق المرأة في قيادتها للسيارة ! ، ولكن هل القضية تتمثل في مطالبة لحقوق المرأة  فقط ؟! ،   أم أنَّها ستار لما هو أكبر من ذلك بكثير  ، وامتداد لثورات سابقة حاولت عبثاً أن تهدد أمننا " كثورة حنين " ؟! 

 

 
و أذكر في هذا الشأن  ماتناقلته وسائل الإعلام  من ظهور لبرقيات دبلوماسية أمريكية سربها موقع ويكيليكس ، تفيد بأن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قد مارست ضغوطاً على الحكومة السعودية للسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة  ، ووصفت المملكة العربية السعودية بأنها "أكبر سجن للنساء في العالم "  ، ونسبت عبارة "أكبر سجن" إلى الناشطة السعودية وجيهة الحويدر التي كان الدبلوماسيون الأميركيون في الرياض على اتصال بها ! ( الجزيرة نت ، 25/6/1432هـ ).
 

 

وقد صرحت قناة " العالم " الإيرانية أنَّ يوم ( 17 )  يونيو الموافق 15 / رجب ، يوافق يوماً مقدساً لديهم  ، ووصفته بأنه يوم لتحرير المرأة السعودية من السلطة الوهابية ! ( 21/ 6/ 1432هـ  ) .

 

أما صحيفة " نيويورك تايمز " فقد نشرتْ في تغطية  لها عن القضية : " التغييرات التي تجتاح العالم العربي تعد لحظة مناسبة للمرأة  لأخذ زمام المبادرة ! ولكن الحكومة السعودية تحركت بسرعة لإخماد حركة الاحتجاج في مهدها عن نساء يطالبن بحق قيادة حملة مستوحاة من الانتفاضات في مختلف أنحاء العالم العربي تطالب بالحريات الجديدة  ، والحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات هو علامة على أنَّ الحكومة لا تزال صامدة في وجه الهجمة الغربية على التقاليد السعودية  !(  23 / مايو / 2011م  ) .
 

 

وقد حجبت إدارة شبكة التواصل الاجتماعي " الفيس بوك " صفحة حملة " أبي حقوق .. ما أبي أسوق " ،  التي قامت عليها مجموعة من المثقفات السعوديات معلنات رفضهن لقيادة المرأة للسيارة  ، ومطالبات  بإنشاء شبكة النقل العام  ، وذلك في أول يوم من تدشين الصفحة  ! ( صحيفة سبق الالكترونية ، 26 / مايو / 2011م ) .

 

 
أما منظمة  " هيومن رايتس ووتش "  فقد أدانت القرار ضد قيادة النساء للسيارات في 17 يونيو ،  مؤكدة أنه ينتهك التزامات السعودية بموجب القانون الدولي ، ولا سيما المادة (  2 ) من اتفاقية إلغاء كافة مظاهر التمييز ضد المرأة (سيداو) ، التي صادقت  المملكة العربية السعودية في عام 2000 م ! ، وأنَّ المادة (15 - 4) من الاتفاقية تلزم الدول بالمساواة  بين الرجل والمرأة  في ذات  الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص ! (23/ مايو / 2011م )

 

 
وقد نشرتْ صحيفة " الإندبنت " خبراً بعنوان : اعتقلت إمرأة سعودية بعد تحديها لقانون حظر القيادة  ، مؤكدة أنَّ النساء السعوديات المطالبات بالقيادة شنوا حملات ضغط على الحكومة ! (23/ مايو / 2011م   )

 

 
أما " منظمة العفو الدولية "  فقد حثت على الإفراج عن منال الشريف ، وقال مالكوم سمارت - مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية - : "تواجه النساء في المملكة العربية السعودية التمييز الشديد بسبب نوعهن الاجتماعي ! ، والحظر المفروض على قيادتهن السيارة يعد جانباً من القيود المفروضة على حرية تنقلهن  ،  ولم يبقَ خيار أمام الناشطات النسائيات سوى اللجوء إلى تحدي القيود ! ( 24 / مايو / 2011م )

 

 
هذا بالإضافة إلى عدد من الوكالات الإخبارية العالمية  التي أفردت مساحة واسعة لتغطية القضية ، كوكالة " فرانس برس"  ،  " بي بي سي "  ، أسوشيتد برس ،  " سي إن إن " ، شبكة "بلومبرغ" الأمريكية ، وغيرها الكثير ،  مما يدل على أنَّ هذه المطالبات بقيادة المرأة للسيارة  - في هذا الوقت  المصاحب للأحداث السياسية حولنا في المنطقة -  إنما هو محاولة لإشعال الفتنة من الداخل ، ومحاولة عبثية لإحداث انشقاق في صف الوطن ، وعلى الذين خُدعوا بالمطالبات الخاصة بقيادة المرأة للسيارة أن يبادروا إلى رفضها في هذا الوقت ، انطلاقاً من المصلحة الوطنية الكبرى ،  لاسيما أنهم تغنوا بالوطنية مراراً ،  عبر مقالاتهم ، ومنابرهم الإعلامية المتعددة ، ووزعوا  صكوكاً حصرية لها على من يرغبون ! ، فهذا وقت إثبات وطنيتهم ، فأين هي ؟!

 

 
 ولو نظرنا من زاوية أخرى ،  فالقضية ليست في قيادة المرأة للسيارة ، بل المشكلة الرئيسة   تتمثل في ( تنقل المرأة) ، وقيادتها حل مطروح لتلك المشكلة ،  ولكن ! هل هذا الحل يعد آمناً للمرأة ، ويحل مشكلات تنقلها فعلاً ؟!

 

 
في هذا الشأن أذكر  دراسة بريطانية طبقت على  عينة من النساء السائقات توصلت إلى أنّ ( 58 % )  منهن يتوفين قبل الأربعين ، و ( 60% )  منهن يصبن بأمراض نفسية ،  وقالت الدراسة  : أنّ قيادة المرأة لا تليق ولا تتناسب معها (سياقة المرأة تقصر العمر ، صحيفة عكاظ ،  3 / يناير / 2008م ) ،  ولو انتقلنا إلى دول الخليج وهي الأقرب لنا ثقافة ، وتكويناً ، ظهرت لديهم مشكلات كثيرة  نتيجة القيادة ، وعلى رأسها الطلاق ، والتفكك الأسري ، والأبناء غير الشرعيين  ،  ومن ذلك  دراسة أجريت في الإمارات  أكدت على أنَّ نسبة الطلاق ارتفعت بعد قيادة المرأة للسيارة إلى ( 60% ) ، وذلك نتيجة لشعور المرأة بعدم حاجتها إلى الرجل ، وهذا نمط خطير لعولمة الأسرة ( الاستشاري كمال الصبحي ، قيادة المرأة للسيارة في السعودية – دراسة تحليلية - ) ، وبالنظر إلى نسبة الطلاق لدينا في السعودية  فقد ارتفعت من ( 19 % )  عام 1422هـ ، إلى ( 35 %) عام 1428هـ  ،   هذا والمرأة السعودية لم تقود بعد ؟!
 

 

بل وبحسب بعض الإحصاءات ، فالسعودية الدولة الأولى عربياً  وعالمياً في تسجيل  أعلى نسبة وفيات في حوادث الطرق ، وذلك بحسب  تقرير منظمة الصحة العالمية (صحيفة الاقتصادية ، 8/1/ 1432 هـ) ،  وقد أكد تقرير الإدارة العامة للمرور أنَّ المملكة تفقد يومياً (17 ) شخصاً نتيجة للحوادث المرورية، مضيفاً أنّ معظم الحوادث تقع وقت النهار بنسبة (%62,04) (صحيفة الاقتصادية، 27/4/2010م ) .

 

 
و أطرح هنا تساؤلي بعد لغة الأرقام أعلاه  :  هل من المنطق أن نضيف ضحايا جدد على الحوادث المرورية  لدينا ؟! ، ولماذا تتجاهل الحلول الأكثر أماناً وسلامة للمرأة كالنقل العام ؟! إضافة إلى فوائده الاقتصادية التي أثبتتها عدد من الدراسات كدراسة النقل العام في أمريكا  ( صحيفة الرياض ، 4/6/1430 هـ ) ، والدراسة  السويسرية  التي أشار لها  مدير دائرة النقل في أبو ظبي (الهاملي 24 /8/2008م  ) ،  ومن تلك الفوائد :  "  تقليل الازدحام المروري ، وتقليل أعداد الحوادث المرورية ، و خدمة ذوي الدخل المحدود ، وتقليل التلوث البيئي، وزيادة الإنتاجية في العمل " .

 

 
وختاماً : من التفاؤل في قضية قيادة المرأة للسيارة أنها  لفتت انتباه الرأي العام إلى بدائل أكثر أماناً ، وسلامة للمرأة تنطلق من دراسات علمية وتجارب واقعية أثبتت نجاحها ، وكشفت للمخدوعين بها أنَّ هناك خيوطاً خفية لمن يحركها ويقف وراءها  ، وسقطت شعاراتها الرنانة المتدثرة بحقوق المرأة ،  والمتحدية للنظام الصريح من خلال تصرفات حمقاء !

 

 
* كاتبة وأكاديمية سعودية
[email protected]