حكم تسعير السلع
3 رجب 1432
د. نايف بن جمعان الجريدان

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،أما بعد:
فإن الشريعة الإسلامية الغراء جاءت بما يحقق مصالح العباد، وكانت أحكامها شاملة لكل نواحي الحياة، ولا تخص جانباً دون آخر، ومن هذه الجوانب التي عالجتها الشريعة ما يتصل بمعاملات الناس، فشرع التجارة ورغَّب فيها لما لها من آثار عظيمة تعود على الفرد والجماعة، وجعل لها أحكاماً وضوابط، وأمر التاجر أن يراقب الله -عز وجل- في بيعه وشرائه؛ لأن التاجر ما هو إلا فرد من أفراد المجتمع وعضو من أعضائه. وكان عليه  توفير السلع التي يحتاج إليها الناس بالسعر الذي يخفف على الناس متاعبهم ويحقق لهم مطالبهم من غير إضرار بهم، وإيقاع الظلم عليهم.
وتكمن أهمية موضوع (التسعير) في كونه من المواضيع الحيوية التي لعبت دوراً كبيراً في الآونة الأخيرة عند حدوث الأزمة المالية في نهاية عام 2008م،إضافة لعلاقته المباشرة في معاملات الناس التجارية وتأثيرها على اقتصاد البلاد. وهو أيضاً يبرز موقف الفقهاء من حركة الأسعار في الأسواق ودورهم في الكشف عن قوانين علم الاقتصاد،وإدارة الأحكام الفقهية عليها.
والتسعير يعد مبدءًا مهماً من مبادئ النظام الاقتصادي في الإسلام، ويكشف لنا عن خصوبة الفقه الإسلامي وصلة أحكامه بالحياة.
ثم بمعرفة حكم التسعير يظهر لنا جلياً موقف الفقه الإسلامي من الحرية الاقتصادية؛ لأن التسعير على مذهب من يقول به سلطة بيد الحاكم للحد من تصرفات التجار المخالفة لأحكام الشريعة.
وهذه الأسطر إنما هي إطلالة أُطل بها على موقعنا موقع الملتقى الفقهي لإظهار وإبراز أهمية هذا الموضوع، وسيرتكز الكلام فيه من خلال عنصرين اثنين:
الأول: حقيقة التسعير، وفيه تعريف التسعير في اللغة، واصطلاح الفقهاء، مع بيان التعريف المراد بحثه.
الثاني: ذكر حالات التسعير وحكم التسعير فيها مع ذكر أقوال أهل العلم وأدلتهم في ذلك، ثم بيان القول الراجح في هذه الحالات.
أولاً:حقيقة التسعير
التسعير لغة: يقال:سعَّر النار والحرب:يسعرها وأسعرها،وسعرها بمعنى:هيجها وألهبها، ومنه قوله تعالى:{وإذا الجحيم سُعرت}(التكوير:12)،وقوله:{وكفى بجهنم سعيرا} (النساء:55)، ويقال سعر السلعة أي جعل لها ثمناً وحدد لها سعراً، وسعرت الشيء تسعيرا:جعلت له سعرا معلوما ينتهي إليه، وسعروا تسعيرا:اتفقوا على السعر ،والسعر:الذي يقوم عليه الثمن[1]،وسعر السوق: الحالة التي يمكن أن نشتري بها الوحدة وما شابهها في وقت ما، وسعر الصرف:سعر السوق بالنسبة للنقود[2].
التسعير في الاصطلاح:
وردت عدة تعاريف للتسعير عند الفقهاء بألفاظ مختلفة للدلالة على معناه وفيما يلي بعض النصوص من كلام الفقهاء في تعريف التسعير :
عرفه الباجي من المالكية بقوله:"هو أن يحدد لأهل السوق سعر ليبيعوا عليه فلا يتجاوزونه"[3].
وعند الشافعية:"أن يأمر الوالي السوقة أن لا يبيعوا أمتعتهم إلا بكذا "[4].
وعرفه الشوكاني بقوله:"أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولي من أمور المسلمين أمراً أهل السوق ألا يبيعوا أمتعتهم إلا بسعر كذا،فمنعوا من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة"[5].
وعرفه البهوتي من الحنابلة بقوله :"وهو منع الناس البيع بزيادة على ثمن يقدره"[6].
وتدل هذه التعريفات في مجموعها:أن التسعير سياسة شرعية بيد ولي الأمر أو من يقوم مقامه عند توفر دواعيه لمصلحة العامة، وبالنظر إلى هذه التعريفات كذلك يمكن الخروج بالتصور التالي :
أولاً: أن تقدير الثمن لابد أن يكون ممن يملك سلطة التقدير، كالحاكم أو من يقوم مقامه في مثل هذا الشأن.
ثانياً: أن تقدير السلع يجب أن يكون تقديراً عادلاً ليس فيه إجحاف بالمنتج أو المستهلك وإلا كان نوعاً من الظلم.
ثالثاً: أن تقدير السلع يجب أن يكون ملزماً لجميع الناس بلا استثناء من غير زيادة أو نقصان عن السعر المحدد.
ونخرج إلى أن تعاريف الفقهاء للتسعير دارت حول معنيين:
الأول: أن الله هو الذي يرخص الأشياء ويغليها، فلا اعتراض لأحد عليه[7]، فيكون معناه: أن التسعير هو توزيع الله سبحانه وتعالى للرزق على العباد بما يقدره من قحط أو رخاء، وما يترتب على ذلك من رخص أو غلاء السلع.
الثاني: تدخل ولي الأمر لتقدير سعر السلعة أو الخدمة بما يحقق المصلحة.
وهذا المعنى المراد من كتابة هذه الرسالة .
ثانيًا: حالات التسعير وأحكامها
بعد الاطلاع على ما كُتب في التسعير يمكن القول أن التسعير له حالتان:
الحالة الأولى
التسعير في الأحوال العادية التي لا غلاء فيها
فقد ذهب جمهور العلماء من الحنفية[8]، والمالكية[9]، والشافعية[10]، والحنابلة[11] إلى أن الأصل عدم جواز التسعير في هذه الحالة، لما يأتي من الأدلة:
1.    قول الله سبحانه وتعالى:{... إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ...}(النساء:29)[12].وجه الدلالة:أن الله تعالى جعل التراضي شرطًا لإباحة التجارات،والتسعير في الأحوال العادية التي لا غلاء فيها يفوت ذلك، إذ إنه يتضمن إلزام أصحاب السلع والخدمات أن يبيعوا بما لا يرضون[13].
2.    قول النبي النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما البيع عن تراض"[14].
3.    قول النبي النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفس منه"[15].
وجه الدلالة:أن التسعير يتضمن أخذ الأموال من غير طيب نفس من أصحابها فتدخل في عموم ما نهى عنه الرسول النبي صلى الله عليه وسلم [16].
4.    ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:غلا السعر على عهد رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا:يا رسول الله سعِّر لنا.فقال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله هو المُسَعِّر، القابض، الباسط، الرزاق، وإني لأرجو أن ألقى ربي، وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال"[17].
وجه الدلالة:أن النبي صلى الله عليه وسلم،امتنع من التسعير وجعله مظلمة يرجو ألا يلقى الله بها. ووجه الظلم في التسعير أن الناس مسلطون على أموالهم، والتسعير في الأحوال العادية التي لا غلاء فيها حجر عليهم، وإجبار لهم على ما لا يرضون وهذا ظلم لهم[18].
5.    أن التسعير في الأحوال العادية التي لا غلاء فيها قد يفضي إلى اختلال قانون العرض والطلب،فيحصل بذلك خلل في الأنشطة الاقتصادية.ومن أبرز ذلك غلاء الأسعار وارتفاعها؛لأن كثرة القيود على التجارة والاستثمار يُؤدي غالباً إلى صرف التجار والمستثمرين إلى أسواق أقل قيوداً، فيطلبون لسلعهم أسواقاً لا يكرهون فيها على البيع بغير ما يريدون،وهذا يُؤدي إلى قلة العرض فيرتفع السعر. وكذلك قد يحمل التسعير في الأحوال العادية التي لا غلاء فيها أصحاب السلع والخدمات إلى أن يمتنعوا من بيعها, بل يكتمونها فيطلبها المستهلكون فلا يجدونها إلا قليلاً, فيرفعون في ثمنها؛ ليصلوا إليها, فتغلو بذلك الأسعار.ويحصل الإضرار بالجانبين:جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم, وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه[19].
الحالة الثانية
التسعير في حالة الغلاء وارتفاع الأسعار
عندما بدأت الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار السلع شاهدنا التلاعب الظاهر البيَّن من أرباب السلع، فأنت تشتري السلعة بمبلغ معين، ثم تجده في المحل المجاور بمبلغ آخر أقل أو أكثر، وقد اختلف أهل العلم في حكم التسعير في هذه الحالة -في حالة الغلاء- وإلزام أهل التجارات وأرباب السلع والخدمات البيع بثمن معين إذا اقتضى ذلك مصلحة على قولين:
القول الأول:يجوز لولي الأمر والجهات ذات الاختصاص التسعير،وتحديد أسعار السلع والخدمات إذا اقتضى ذلك مصلحة العامة. وهذا هو مذهب الحنفية[20]، والمالكية[21]، ووجه عند الحنابلة[22].ومما استدلوا به ما يلي:
1.    حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من أعتق شِرْكاً له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد"[23].
وجه الدلالة:أن هذا الحديث يُعدُّ أصلاً في جواز إخراج الشيء من ملك صاحبه قهراً بثمنه, للمصلحة الراجحة.والمقصود:أنه إذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء عن ملك مالكه بعوض المثل؛ لمصلحة تكميل العتق,ولم يمكن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة, فكيف إذا كانت الحاجة بالناس إلى التملك أعظم, وهم إليها أحوج؟مثل حاجة المضطر إلى الطعام والشراب واللباس وغيره. وهذا الذي أمر به النبي رضي الله عنه- من تقويم الجميع قيمة المثل:هو حقيقة التسعير[24].
2.    قصة عمر بن الخطاب رضي الله عنه- مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه- حيث وجده يبيع الزبيب بالمدينة، فقال: كيف تبيع يا حاطب؟فقال:مُدَّينِ بدرهم.فقال:تبتاعون بأبوابنا وأفنيتنا وأسواقنا وتقطعون في رقابنا، ثم تبيعون كيف شئتم! بع صاعاً،و إلا فلا تبع في سوقنا[25]. وجه الدلالة:أن أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،لحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، بأن يبيع الصاع بدرهم نوع من التسعير، فهي سنة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويدخل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم:"فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ"[26].
3.    أن التسعير في حال الغلاء من الوسائل المهمة التي يستعين بها ولاة أمور المسلمين في تحقيق العدل وتحصيل المصالح العامة؛ ذلك أن إطلاق حرية التجارة دون تحديد للأسعار قد يفضي إلى الاحتكارطلبًا لارتفاع أكبر للأسعار[27]. قال ابن تيمية –رحمه الله-:"وإذا تضمن-أي: التسعير في حال الغلاء - العدل بين الناس مثل:إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل، فهو جائز; بل واجب[28].وإذا كان كذلك فإن الوسائل لها أحكام المقاصد.
القول الثاني:لا يجوز لولي الأمر،أو الجهات ذات الاختصاص التسعير،وتحديد أسعار السلع والخدمات، ولو اقتضى ذلك مصلحة عامة. وهذا هو مذهب الشافعية[29]، والحنابلة[30].ومما استدلوا به الأدلة التي تقدم ذكرها في أن الأصل عدم جواز التسعير.
المناقشات والردود:
بعض ما ورد من ردود على أدلة القول الثاني القائلون بعدم جواز التسعير حال غلاء الأسعار:
1.    استدلالهم على عدم جواز التسعير بأن التسعير يفوّت التراضي الذي جعله الله مبيحًا للتجارة،وأنه أخذ للأموال من غير طيب نفس من أصحابها...
يناقش:بأن الأصل في عقود المعاوضات أنها لا تجوز إلا بالتراضي كما دلت النصوص، إلا في مواضع استثناها الشارع، الجامع فيها أنه إكراه بحق. ومن ذلك أنه"يجوز الإكراه على البيع بحق في مواضع مثل:بيع المال لقضاء الدين الواجب والنفقة الواجبة،والإكراه على ألا يبيع إلا بثمن المثل لا يجوز إلا بحق ويجوز في مواضع; مثل:المضطر إلى طعام الغير ومثل: الغرّاس والبناء الذي في ملك الغير;فإن لرب الأرض أن يأخذه بقيمة المثل لا بأكثر.ونظائره كثيرة"[31].ومما يدل على ذلك أيضاً ما تقدم في أدلة من قال بالجواز من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم، قال:"من أعتق شِرْكاً له في عبد، فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوِّم العبد عليه قيمة عدل،فأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد.وكذلك قصة عمر رضي الله عنه مع حاطب ابن أبي بلتعة -رضي الله عنه. ولعل من استقرأ الشريعة تبين له أن المعاوضة إذا احتاج المسلمون إليها بلا ضرر يزيد على حاجة المسلمين وجبت، فأما عند عدم الحاجة ومع حاجة رب المال المكافية لحاجة المعتاض فرب المال أولى; فإن الضرر لا يزال بالضرر، والرجل أحق بماله من ولده ووالده والناس أجمعين[32].
2.    استدلالهم على عدم جواز التسعير بأن النبي- صلى الله عليه وسلم،امتنع من التسعير وجعله مظلمة...
يناقش:بأنه لا يصح الاستدلال بهذا على منع التسعير,وذلك أن"هذه قضية معينة ليست لفظاً عاماً"[33]،ومعلوم أن قضايا الأعيان[34] لا عموم لها ولا حجة فيها إلا في مثلها. وعليه فلا يصح الاستدلال بامتناع النبي- صلى الله عليه وسلم،من التسعير في هذه الحادثة على منعه مطلقاً،إذ يجوز أن يكون امتناعه من التسعير؛ لسبب اقتضاه أو لاستحسان رآه، ولعل النبي- صلى الله عليه وسلم،امتنع من التسعير وجعله مظلمة لما طلب منه؛ لأنه لم يمتنع أحد من بيع يجب عليه،أو أنه لم يطلب أحد في بيع يجب عليه أكثر من عوض المثل.فالأحاديث"ليس فيها أن أحداً امتنع من بيع يجب عليه أو عمل يجب عليه;أو طلب في ذلك أكثر من عوض المثل، ومعلوم أن الشيء إذا رغب الناس في المزايدة فيه،فإذا كان صاحبه قد بذله كما جرت به العادة، ولكن الناس تزايدوا فيه، فهنا لا يسعَّر عليهم،والمدينة إنما كان الطعام الذي يباع فيها غالباً من الجلب[35]; وقد يباع فيها شيء يزرع فيها; وإنما كان يزرع فيها الشعير;فلم يكن البائعون ولا المشترون ناساً معينين; ولم يكن هناك أحد يحتاج الناس إلى عينه أو إلى ماله; ليجبر على عمل أو على بيع...،وكان إكراه البائعين على أن لا يبيعوا سلعهم إلا بثمن معين إكراهاً بغير حق،وإذا لم يكن يجوز إكراههم على أصل البيع، فإكراههم على تقدير الثمن كذلك لا يجوز"[36]. فترك النبي –صلى الله عليه وسلم - التسعير لعدم الحاجة إليه، فما قاله النبي – صلى الله عليه وسلم، حق وما فعله حكم، والتسعير في تلك الحال من الحق.
3.    استدلالهم على عدم جواز التسعير بأن التسعير قد يفضي إلى غلاء الأسعار وارتفاعها بسبب اختلال قانون العرض والطلب...
يناقش:بأن الغاية من التسعير إقامة العدل ورفع الضرر عن البلاد والعباد، فإذا كان يترتب عليه مفاسد وظلم فإنه لا يجوز، قال ابن تيمية –رحمه الله-:"السعر منه ما هو ظلم لا يجوز، ومنه ما هو عدل جائز. فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم فهو حرام. وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل فهو جائز، بل واجب"[37].فكون التسعير قد يترتب عليه شيء من الظلم لا يسوّغ ذلك منعه بالكلية، بل الواجب تحري العدل في استعماله؛ لتحصيل المصالح المترتبة عليه. ولذلك ذكر العلماء أنه يجب في الشخص الذي يُسَعر أن يكون عن علم بأحوال الأسواق، وأن يُراعى في ذلك مصلحة جميع أصحاب السلع والخدمات والمستهلكين.
الخلاصة 
التسعير من حيث الأصل محرم لما فيه من الظلم، لكن ذكر أهل العلم أنه جائز إذا كان يتحقق به العدل بين الناس وتحصَّل به مصالحهم. ومن ذلك استعمال التسعير في معالجة آثار غلاء الأسعار، والسيطرة عليه, وتحقيق العدالة الاجتماعية بإنصاف الفئات الأكثر تضرراً.
فالتسعير يمنع ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية التي يقوم عليها معاش الناس. كما أن التسعير يعمل على طمأنة المستهلك من توالي ارتفاع المستوى العام للأسعار،فيحدُّ ذلك من الشراء الذي يستبق به الناس ارتفاع الأسعار مع عدم حاجتهم لتلك المشتريات.
وعودًا على بدء فإني أوصي نفسي وإخواني المسلمين في هذه الأزمة الاقتصادية -التي لا زالت تداعياتها إلى يومنا هذا- بما يلي:
•الواجب على المسلم في مثل هذه الظروف الالتجاء إلى الله، والرجوع إليه،والتوبة، والاستغفار،وسؤال الله تعالى الرحمة به، و أن يلطف بحاله.
•وأن يعلم المسلم أن معيار الغنى الحقيقي ليس هو كثرة المال ووفرته و إنما هو غنى النفس كما قال- صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس"[38].
كما علينا نشر الوعي بأهمية الاقتصاد في الاستهلاك و معرفة ما نحتاج و ما لا نحتاج.
•كما على تجّار المسلمين و من له يد في هذا الموضوع الرفق بالنّاس و إيجاد حل موائم لهم، ولا يحل للتجار أن يستغلوا هذه الموجة في ارتفاع الأسعار ليرفع أسعار بضاعتهم بدون مبرر، وللتجار أسوة بنبي الله يوسف عليه السلام  حينما تولّى خزائن مصر و رفق بالناس حتى كانوا يقصدونه من كل مكان.

___________________
[1] ينظر:لسان العرب،مادة (سعر) 6/266 ،227 ، المصباح المنير ص 105. وسعر السوق:الحالة التي يمكن أن نشتري بها الوحدة أو ما شابهها في وقت ما. وسعر الصرف:سعر السوق بالنسبة للنقود.المعجم الوسيط مادة (سعر) ص 430 .
[2]  المعجم الوسيط، مادة (سعّر)، ص (430).
[3] المنتقى 5/18،وجاء فيه أيضاً عن صفة التسعير:"وقال ابن حبيب:"ينبغي للإمام أن يجمع وجوه أهل سوق ذلك الشيء ويحضر غيرهم استظهاراً على صدقهم ، فيسألهم كيف يشترون ؟ وكيف يبيعون؟ فينازلهم إلى ما فيه لهم وللعامة سداد حتى يرضوا به".
[4] مغني المحتاج 2/38 .
[5] نيل الأوطار 5 /248 .
[6] شرح منتهى الإرادات 2 /159 .
[7] النهاية في غريب الأثر (2/368).
[8] بدائع الصنائع (5/129)، حاشية ابن عابدين (6/400).
[9] التاج والإكليل (4/380)، الكافي في فقه أهل المدينة (2/730).
[10] المجموع شرح المهذب (13/37)، الحاوي (5/405).
[11] شرح منتهى الإرادات (2/26)، المبدع شرح المقنع (3/386)
[12] الآية رقم (29)، من سورة النساء. 
[13] نيل الأوطار، (5/260).
[14] أخرجه ابن ماجه في كتاب التجارات، باب بيع الخيار، (2/737)، رقم (2185)، وصححه ابن حبان في صحيحه، في كتاب البيوع، باب البيع المنهي عنه (11/340)، رقم (4967)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
[15] أخرجه الإمام أحمد في مسنده، (5/113)، رقم (2119)، وابن حبان في صحيحه، في كتاب الرهن، باب الجنايات، (13/316)، رقم (5978)، من حديث عمرو بن يثربي رضي الله عنه، وصححه الألباني في مختصر إرواء الغليل، (1/286)، رقم (1459).
[16] ينظر:بدائع الصنائع (5/129).
[17] أخرجه أبو داود، في سننه، في كتاب الإجارة، باب في التسعير، (2/293)، رقم (3451)، والترمذي في سننه، في كتاب البيوع، باب ما جاء في التسعير (3/305)، رقم (1314)، وابن ماجه في سننه، في كتاب التجارات، باب من كره التسعير (2/714)، رقم (2200)، والإمام أحمد في مسنده (3/286)، رقم (14089)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (2/153)، رقم (2894).
[18] نيل الأوطار (3/604).
[19] المغني (6/312).
[20]بدائع الصنائع، (5/129)، حاشية ابن عابدين ، (6/400).
[21]التاج والإكليل ، (4/380)، الكافي في فقه أهل المدينة ، (2/730).
[22] المغني (6/312). 
[23] أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب العتق، باب إذا أعتق عبدا بين اثنين أو أمة بين الشركاء، (2/892)، رقم (2386)، ومسلم في صحيحه، في أول كتاب العتق، (2/1139)، رقم (1).
[24] مجموع فتاوى ابن تيمية، مرجع سابق (28/97).
[25] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في كتاب البيوع، باب هل يسعَّر؟ مرجع سابق (8/207)، رقم (14906). 
[26] أخرجه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، (2/610)، رقم (4607)، والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، (5/44)، رقم (2676)، وابن ماجه في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، (1/15)، رقم (42)، والإمام أحمد في مسنده (4/126)، رقم (17184)، وصححه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، حيث قال: " هذا حديث صحيح ليس له علة "، وذلك في كتاب العلم، (1/174)، كلهم أخرجوه من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. مراجع سابقة.
[27]ينظر: مجلة البحوث الفقهية، العدد (22)، ص (10).
[28]مجموع فتاوى ابن تيمية، (28/76). 
[29] المجموع شرح المهذب (13/37)، الحاوي (5/405).
[30]المغني (6/312)، شرح منتهى الإرادات (2/26)، المبدع شرح المقنع (3/386).
[31] مجموع فتاوى ابن تيمية، (28/77).  
[32]مجموع فتاوى ابن تيمية، (29/189). 
[33]المرجع السابق، (28/95). 
[34]قضايا الأعيان: هي وقائع وأحوال مجملة متشابهة تتطرق إليها الاحتمالات وليس فيها لفظ عام، فتخرج بذلك عن إفادة العموم. وهناك أحاديث نبوية كثيرة وردت فيها أحاديث أعيان. انظر: إعلام الموقعين، (2/360)، 
[35] الجَلَبُ: الذين يَجْلِبُون الإِبل والغنم للبيع. ويطلق على ما جُلِبَ من خيل وإبل ومتاع. فهو الذي يُجْلَبُ من بلد إلى غيره. انظر: لسان العرب، مادة (جلب)، (1/268).
[36]مجموع فتاوى ابن تيمية، (28/95-96). 
[37]مجموع فتاوى ابن تيمية ، (28/76).
[38] أخرجه البخاري، في صحيحه، في كتاب الرقاق،  باب الغنى غنى النفس، (5/2368)، رقم (6081)، ومسلم في صحيحه، في كتاب الزكاة، باب ليس الغني عن كثرة العرض، (2/726)، رقم (120)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.