أنت هنا

تعريف الرخصة لغة واصطلاحاً
2 شعبان 1432
اللجنة العلمية

ذكر في معجم مقاييس اللغة(1) بأن الراء والخاء والصاد أصل يدل على لين وخلاف شدة فالرخصة في الأمر خلاف التشديد فيه، ورخص له في الأمر: أذن له فيه بعد النهي، والاسم الرُّخصة.
ومن ذلك: رخُص السعر إذا سهل وتيسر، أو رخصه الله فهو رخيص ورخص الشارع لنا في كذا ترخيصاً وأرخص إرخاصاً: إذا يسره وسهله، وفي الحديث: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"(2).

 

وأما الرُّخَصَه – بفتح الخاء: فو الشخص الآخذ بالرخصة.
فالرُّخْصَةُ – في الجملة – تدل على سهولة ويسر ومسامحة وطراوة.
ومن هذا المعنى اللغوي أخذت الرخصة اصطلاحاً عند الأصوليين، لأنها تدل على كل معنى في الدين جنح فيه إلى التيسير والتسهيل والبعد عن العنت والتشديد(3).
والرخصة تطلق في اصطلاح علماء الأصول مقابل العزيمة فهما اسمان متقابلان متلازمان مفهوماً وعملاً.

 

ولاختلاف الأصوليين في تعريف العزيمة اختلفوا أيضاً في تعريف الرخصة على أقوال متعددة(4) وهي وإن اختلفت في ألفاظها وعباراتها إلا أنها تتفق تقريباً في معناها والمقصود منها والناظر فيها يتبين لها ما يلي:
أولاً: أنه لا بد للأخذ بالرخصة من دليل يدل عليها.
ثانياً: ولا بد من وجود العذر في المكلف حتى يستطيع به أن يعدل عن الحكم الأصلي الذي هو العزيمة إلى حكم الرخصة.
ثالثاً: أن أحكام الرخصة ليست هي الأحكام الأصلية بل هي أحكام وضعها الشارع للتخفيف عن المكلفين ولرفع الحرج والضيق عنهم وقد نص كثير من الأصوليين في تعريفاتهم على ذلك(5).
ولعل من أجمع التعاريف ما ذكره البيضاوي بقوله: "الحكم الثابت على خلاف الدليل لعذر"(6)، فقد توفرت فيه الأمور الثلاثة السابقة إضافة إلى كونه جامعاً مانعاً سالماً مما ورد على غيره من اعتراضات.
شرح التعريف وبيان محترزاته:
قوله: (حكم): جنس.
وقوله: (الثابت): فيه إشارة إلى ما سبق ذكره أولاً من أن الترخص لا بد له من دليل وإلا لزم ترك العمل بالدليل السالم عن المعارض، فنبه عليه بقوله: (الثابت)، لأنه لو لم يكن لدليل لم يكن ثابتاً بل الثابت غيره.
وقوله: (على خلاف الدليل): احترز به عما أباحه الله تعالى من الأكل والشرب وغيرهما فلا يسمى رخصة، إذ لم يثبت على المنع منه دليل، وأطلق المصنف الدليل ليشمل ما إذا كان الترخيص بجواز الفعل على خلاف الدليل المقتضي للتحريم كأكل الميتة وما إذا كان بجواز الترك، إما على جواز الفعل المقتضي للوجوب كجواز الفطر في السفر، وإما على خلاف الدليل المقتضي للندب، كترك الجماعة بعذر المطر والمرض ونحوهما فإنه رخصة بلا نزاع.

 

وقوله: (العذر): يعني المشقة، والحاجة، واحترز به عن شيئين:
الأول: الحكم الثابت بدليل راجح، على دليل آخر معارض له.
الثاني: التكاليف كلها فإنها أحكام ثابتة على خلاف الدليل ومع ذلك ليست برخصة لأنها لم تثبت لأجل المشقة، وإنما قلنا: إنها على خلاف الدليل لأن الأصل عدم التكاليف، والأصل من الأدلة الشرعية(7).
وبهذا يتبين وضوح هذا التعريف واشتماله على التخفيفات والرخص في الأحوال والظروف الطارئة من مرض وسفر وإكراه وضرورة وغير ذلك من الأعذار، ولو لم تكن شاقة(8).
والسياحة سفر كما تقدم، فكانت من الأعذار المبيحة للترخص.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لابن فارس، تحقيق عبد السلام هارون (2/500)، بتصرف.
(2) أخرجه أحمد في مسنده (2/108) عن ابن عمر، وقالا لهيثمي في المجمع (3/162): "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح والبزار والطبراني في الأوسط وإسناده حسن".
(3) ينظر: لسان العرب، لابن منظور (3/1616)، والقاموس المحيط، للفيروابادي (2/304)،المصباح المنير (1/223)، مختار الصحاح ص(150)، بتصرف.
(4) ينظر: كشف الأسرار للبخاري (2/299)، حاشيتا التفتازاني والجرجاني على مختصر ابن الحاجب (2/7)، الموافقات، للشاطبي (1/301).
(5) ينظر: الرخص الشرعية، للنملة (ص42)، بتصرف.
(6) شرح المنهاج للبيضاوي، للأصفهاني، تحقيق النملة (1/83).
(7) ينظر: الرخص الشرعية، للنملة ص(38-39) بتصرف.
(8) ينظر: الدرر البهية في الرخص الشرعية، للصلابي، ص36، بتصرف.