أنت هنا

حاجة البشر للسياحة
2 شعبان 1432
اللجنة العلمية

خلق الله الإنسان مدنياً بطبعه، خلقه وفيه دافع حب العيش مع الجماعة، فلا يمكن أن يعيش منعزلاً عن بني جنسه لا يخالطهم ولا يخالطونه فالله عز وجل جعل الناس بعضهم لبعض سخرياً.
وكل بني آدم لا تتحقق ولا تتم مصالحهم الدنيوية والأخروية إلا بالاجتماع والتعاون والتناصر على جلب منافعهم ودفع مضارهم، ولذا يقال: الإنسان مدني بالطبع.
وإذا اجتمع الناس فلا بد لهم من أمور يفعلونها يجتلبون بها المصلحة وأمور يجتنبونها لما فيها من المفسدة.

 

فمما يحتاجه البشر ويفعلونه لاجتلاب مصالحهم أو لدفع المفاسد عنهم: السياحة في أرض الله الواسعة(1).
والباعث عليها إما أمر دنيوي كالترفيه والتسلية والمال والجاه أو ديني من علم أو عمل والعلم إما علم ديني أو علم بأخلاق نفسه وصفاته على سبيل التجربة، أو علم بآيات الأرض وعجائبها، أو علم دنيوي مادي.
والعمل إما عبادة وإما زيارة، فالعبادة كالحج والعمرة، وقد تكون الزيارة أيضاً من القربات كما لو قصد بها مكة أو المدينة أو بيت المقدس(2).

 

وكون المطلوب الدنيوي هو الترويح عن لنفس، وطلب النزعة والمتعة، مما شاع في الآونة الأخيرة حتى صار أغلب بواعث السياحة من هذا القبيل نتيجة للتطور الصناعي والتقدم التكنولوجي في العصر الحديث والسياحة رغبة في الترويح والترفيه مما غرسه الله في الطبيعة البشرية(3)، وقد عمل استطلاع شمل 500 رب أسرة سعودي نتج عنه أنه حوالي 33% يرون في السفر والسياحة فرصة لتغيير المناخ والبعد عن رتابة الحياة اليومية، و26% يرونه وسيلة لاكتشاف مناطق جديدة والتعرف على ثقافات وحضارات أخرى(4).

 

وثمة حاجات أخرى للسياحة تتمثل في توطيد الألفة والمحبة بين القلوب وذلك من خلال الرحلات التي يقوم بها المربون في محاضن التعليم والتربية لأبنائهم الطلاب.
يقول الشيخ محمد بن عثيمين في الحث على هذا النوع من السياحة: "أحث الشباب على إقامة الزيارات فيما بينهم، حتى تتوطد الألفة والمحبة بين القلوب وعليهم أن يدرسوا أحوالهم وأحوال أمتهم، ليكونوا كقلب رجل واحد وما أعظم ثمرة الزيارات، وإذا قرنت برحلات قريبة أو بعيدة فإن لها أثراً كبيراً، وعلى المربين... قسط كبير من هذا التوجيه"(5).

 

ويؤكد الإمام الشافعي رحمه الله مسيس الحاجة إلى السياحة والسفر والترحال فيقول:
ما في المقام لذي عقل وذي لب
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه
إني رأيت وقوف الماء يفسده
والأسد لولا فراق الأرض ما افترست
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة
والتِبْرُ كالتذرْب ملقى في أماكنه
فإن تغرَّبَ هذا عَزَّ مطلبه
من راحة فدع الأوطان واغترب
وانصب فإن لذيذ العيش في النَّصبِ
إن ساح طاب وإن لم يجر لم يَطبِ
والسهم لولا فراق القوس لم يصبِ
لملها الناس من عجم ومن عربِ
والعود في أرضه نوع من الحطبِ
وإن تغرب ذاك عز كالذَهَبِ
(6)

 

 

وإذا كانت السياحة ظاهرة قديمة مرتبطة بما جبل الله البشر عليه من الاجتماع والمخالطة وتحصيل المصالح ودرء المفاسد، فقد تحولت من مجرد وسيلة لتحقيق رغبات الإنسان وحاجاته الأساسية إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية من أهدافها تحقيق المتعة والراحة والاستجمام، وأصبح ينظر إليها على أنها صناعة مركبة وهادفة إلى تحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي(7). وصارت الحاجة إليها ليست قاصرة على الأفراد فحسب بل وحتى الدول فإنها تحتاج إلى توجيه كافة الموارد المادية والبشرية لزيادة الإنتاج وتحقيق الاستقلال الاقتصادي للفرد والمجتمع ورفع مستوى الدخل وللسياحة أثر بالغ في ذلك(8).

 

فعندما يرتفع معدل السياحة بتزايد الدخل القومي وتتزايد العمالة ويرتفع مستوى الأفراد مادياً، ويتم القضاء على كثير من المشكلات خاصة البطالة، وعندما يتزايد الدخل القومي تنتعش الدولة وتؤتي التنمية الاقتصادية ثمارها(9).
وكثير من الدول في الوقت الحاضر تعتمد على السياحة في تحقيق أهم حاجاتها وأغراضها وأهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل وأحياناً الدينية.
والحاجة إلى السياحة في العصر الحاضر أشد، والدوافع لها أكثر فهي جزء أساسي من الحياة الاجتماعية المعاصرة والحاجة إليها تشمل الأفراد والدول.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ينظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد، (28/62)، بتصرف.
(2) ينظر: إحياء علوم الدين، للغزالي (2/244-245) بتصرف.
(3) ينظر: السياحة والتنزه البيئي في المملكة، إبراهيم الأحيدب، ص 5، بتصرف.
(4) ينظر: الإجازات فوائد، محاذير، عبر، لأحمد سالم دويلان، ص 115، بتصرف.
(5) فتاوى في الإجازة والرحلات، لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين، إعداد/ خالد أبو صالح، ص 7.
(6) ديوان الشافعي، ص 26.
(7) ينظر: مبادئ السياحة، نعيم الظاهر وسراب إلياس، ص 11، بتصرف.
(8) ينظر: التنمية السياحية في مصر والعالم العربي، فؤادة البكري، ص 45، بتصرف.
(9) المصدر السابق، بتصرف.