2 شعبان 1432

السؤال

بعض المسلمين يقوم بزيارة مدائن صالح لغرض السياحة والفُرجة، فهل لهم ذلك ؟

أجاب عنها:
د. عبد الله الجبرين رحمه الله

الجواب

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيجوز ذلك للعبرة والموعظة والتذكر، ولا تدخل بيوتهم إلا مع البكاء أو التباكي.
وقد روى ابن عمر قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : "لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين ثم قنع رأسه، وأسرع السير حتى جاز الوادي"، متفق عليه(1).
وعنه رضي الله عنه: "أن الناس نزلوا أرض ثمود فاستقوا من آبارها، وعجنوا به العجين، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا، ويعلفوا الإبل العجين، وأن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة" متفق عليه(2)، وهذا يدل على النهي عن دخول منازلهم على وجه الإعجاب والإكبار لهم، وحيث إن ثمود قد عصوا نبيهم (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (الأعراف: 78)، وحيث ذكر الله عنهم القوة في نحت الجبال بيوتًا، وأن بيوتهم لا تزال باقية، وفيها آثارهم، وما وصلوا إليه من الإمكانيات التي توصلوا إلى نحت هذه المساكن في الجبال، قبل وجود الكهرباء، والمعدات الثقيلة، والديناميت، والمتفجرات، وإنما نحتوها بالمقارع، والمسامير، والفئوس الحديدية، ومع ذلك دمر الله عليهم، وأهلكهم بالصيحة التي قطعت قلوبهم في أجوافهم، وما نجا إلا المؤمنون منهم، لقول الله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (هود: 66).
وقد بقيت آثارهم وديارهم المنحوتة في تلك الجبال، وهي بعض أعمالهم، وما أمدهم الله به، وحيث إن تلك البلاد نزل بها العذاب عليهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كره الدخول في منازلهم، وخاف من العذاب الذي نزل بهم، ونهى عن دخولها إلا مع الخوف والبكاء أو التباكي، وإظهار الحزن والفزع، مع أن الله تعالى أباح السير في الأرض للاعتبار، وقال عن ثمود: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا وقال تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا) (النمل: 52)، وقال تعالى: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (الصافات: 137، 138) وإذا كانت بيوتهم ومساكنهم موجودة، فإن زيارتها للاعتبار، والتفكر، والاتعاظ لا مانع منها، مع إظهار الخوف والرعب، والبعد عن التكذيب، والكفر الذي بسببه نزل بهم العذاب، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
_______________
(1) البخاري (4419)، ومسلم (2980).
(2) البخاري (3378)، ومسلم (2981).