أنت هنا

أقوال أهل العلم في حكم السياحة في بلاد غير المسلمين
2 شعبان 1432
اللجنة العلمية

وقد وجدت في هذه النازلة قولين للمعاصرين من أهل العلم:
القول الأول: تحريم السياحة في بلاد غير المسلمين بغرض النزهة والترفيه والاستطلاع وبه أفتت اللجنة الدائمة وابن باز وابن عثيمين وابن جبرين والفوزان وغيرهم(2).
القول الثاني: جواز ذلك بشرط الالتزام بترك المعاصي واجتناب المنكرات والمحافظة على الواجبات مع أمن الفتنة، وبه أفتت إدارة الإفتاء بوزارة الأوقاف بالكويت، و د. عجيل النشمي عميدكلية الشريعة فيها(3).
الأدلة:
استدل أصحاب القول الأول بأن السفر لبلاد الكفر لا يجوز إلا لمسوغ شرعي وقصد الفسحة والنزعة ليس بمسوغ شرعي لذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"(4).

 

وقوله: "لا يقبل الله من مشرك عملاً بعدما أسلم أو يفارق المشركين"(5). والمعنى: حتى يفارقهم.
ولأن إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمة متعذر وغير حاصل غالباً.
ثم إن في هذه السياحة إضاعة المال وهدر للأوقات دون مصلحة راجحة وهي سبب للموادة وإثراء أموال الكفار وإعزاز أوطانهم(6).
فهذه السياحة وسيلة إلى ارتكاب المحرم وترك الواجب وما أفضى إليهما فحكمه التحريم ومفاسدها راجحة على ما قد يتوهم من المصالح وضررها بيِّن ظاهر.
ومن أكبر أصول الدين وقواعده سد الذرائع والوسائل المفضية إلى المفاسد والمحرمات، ومن تأمل مصادر الشريعة ومواردها ومقاصدها علم ذلك.

 

وهذه السياحة يترتب عليها مخالطة العصاة والظالمين ومشاهدة منكراتهم و"لا ينبغي لأحد أن يقارنهم ولا يخالطهم إلا على وجه يسلم به من عذاب الله عز وجل وأقل ذلك أن يكون منكراً لظلمهم ماقتاً لهم شائناً ما هم فيه بحسب الإمكان.. وذلك أن مقارنة الفجار إنما يفعلها المؤمن في موضعين: أحدهما: أن يكون مكرهاً عليها، والثاني: أن يكون في ذلك مصلحة دينية راجحة على مفسدة المقارنة(7).
ولا شك أن مخالطة الكفار في السياحة ببلادهم للنزهة والترفيه مما ترجح مفسدته ويغلب ضرره.

 

لا سيما مع عدم الأمن من الفتنة بهم وبقهرهم وسلطانهم وشبهاتهم وزخرفتهم مما يؤدي إلى التأثر بفكرهم وفعلهم وقيمهم وعاداتهم وسلوكهم الشاذ المنحرف(8).
واستدل أصحاب القول الثاني: بأن الأصل في السفر الإباحة وما دام هذا السائح ملتزماً بالواجبات مجتنباً للمحرمات آمناً على دينه ونفسه وعرضه فإنه لا مانع من ذلك.
ويجاب: بأن هذا استدلال بمحل النزاع فالسلامة من الفتن والمحرمات في تلك البلاد أمر صعب المنال والواقع يشهد باستحالته فالفتن منتشرة ووسائل الشر متوفرة والشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وقواعد الشريعة ومقاصدها تمنع من هذه السياحة سداً للذرائع وحفاظاً على الضرورات الخمس ودفعاً للأضرار والمفاسد المتحققة وتعطيلاً لها وتكميلاً للمصالح، إلا إذا كانت هناك مصالح وأغراض.
ومن الأغراض المشروعة: طلب العلم والعلاج والتجارة والدعوة إلى الله وزيارة الأقليات الإسلامية فإذا كانت الحاجة إليها ضرورية جاز السفر لما تقدم، ووجب في الدعوة إذا لم يقم بها غيره(9).