5 رجب 1432

السؤال

فضيلة الشيخ: ما هي السياحة؟

أجاب عنها:
د. عبد الله الجبرين رحمه الله

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا معين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد: فهذه أجوبة تتعلق بالسياحة في الأرض، وما يُباح منها، وبيان الوصف الذي مدح الله به عباده المؤمنين، وذلك لما وقع فيه الناس هذه الأزمنة من كثرة التجول في أقطار الأرض، وما حصل من الخلق الكثير الذين أمضوا الكثير من الأزمان، وأفنوا أكثر الأعمار، وأنفقوا الأموال الطائلة باسم النزهة والترفيه والاطلاع، وقد عُلِم أن الله تعالى أمر بالسير في الأرض كما في قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (يوسف: من الآية109)، وقال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الأنعام:11)، وقال: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) (الحج: من الآية46)، وقال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (النمل:69)، وقال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (العنكبوت: من الآية20)، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (الروم: من الآية9) في سورة الروم وسورة فاطر، وقال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ) (الروم: من الآية42)، وقال: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (الروم: من الآية9) فالسير في هذه الآيات يُراد منه النظر في الآيات والآثار، ونهاية من قبلنا، وكيف كانت عاقبتهم، ففي ذلك عبرة وموعظة لمن فكر ونظر بقلبه، حيث يرى المساكن الدامرة، والقبور الداثرة، والعظام النخرة، ويرى تقلب الدنيا بأهلها، حيث قد ملكها من قبلنا، وتصرفوا فيها، وسيطروا على الخلق، وفتكوا وظلموا، وجاروا أو عدلوا، وأقسطوا، فكانت نهايتهم أخباراً وآثاراً، كما قال الشاعر:
تلك آثارنا تدل علينا *** فانظروا بعدنا إلى الآثار
وهكذا يستفيد من يسير في الأرض التفكر في عجائب المخلوقات، وغرائب الموجودات، ففي الأرض آيات للموقنين، حيث يشاهد اختلاف البقاع من الأرض، والجبال، والوهاد، والأودية، فتارة تجد أرضاً رملية وكثباً مرتفعة كالجبال، وتارة تسير في صحراء ترابية مستوية، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً، خالية من الجبال والرمال، والأودية، وتارة تقع على أرض صخرية فيها الجبال الرفيعة، والآكام، والظراب والحَرَّات، وتارة تعثر على أرض خصبة ذات أشجار وأزهار، ونبات مختلف الألوان.
وهكذا ما بث الله على الأرض من الدواب، والحشرات، والطيور، والوحوش، وأنواع الحيوانات، وهكذا سيرك في البحار الممتدة على وجه الأرض، وتنظر إلى تلاطم أمواجه، وزبدها، وما فيها من الحيوانات، والدواب، والمخلوقات التي لا يحصيها إلا الله تعالى، فمن سار في الأرض سائحاً لهذه المقاصد فإنه يرى العجب العجاب، ويرجع متأثراً مستفيداً عبرة وفكرة، ومواعظ، ودلالات على قدرة الله تعالى، وعجيب صنعه في خلقه.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.