17 رجب 1433

السؤال

هل السياحة بمعناها الحاضر مشروعة في الإسلام؟

أجاب عنها:
د. عبد الله الجبرين رحمه الله

الجواب

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
المعنى الحاضر للسياحة هو مجرد تجول، وتنقل في البلاد البعيدة، ويسمى نزهة وفرجة، وأرى أنه غير مشروع في الإسلام؛ بل قد يكون مكروهاً أو محرماً، وذلك لما يترتب عليه من المفاسد في الدين والدنيا.
(فأولاً): إضاعة الوقت الثمين،، وهو ثمرة العمر الذي تفضل به الرب تعالى على الإنسان، وذكره في خطاب أهل النار، بقوله تعالى: (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) (فاطر: من الآية37) فأخبر أنه قد أعطاهم أعماراً يمكنهم التذكر فيها، فمتى أضاعوها في غير فائدة فإنهم خاسرون، وسوف يسألون عنها في الآخرة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزول قدما عبد حتى يُسأل عن أربع، عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به" رواه الترمذي وصححه بمعناه(1)، وكان الواجب أن يشغل حياته ووقت فراغه في طلب العلم المفيد؛ في العقائد، والأحكام، والآداب، وفي الذكر والشكر والعبادة، والأعمال الصالحة، فمتى أضاعوها في هذا التجول والتقلب في البلاد ذهبت بدون فائدة.
(وثانياً): النفقات الكثيرة، والأموال الطائلة التي يخسرها في تلك الأسفار، سواء في أجرة الركوب براً وبحراً وجواً، أو في السكن الذي يضاعف عليه غالباً إذا علم أنه من هذه البلاد، أو في المطعم والمشرب والملبس ونحوها، وكذا في دخوله إلى المنتزهات، وأماكن الترفيه، فقد ينفق البعض في الشهر عشرات الألوف، في تنقل، وتقلب في البلاد بدون فائدة تعود عليه في دينه أو دنياه.
(وثالثاً): الفتنة بالدنيا، وبالشهوات المحرمة، والشبهات الكثيرة، فإنه قد يحضر المسارح المليئة بالأغاني والملاهي المحرمة، وقد يشاهد النساء المتبرجات اللاتي يبدون في غاية التكشف والجمال، فقد لا يتمالك أن يقع في فعل الفاحشة، ولسان حاله يقول:
لو أرادوا صيانتي ستروا وجهك الحسن
فكم وقع الشباب السائحون في الزنا واللواط، واقترفوا المحرمات، وخسروا دينهم ودنياهم، وهكذا الفتنة في الدين، فإن الجهلة متى شاهدوا قوة أهل تلك البلاد في الاختراع، والصناعات، والمبتكرات، نتج عن ذلك احتقار المسلمين، وتعظيم الكفار، واعتقاد أنهم وصلوا إلى هذا العلم بسبب ما هم عليه من الاعتقاد الذي يدينون به، وأن المسلمين متأخرون بسبب دينهم الإسلامي، وانشغالهم بالعبادات، وعلوم الحلال والحرام، أو أن الإسلام يحرم تعلم الصناعات الجديدة، والمبتكرات الحديثة، حتى صار المسلمون عيالاً على الكفار، وهكذا ما قد يقع فيه المسافرون من تلقّي شبهات من أعداء الإسلام، يشككون بها السذج والجهلة في صحة دينهم الإسلامي، وفي مدح الأديان الأخرى، كالنصرانية، واليهودية، وضرب الأمثلة لهم بكثرة من يدين به بالنسبة إلى المسلمين، وبضعف المسلمين مادياً ومعنوياً، فيرجع الجاهل حيران، ويبقى في شك مريب إلا أن ينقذه الله بواسطة الدعاة المصلحين الذين يردون تلك الشبهات، ويفندون تلك الادعاءات، ولا تروج عليهم خرافات الكفار، ولا ينخدعون بما يرون من تلك المخترعات؛ لقوله تعالى: (يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) (الروم:7).
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
________________
(1) صحيح الترمذي للألباني (1970).