خرج الأسواني...وكنت أظنه لا يخرج
21 شعبان 1432
مختار نوح

ذكرنا في مقال سابق أننا قد أسسنا بالإشتراك مع أسر المعتقلين رابطة صغيرة تحت إسم " دعوهم يموتون في بيوتهم" ..و كان أهم السجناء هو السجين نبيل المغربي و الذي خرج منذ أسابيع بعد أن بلغ من العمر سبعين عاماً..و كتبت مقالاً في ذلك الوقت قلت فيه أن الدور قد أتي علي الأسواني ... وذكرنا قصة الأسواني الذي دخل السجن سليماً ثم أصيب داخل السجن بكل أمراض الدنيا ..و تحدثنا عن أمه الكفيفة ..التي كانت تحضر جلسات المحكمة في عام 1981 ..و هي تمسك بيد صغيرتها عبير ...التي كانت تقفز فوق الأسلاك لتشاهد أخاها محمد الأسواني ..و منذ هذا العام لم يخرج الأسواني من السجن أبداً .. أي أنه ظل حبيساً منذ عام 1981 و حتي يوم السبت 16-7-2011 وفي الحقيقة أننا لم نكن نتصور نتيجة ضعف إيماننا أن يكتب لهذا السجين الخروج من وراء القضبان ..رغم أنه مصاب بالشلل..و رغم أنه قعيد الكرسي المتحرك..فضلاً عن سبعة أمراض أخري يكفي كل واحد منها بتدمير صحته و إنهاء حياته ..وبلغ عدد الطلبات المقدمة للنائب العام بإلتماس الإفراج عنه ما يقرب من سبعة عشر طلباً..كان آخرها تحت رقم 8602 و ذلك تاريخ 2-4-2011 ..و طلبنا في هذا الطلب عرض محمد الأسواني علي الطب الشرعي إعتماداً علي أن القانون يجرّم و يمنع إحتجاز المرضي الذين يؤثر السجن علي حياتهم ..و لكن النائب العام لم يرد علينا في حينه حتي أقمنا الطعن القضائي رقم 32366 لسنة 65ق ..و انتظرنا حكم القضاء ..إلا أن قدر الله جاء ليعطينا درساً جديداً .. فيذهب عنا اليأس بصدور القرار بالإفراج عن محمد الأسواني بعد ثلاثين عاماً قضاها في السجون و أنا أتعجب من هذا الواقع المصري الذي يجيز إحتجاز إنسان في السجن عشرات السنين..مع أن القانون المصري لا يعرف عقوبة السجن مدي الحياة..لكن وزارة الداخلية في العهد البائد لم تكن تطبق علي السياسيين إلا عقوبة السجن مدي الحياة ..فعلي سبيل المثال كان المستشار "رفقي" قد أصدر حكماً في عام 1989 ببراءة جميع المتهمين في القضية الشهيرة بقضية " أحداث عين شمس" لكن اللواء زكي بدر – رحمه الله- لم يعجبه الحكم..فلما قابلته في مجلس الشعب و أنا فرح بحكم القضاء أجابني في تحدٍ واضح بأننا قد استمعنا إلي حكم القضاء..و أنه علينا أن ننتظر حكم القدر ثم إبتسم إبتسامه فهمت منها أن هناك ما ينتظر المحكوم لصالحهم في هذه القضية ..وبالفعل صدر قرار إعتقال لكل المتهمين في هذه القضية و ظل المتهمون في الحبس حتي حصل أحدهم علي الثانوية العامة ثم ليسانس الحقوق ثم حصل علي الماجيستير في القانون ..و قمنا بقيده كمحام في نقابة المحامين و هو داخل السجن .. فثارت بعض الصحف الحكومية في مواجهتنا و إعترضت علي قيده من داخل السجن حيث أن ذلك مخالف للقانون من وجهة نظرنا...فتعجبت من هذا التناقض إذ يرفض الإعلام الزائف أن نقوم بقيد محام حصل علي ماجيستير في القانون و يعتبرون ذلك مخالفة بينما لا ينظرون إلي قرارات الإعتقال التي إستمرت لمدة عشرين عاماً كاملة في مواجهة المواطن المظلوم وكان اسمه "حسن الغرباوي شحاته" ..و نعود إلي موضوعنا لنزف البشري إلي المفرج عنه "محمد الأسواني " و أنا في الحقيقة لم أسمعه يقدم شكواه إلي الناس و لم أقرأ له أنه قدم إلتماساً إلي الرئيس السابق محمد حسني مبارك ..أو بكي أمام ضباط أمن الدولة إستعطافاً أو طلب منهم الرحمة إلا أنه فقط كانت ثقته في قدرة الله ..فأخرجه الله ...ثم قضت الحكمة الإلهية أن يدخل من حبسوه إلي السجن فكان إيمان محمد الأسواني أقوي من إيماننا بكثير وثقته في الله كانت أعلي من ثقتنا جميعاً..فخرج ليشاهد أخته ذات السبع سنوات و هي زوجة و أم بينما لم يقدر الله له أن يري أمه إذ ماتت قبل خروجه بأعوام ..وهكذا تدور الأيام و يخرج السجين صاحب الأمراض و يدخل من كان يسجنه ...ليجلس في نفس المكان و يمر عليه نفس السجان و يشعر بمرارة الحبس و الهوان تلك المرارة التي لا يشعر بها من كانت ثقته في الله ..

 

 

و بهذه المناسبة فيروي أن لجنة دولية قامت بزيارة السجن الحربي في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فطاف مأمور السجن معها ليشرح لها الوضع في السجن فنظرت اللجنة إلي مجموعة كانت تجلس في أقصي يمين الزنزانة فقال لها المأمور.. :" هؤلاء اللذين كانوا ضد شمس بدران .."..ثم نظرت اللجنة إلي مجموعة أخري كانت تجلس أقصي يسار الغرفة...فقال لها المأمور :"أما هؤلاء..فكانوا مع شمس بدران"...ثم نظرت اللجنة إلي رجل يجلس القرفصاء وحيداً..فقال لها المأمور:

"أما هذا...فهو شمس بدران نفسه"

و عجبي

 

 

مختار نوح 
 
  
المصدر/ المصريون

www.mokhtarnouh.com

[email protected]