جرائم أرسطو في عالم الفكر!!
24 شعبان 1432
منذر الأسعد

دار حديث ذات مرة بيني وبين عدد من أصدقاء الشباب/زملاء الدراسة،وتطرقتُ في كلامي إلى أخطاء المنطق الصوري وعثرات أرسطو،فثارت ثائرة أحدهم وهو مضيّفنا وسبق له أن  تخرج في الفلسفة،فهاج وهو يخلط الجد بالهزل فقال: أَيُهان أرسطو في منزلي؟!
وقد اضطرني جهله وتعصبه إلى عرض قوي وشامل لعورات أرسطو بحسب المنطق الرياضي الحديث، الذي سدد طعنات نجلاء لمنطق أرسطو الصوري المليء بالثقوب والعيوب،وبُهِتَ صاحبنا وفوجئتُ أنا بمدى التعصب الرهيب الذي تعيشه بعض جامعات العرب والمسلمين،حتى إنها تمنح الطالب درجة علمية من دون أن يدري بالانتقادات الضخمة والمحورية التي أطلقتها الفلسفة الغربية ذاتها لفلسفة أرسطو،الذي يصر العبيد على تسميته بـ"المعلم الأول"!! فالغربيون يعلمون تلامذتهم في مراحل التعليم العام بأهم ما لأرسطو  وما عليه!!

 

المهم،أنني تذكرتُ هذه الواقعة المعبّرة،وأنا أتصفح كتاباً متميزاً،عنوانه الرئيسي: جنايات أرسطو في حق العقل و العلم،وله عنوانان فرعيان شارحان،هما:- مظاهرها ،آثارها ، أسبابها-- قراءة نقدية  لكشف جرائم أرسطو في حق العقل و العلم،وهو من تأليف الدكتور خالد كبير علال،صاحب المؤلفات التاريخية الطيبة.وصرت أتخيل صاحبي إذا قرأ بحثاً ينسب الجناية إلى الفيلسوف الذي لا يقبل توجيه همسة نقدية تجاهه!!

 

يوضح المؤلف الكريم  أن إعادة اعتبار بعض المعاصرين لأرسطو بعد خمول ونقد شديد،قد شجعته على خوض غمار هذه القضية الفكرية العميقة،بالرغم من بعدها عن تخصصه في التاريخ وميدان اهتمامه المباشر.وبخاصة أن نفراً من المثقفين المنتسبين إلى الإسلام في عصرنا ألحوا على تجديد فلسفة ابن رشد،الذي لم يكن أكثر من شارح ومقلد لأرسطو.

 

وقد أجاد الباحث في بحثه الذي جاء على امتداد 384صفحة، وقد وزعه على خمسة فصول، أولها: مظاهر جنايات أرسطو على العقل والعلم في الإلهيات ،حيث نقف أمام ضلالاته الكبرى بسبب أوهامه عن عالم الغيب،في تفسيراته المتخبطة لنشأة الكون ومكوناته وحركته،فيتجلى لنا تيه الرجل في تصوراته المتناقضة للخالق عز وجل.وفي الفصل الثاني نطالع جنايات أرسطو على العقل والعلم في علم وظائف الأعضاء،ليأتي الدكتور علال في الفصل الثالث على جناية "المعلم الأول"في علم الفلك والجغرافيا ومواقفه من الأعراق البشرية ومن المرأة.

 

وقد خصص المؤلف رابع فصول كتابه لمظاهر جناية أرسطو على العقل والعلم في مجال المنطق –وهو أحد أبرز الإنتاج المنسوب إليه وهي نسبة ينسفها علال بالدليل الدامغ!!-،وقد قسّمه إلى قسمين أحدهما لأخطائه في الجانب النظري(الاستقراء-الجدل-القياس الصوري)،والثاني لعرض كليات تطبيقية خاطئة،ثم تبيان  انحرافات و خصائص منطق البحث و الاستدلال في منطق أرسطو الأعرج.

 

وقبل الخاتمة التي يلخص فيها المؤلف أبرز ما خلص إليه من بحثه،نقرأ في الفصل الخامس أهم خصائص فكر أرسطو وظاهرة الغلو فيه والإسراف في تعظيمه.
ولأهمية خاتمة الكتاب ودقتها في بيان ما ورد فيه من نتائج فكرية وعلمية،نثبت هنا أبرز ما جاء فيها.

 

يقول الباحث الهمام-جزاه الله خيراً-: (......     فمن ذلك أنه تبين بما لا يدع مجالا للشك أن أرسطو كان كثير الأخطاء و الانحرافات المنهجية في كل العلوم التي خاض فيها . و قد أحصيتُ منها أكثر من 337 خطأً و انحرافا منهجيا ، ذكرتها من باب التمثيل لا الحصر ،و قد أغفلتُ أخطاء و انحرافات أخرى تزيد عما ذكرته . مما يعني بالضرورة أن الرجل لم يكن مُتمكنا و لا مُتقنا للعلوم التي كتب فيها ، منهجا و لا تطبيقا من جهة ، و أن كثرتها تُشير إلى أنها ليست أخطاء عادية ،و إنما هي أخطاء غير عادية سببها عميق يعود إلى الانحراف في منطق البحث و الاستدلال من جهة أخرى . 

 

      و تبين أيضا أن معظم أصول فكر أرسطو و أساسيات فروعه غير صحيحة ، و هذا يعني-بالضرورة- أن فلسفته غير صحيحة في معظمها من جهة . و أن الفلسفات التي جاءت من بعده و تبنت أفكاره هي أيضا غير صحيحة في معظمها من جهة أخرى . منها فلسفة المشائين من النصارى و المسلمين ،و فلسفة الرشديين و الأرسطيين المُحدثين. 

 

     
    و اتضح أيضا أن معظم إلهيات أرسطو غير صحيحة ، مخالفة للوحي الصحيح ،و العقل الصريح و العلم الصحيح .  أقامها أساسا على ظنونه و رغباته ،و تحكماته و خرافاته ، أكثر مما أقامها على دليل الفطرة و العلم و البديهة . فأوصله ذلك إلى مواقف و نتائج باطلة دلت على أنه كان جاهلا بالله جهلا كبيراً من جهة . و أن إلهياته تقوم على عقيدة دهرية شركية صابئية عبثية من جهة أخرى . 

 

     و تبين أن أرسطو خاض في علوم الطبيعة مُهملا لمناهجها الطبيعية ، مُقدما عليها منهجه التأملي التجريدي الصوري في كثير من المواقف. فأوقعه ذلك في أخطاء و انحرافات فاحشة فادحة ، كثير منها لا يقبل الاعتذار و لا التبرير أبدا . كقوله بوجود عَظْم في قلب الحصان و البقر ، و أن الدماغ بارد لا دم فيه ،و أن عدد أسنان المرأة أقل من عدد أسنان الرجل ،و غيرها كثير جدا .  

 

    
     و منها أنه تبين أن أرسطو لم يكن مُفكرا إنسانيا حرا ،و لا مُصلحا اجتماعيا داعيا إلى العدل و المساواة  في كثير من المواقف التي اتخذها من قضايا عصره الاجتماعية و الإنسانية . و إنما كان فيها مُفكرا  طبقيا ذاتيا ، و نفعيا مُتعصبا ، و عنصريا مُشجعا على الظلم . فزعم أن الرق طبيعي حتمي ،و أن الجنس اليوناني أفضل الأجناس ،و أن من حقه أن يحتل الشعوب الأخرى. 
    

 

    و اتضح أيضا أنه ليس أرسطو هو الذي اكتشف المنطق عامة ،و لا الصوري خاصة ،و إنما هو واصل الاهتمام به  شرحا و توسيعا و تدوينا من جهة . و أنه لم يكن مُتمكنا و لا مُتمهرا فيه تنظيرا و لا مُمارسة من جهة ثانية. و لا كان مُلتزماً بمنطق البحث و الاستدلال تطبيقا ، و لا موضوعية ، و لا أمانة من جهة ثالثة . فأوقعه ذلك في السطو و الاستحواذ على أفكار ليست له ، فتبناها و نسبها إلى نفسه بطرق شتى .

 

 

     و تبين أن ما ينطبق على عمل أرسطو في المنطق ينطبق على عمله أيضا في العلوم الأخرى .فقد أقمنا الأدلة الدامغة على أن أرسطو لم يُتقن علما واحدا من العلوم إتقانا كبيرا مُبدعا ،و لا أنشأ و لا أسس واحدا منها –أ ي العلوم- . و إنما كانت له مشاركات في تأسيس طائفة منها ، مع اختلاف نسبة مساهمته فيها من علم إلى آخر . 

 

 

     وأخيراً فقد اتضح جلياً أن أرسطو ارتكب جرائم كبيرة  و كثيرة ، و خطيرة في حق نفسه و أتباعه ،و في حق الإنسانية جمعاء ، و في حق العقل و العلم . فأفسد بها العقول و منطقها ،و العلوم و مناهجها ، و العقائد و سلوكياتها . و الذين يدافعون عنه باستخدام الانتقاء و التغليط و التدليس ،و نفخ و تجعيد صوابه القليل ،و إغفال  أخطائه و انحرافاته المنهجية الكثيرة جدا ، فهم غلاة مُتعصبون بالباطل مُشاركون لشيخهم في جرائمه التي ارتكبها حق العقل و العلم معاً).