22 محرم 1433

السؤال

أنا فتاة في 19 من عمري، الواقع الذي أعيشه لم أعد أتحمله من مشاكل أمر بها داخل البيت، وتراكم الهموم دائماً، والسبب في ذلك أبي. أنا لا أقول إن أبي سيئ لتلك الدرجة، لكن صراخه على أمي وعلينا لم أعد أتحمله، وكلما صرخ في وجهها وأسمعها كلاماً يهتز البدن منه، ألومه وأحتقره في تلك اللحظة، لكن سرعان ما يخف اللوم وأرجع إليه.. لا أنسى أنه أبي، لكن كلامه يجرح. أنا أحب أمي لدرجة أني قد أفعل أي شيء لأجل أن أتركها سعيدة طول الوقت وتضحك ولا أستطيع أن أنظر إليها وهي تبكي؛ لأني سأبكي معها. لكني أحبها أكثر من أبي، والذي أريده حياة أفضل لوالديّ وكل عائلتي!!

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

إن الحياة من حولنا تمتلئ بالمشاكل والمشاحنات بما يحزن ويصيب بالهموم والاكتئاب، والقلق والحزن سواء داخل البيت أو خارجه، لكن بالنسبة لداخل البيت قد يظهر ذلك بعد مرور سنوات من الزواج وعندما تتحول الحياة الزوجية إلى علاقة روتينية يظللها الملل والكآبة، لكننا دوما ننظر لكلمات الله سبحانه التي تعالج مشاكلنا كقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، لذلك فعلينا أن نعلم أن الشيء الوحيد الذي يقوي نسيج العلاقة هو الحفاظ على هذه المودة بين الزوجين.
وتظهر هذه المودة في كل سلوك معبر عن ذلك يقدمه كل منهما للآخر، حتى ولو كان ذلك السلوك صغيراً جداً، وعلى الجانب الآخر عندما تحدث هذه العلاقة السلبية فيجد الأبناء الحياة النكدة بين الأب والأم في التعاملات وغيرها فتتشتت أذهانهم، والبعض يصبح في حيرة فتنتابه بعض الوساوس والأمراض ويتسلط عليه الشيطان في أمور كثيرة، حتى أشار بعض أهل الطب أن بعض الأمراض النفسية عند الأبناء هي بسبب المشاكل الزوجية بين الزوجين أمام أولادهم، وهذا من أعظم ما يؤذي خاصة البنات لضعفهن.
وينبغي أن يتقي الله سبحانه فيهن فلا يؤذي الزوج زوجته خاصة أمام بناته، والعكس صحيح فلا تؤذي الزوجة زوجها أمام أبنائه أو تحقره أو تنتقصه فذلك يقلل قدر الأب أمام أبنائه فعلى الكل أن يتقي الله سبحانه في الآخر.
لكن عليك أيتها الابنة الكريمة أن تدركي أن كثيراً من الآباء يتحملون مسئولية ضغوط الحياة وحمل هم رعاية البيت والأسرة، فيزيد ذلك من توتر أعصابهم فتكثر ثورته أو يسهل غضبه أو غيره، ولكن لا يعني ذلك قلة حبه أو خوفه أو حنينه على أولاده فليس صراخ الوالد دليلا على سوئه ولكن لعل الأمر يتصور لك بهذه الطريقة لكون أمك تتألم أمامك من أفعاله، وكان يجب على أمك من العدل أن تعلمك بقيمة أبيك ودوره وجهده الذي يعانيه من أجلكم.
إن أمك للأسف لم تظهر لك سوى دمعاتها عند غضب أبيك وأخفت كثيراً من إيجابياته التي يجب أن تبحثي أنت عنها بنفسك الآن.
إن التحرر من المفاهيم المغلوطة أيتها الابنة يدعوك لإضاءة شمعة أثناء الأزمات بدلا من أن تلعني الظلام.. ولتعلمي أن طبائع الآباء تختلف، والأم الحكيمة هي التي تستطيع احتواء المواقف بأسلوبها الطيب في بيتها وأثناء ثورة الزوج.
لقد قرأت في سؤالك خطأ كبيراً على لسانك بقولك عن والدك أنك "تحتقرينه" ولست أدري كيف يجرؤ لسانك أن يكتب تلك الكلمة وأنت المسلمة التي تخافين الله سبحانه؟! إن عليك أن تعلمي أن حبك لأمك بر لها، لكن عليك أيضاً أن تقدمي بر أبيك عن طريق تقديم الحب له لا أن تقولي "أحب أمي أكثر من أبي"!
وعليك في وسط الضغوط أن تضفي جواً من التفاهم والصداقة بينك وبين والدك وتحاولي أن تنزعي بذور الكره والاحتقار لأبيك، وانثري بدلاً منها حباً وتعاطفاً معه فذلك الذي وصاك به رسولك صلى الله عليه وسلم في حديثه.
فاقنعي نفسك بميزات أبيك وأن تتصالحي مع نفسك على اعتبار أن لك أباً به من الميزات الشيء الكثير أمام وسوسة هذا الشيطان الذي يريد أن يسيء علاقتك بأبيك.
وعليك ألا تقفي عاجزة جامدة أمام مشكلاتهم بل أن تكوني إيجابية، ورسول خير بينهما، وتحاولي أن تبحثي عمن يمكنه أن يتدخل فيحل مشكلاتكم سواء كان قريباً أو شخصاً مؤثراً؛ كعالم أو داعية أو غيره.
إن الذي تمنيتيه في آخر رسالتك هي الحياة الطيبة، ولن تتحقق هذه الحياة عندكم إلا عندما يبذل كل فرد من أفراد العائلة كل طاقته في إسعاد من حوله، وبالقرب من الله سبحانه والإكثار من العمل الصالح، وعندما يعم التسامح فيما بينكم، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97].