(2) - لماذا نتدارس سورة الكهف؟
4 رمضان 1432

ليدبروا آياته (3) - الحلقة الثانية

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته..

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين

أيها الإخوة الصائمون نلتقي في هذا اليوم المبارك في هذا الشهر الكريم وأسأل الله جل وعلا أن يوفقني وإياكم لخير القول والعمل.

أحبتي الكرام

سؤال يتبادر إلى الذهن ونحن نعيش مع كتاب الله جل وعلا:

لماذا اخترت سورة الكهف؟

هذه السورة أيها الإخوة سورة عجيبة! -كما قلت بالأمس- نحن نقرأها في كل جمعة وغير الجمعة أيضاً، لكن هل نحن فعلاً ندرك ونتأمل ما فيها من دلالات؟

في ظل الظروف التي تعيشها الأمة اليوم، وفي ظل ما يعصف بها من مشكلات في ظل هذه الفتن التي تحيط بالأمة من جوانبها وتعصف بها، لا بد من اللجوء إلى كتاب الله جل وعلا {ففروا إلى الله} ومن الفرار إلى الله، الفرار إلى كتابه إلى كلامه "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تظلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي"، هكذا قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم "تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" ترك فينا كتاب الله، ترك فينا الضياء إذاً عندما نعيش مع القرآن فكله نجاة، ولكن هذه السورة لها دلالة عجيبة جداً نعيش معها في هذه الحلقة.

ماهي دلالتها في موضوع الفتن؟

دلالتها لو سألت أيّ واحد من الإخوة، أسألك أنت أيها الأخ: لماذا سميت سورة الكهف؟ أجب؟ ستقول لي بديهةً لأن الله قال فيها {فأووا إلى الكهف} ورد فيها اسم الكهف في قصة الفتية، أقول لك –كما قلت بالأمس- في كلام ابن القيم عن تدبر القرآن وعن هجر القرآن أن عدم التلاوة يعتبر من الهجر لكن ليس هو الهجر كله، فكذلك هذه السورة نعم سميت سورة الكهف لقوله: {فأووا إلى الكهف} لكن لها دلالة أخرى، فكلها كهف، كيف؟

الفتية هؤلاء الشباب وسنقف بإذن الله في حلقات قادمة مع قصتهم، عندما ضغط عليهم قومهم {إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذاً أبداً} رأوا الفرار، إلى أين؟ إلى الكهف.

لماذا فروا إلى الكهف؟ من أجل النجاة، إذاً الكهف هو الغار الذي ذهبوا إليه من أجل النجاة فنجوا. كما هو في القصة.

إذاً نقول وقد عرضت هذه السورة جميع أنواع الفتن!

عرضت فتنة الدين في قصة أصحاب الكهف.

وفتنة المال في قصة صاحب الجنتين مع صاحبه.

وفتنة العلم في قصة موسى والخضر عليهما السلام.

وفتنة السلطان والملك والرئاسة في قصة ذي القرنين.

فتن، وبينهما فتن أخرى، وقد بينت في كل فتنة كيف تكون النجاة.

فهي إذاً كهف وملجأ في كل فتنة، ولست في قصة أصحاب الكهف (الفتية) فقط، بل هي منجا.

قد يقول لي قائل ما الدليل على ذلك بشكل أوضح؟

الدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن في الحديث الصحيح: "أن من لقي الدجال فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف" أو "عشر آيات من سورة الكهف" فيعصمه الله من الدجال، الآيات الأولى من سورة الكهف ليس فيها قصة الكهف ومع ذلك عصمت من الدجال، أي كما أن أصحاب الفتية لجأووا إلى الكهف إلى الغار فنجوا من قومهم، فكذلك قراءة فواتح سورة الكهف، وفي وراية أخرى أواخرها، تنجي من الدجال.

إذاً كأن أول السورة وآخر السورة والراجح هو الأول، كهف وملجأ، في قصة موسى والخضر عليهما السلام العلم ملجأ نجاة من الظلمات قطعاً.

في قصة ذي القرنين وحكمه بشريعة الله هذا الحكم العجيب ملجأ.

في الحوار مع صاحب الجنتين مع صاحبه {قال له صاحبه وهو يحاوره} ملجأ من فتنة المال، والأولاد والبنين كما جاء بعدها.

إذاً كل السورة كهف!

نعم اسمها سورة الكهف يؤخذ ابتداءً من اسمها {فأووا إلى الكهف} {إذ أوى الفتية إلى الكهف}، هذا لا إشكال فيه، لكن يجب أن نقرأ سورة الكهف آية آية، ونحن نعلم أنها كهف أنها ملجأ، في ظل هذه الفتن العظيمة التي تحيط بالأمة.

أين النجاة؟

أليست الدول تضع ملاجئ ليلجأ إليها الناس في الحروب، تسمى ملجأ (كهف) فكذلك سورة الكهف عند الفتن هي ملجأ وكهف ومخرج من كل هذه الفتن.

عندما نقرأها بهذه السورة بهذا التدبر فنحن إذا نعيش معها آية آية، نعلم كيف ننجو عندما تحيط بنا الفتن الأمة اليوم كما تعلمون تحيط بها الفتن وبجميع جوانبها، أين النجاة؟ لا شك في كتاب الله، جل وعلا، ومن كتاب الله جل وعلا ومن سوره هي هذه السورة هي سورة الكهف.

فهي سورة قد عالجت الفتن فتنة فتنة لأن العلماء ذكروا أن أصول الفتن كلها موجودة في سورة الكهف وحلولها موجودة في أثناء عرضها.

فإذاً أقول لكم إخوتي الكرام كما قال أصحاب الكهف وكما قال الفتية في ظل هذه الفتن والمشكلات التي تحيط بالأمة علينا أن نأوي إلى الكهف، أي أن نأوي إلى سورة الكهف لننظر في دلالاتها وآثارها ومعانيها، لكن لا يمكن أن يتم ذلك من خلال مجرد التلاوة، إنما لا بد أن نعيش معها من خلال التدبر فكما بينت قبل قليل أنها كلها كهف مما قد لا يرد على ذهن البعض ويتصورون أن مجرد اسم الكهف لقصة أصحاب الكهف أخذ الاسم من المسمى هنا، فاتضح لنا أنها كلها كهف من أولها إلى آخرها ينذر ويبشر.

فيها التفاؤل فيها العلاج للمشكلات سيتضح لنا من خلال آياتها ودلالاتها ومعانيها ووقفاتها كيف طرق النجاة؟ نجاة الدين والبدن، كهف.

فالفتنة قد تكون تأثيرها على البدن وقد يكون تأثيرها على القلب وعلى العقيدة وهو أشد كما أن الإنسان يعصم من الدجال عندما يأوي ويقرأ فواتح سورة الكهف فكذلك هو ينجو أيضاً عندما يقرأ بقية ما يتعلق بالفتن فتنة السلطان، فتنة العلم، فتنة المال فتنة الولد والأهل، فتنة الشيطان كما في سورة الكهف فتنة الدين، كما في قصة أصحاب الكهف كلها ينجو منها الإنسان.

إذاً علينا أيها الإخوة أن نقرأ هذه السورة بخلاف ما تعود عليه البعض من مجرد التلاوة في خمس دقائق يتلو هذه السورة ويقول قرأت سورة الكهف ليس الأمر كذلك أيها الإخوة، لا بد من تدبرها {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} {أفلم يدبروا القول} {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} وعندما أعرضها فإنني أريد أن تكون مفاتحاً لبقية السور، أنتم قد قرأتم اليوم والأمس ما أكرمكم الله به من هذا الكتاب وهذه السور فكيف كان تدبركم.

هل وقفتم متدبرين لما قرأتم بالأمس واليوم؟ وما قبل ذلك، هذا هو الظن بكم.

وأنا في هذه الحلقات لست إلا مذكراً ومبيناً في هذا الشهر الكريم.

فيا إخوتي الكرام هلمّ لنلجأ بشكل أكثر في هذه السورة وقوفاً عند آياتها تدبراً عند دلالاتها تفسيراً لبعض معانيها التماساً لهداياتها لجوءاً إلى الكهف فيها ليعصمنا الله فيها من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

حفظكم الله وأسعدكم وتقبل مني ومنكم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته