مجاعة الصومال بين "تهويل" الغرب و"تهوين" شباب المجاهدين
12 رمضان 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

"لا توجد مجاعة في الصومال".. "الوضع تعدى حدود المجاعة في الصومال".. جملتان متضاربتان تصفان الوضع المتأزم في البلد الإفريقي أحد أكثر الدول فقراً نتيجة الجفاف وسوء التغذية.. الأولى تؤكدها حركة شباب المجاهدين المسلحة في البلاد والثانية تشدد عليها الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الغربية.. الأولى تقلل من شأن ما يحدث في الصومال والثانية تبالغ في الأمر ذاته.. ولا يمكن لأحد بشكل دقيق أن يقف على مدى خطورة الأزمة فالكل يستخدمها لأغراضه الخاصة.

 

فمن جانبها تؤكد حركة شباب المجاهدين الصومالية عدم وجود مجاعة في جنوب البلاد، كما تسخر من التقارير التي تحدثت عن وفاة 29 ألف طفل خلال ثلاثة أشهر بسبب الجوع، مشيرة إلى أن عدد الضحايا في الأقاليم التي تسيطر عليها الحركة لا يتجاوز الخمسين، واصفة تقارير  الهيئات الدولية "بالمسيّسة وغير الصحيحة".

 

لكن الحركة لم تنكر وجود جفاف يؤثر على الرعاة والمزارعين لكونهما يعتمدان على المواشي والزراعة، مع التأكيد على أن حجم الجفاف لم يصل بعد مرحلة الإعلان عن مجاعة وخاصة في المناطق التابعة لها وأن حدود الجفاف محصور، والجهود جارية لاحتوائه.

 

كما تنفي أيضا قيامها بمنع إيصال المساعدات إلى الصوماليين كما يدعي الغرب ، حيث ترى أن الهدف من هذا الكلام إعداد قوة جديدة من الدول الإفريقية لاحتلال الصومال، مشيرة إلى أن أكثر من مائة هيئة وجمعية محلية وإقليمية ودولية منتشرة في المناطق الصومالية ، تمارس نشاطاتها الإنسانية دون أي مشكلة، وقنوات الاتصال مفتوحة بينها وبين الحركة.

 

مفارقة أخرى -بحسب ما تقول حركة الشباب -تتمثل في أن الهيئات الغربية توزع المعونات على النازحين في المناطق التابعة لقوات الاتحاد الأفريقي (أميسوم) والحكومة الانتقالية، ثم تعلن بعد ذلك أنها منطقة مجاعة!. ثم تتساءل كيف تقدم الهيئات الدولية المساعدة لجميع الصوماليين إذا كانت عاجزة عن إطعام النازحين في المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة الانتقالية والتي لا تتجاوز مساحتها أربع كيلومترات مربعة على حد قولها.

 

وأمام التقليل الذي تقوم به حركة الشباب التي تقاتل الحكومة الصومالية والقوات الإفريقية وتسيطر على الجنوب، فيما يتعلق بالمجاعة، أعلنت وحدة الأمن الغذائي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة في الصومال أن سوء التغذية الحاد ونسب الوفيات قد تجاوزت حدود المجاعة في منطقتي «بالكاد» و«كادال» في «شبيلي»، وبين السكان اللاجئين في مقديشو ووادي افجوي. ويأوي أفجوي، الواقع على بعد 25 كيلومتراً غرب العاصمة مقديشو، ما يقدر بنحو 400,000 نازحٍ منذ عام 2007.

 

وأرجعت الأمم المتحدة الأزمة إلى القيود المفروضة على تحرك منظمات الإغاثة بسبب حركة شباب المجاهدين بشكل أساسي وصعوبة زيادة برامج مساعدات الطوارئ. وبحسب الأمم المتحدة فإن الجفاف في شرق إفريقيا يهدد نحو 12 مليون شخص.

 

كما رجحت المنظمة الدولية إعلان الجنوب بكامله منطقة مجاعة خلال الأسابيع الستة المقبلة، فيما أعلن مسؤولون أمريكيون أن زهاء 29 ألف طفل توفوا نتيجة المجاعة أي نحو 4 في المئة من الأطفال في البلاد، وأن 3,2 ملايين شخص يحتاجون إلى "مساعدة إنسانية فورية".

 

ووصفت شبكة "الإنذار المبكر من المجاعة"، حالة الجفاف هذه بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم اليوم، وأسوأ أزمة أمن غذائي في إفريقيا منذ المجاعة التي ضربت الصومال عامي 1991 و1992.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه الأمم المتحدة عن انتشار المجاعة في المزيد من مناطق جنوب ووسط الصومال، أشارت تقارير غربية واردة من مقديشو إلى أن معاناة النازحين بسبب الجفاف، ومعظمهم من النساء والأطفال، تتفاقم أكثر فأكثر، في ظل "إعاقة القوات الحكومية و حركة الشباب لعمليات توزيع المساعدات في المناطق الخاضعة لسيطرة كل منهما".

 

ويواصل آلاف من الصوماليين، بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووسط آسيا (أوتشا) النزوح عبر الحدود إلي إثيوبيا وكينيا كل يوم هربا من أسوأ موجة للجفاف خلال 60 عاما وبسبب القتال المستمر وارتفاع أسعار الغذاء في الوقت الذي منعت فيها وكالات الإغاثة من الوصول إلي المناطق أكثر تضررا، بسبب سيطرة حركة الشباب، وفقا لما يعلنه المكتب.

 

وبين تهوين حركة الشباب وتهويل منظمات الإغاثة الدولية، لا يمكن تصديق الجانبين بشكل كامل، فهناك جفاف بالفعل يعصف بالصومال وتهديدات بحدوث مجاعة وأزمة إنسانية بحسب شهادات نازحين من الصومال ومنظمات إغاثة إسلامية لكن قد تقوم الحركة بالتقليل من الأزمة لأهداف سياسية لها ومحاولة السيطرة على البلاد، وقد يقوم الإعلام الغربي في الوقت نفسه بقدر من التهويل من الجفاف لاستغلاله أيضا لأغراض سياسية أو ورقة ضغط على الشعب الصومالي لاحتلاله وربما أيضا لدخول الجمعيات التنصيرية لتقوم بعملها تحت ذريعة وجود المجاعة .

 

وفي النهاية لا يمكن للحكومة الصومالية غير المسئولة أو حركة شباب المجاهدين المسلحة أو الأمم المتحدة والمنظمات الغربية للإغاثة أو العالم الإسلامي بتباطؤهم أن يتجنبوا اللوم على هذه المأساة التي تضرب الصوماليين فالكل مسئول، ولو قام كل طرف بدوره المنوط به دون الالتفاف لأغراضه السياسية، لما كانت هناك مجاعة في الصومال ولما استغلها الغرب لتحقيق أطماعه وأجنداته الخاصة.