8 صفر 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أعاني من حالة أتعبتني والله، قد تكون بسيطة لكنها تسبب لي ضيقة صدر كبيرة، مشكلتي هي أني في أوقات فراغي - وأغلب وقتي إن لم يكن كله فراغ - أضيع وقتي في أشياء لا فائدة فيها إلا فائدة دنيوية كالجلوس على النت وتضييع الوقت فيه بما لا ينفع أو الجلوس عند التلفاز أو تصوير… الخ - علمًا أني لا أضيع وقتي إلا في مباح - أشعر بضيقة صدر لأن عمري يضيع هكذا بدون فائدة، في الوقت نفسه لا أجد نفسي تقبل على الطاعات وتأنس بها، بل على العكس تمامًا أجد صعوبة كبيرة في الخشوع في الصلاة أو قراءة القرآن أو قراءة كتاب مفيد… الخ، وأنا من النوع الذي لا يستطيع إجبار نفسه على شيء، يعني إذا لم أشتهِ فعل شيء أجد صعوبة كبيرة جدًا في إجبار نفسي عليه. مشكلتي باختصار لا آنس بالطاعات ولا أرتاح في تضييع الوقت بالمباحات فما الحل؟ جزاكم الله كل خير.

أجاب عنها:
د. خالد رُوشه

الجواب

الأخت الكريمة
الصالحون دوما يضنون بأوقاتهم، ويرون أنها هي حياتهم، فأنت أيام مجموعة إذا ذهب يوم ذهب بعضك – كما قال السلف -، والحياة كلها أوقات قصيرة، إذا خصمنا منها أوقات نومنا وأوقات حاجتنا الجسدية والشخصية لن يتبقى منها إلا نذر يسير جدا يكاد لا يروي ظمأ أحد ممن له طموح أو هدف..
الإيجابيون يعرفون قيمة الأوقات جيدا جدا، وأصحاب الإنجازات يحرصون على أداء عمل مهم في كل لحظات تمر بهم، فتراهم عن قليل يتقدمون على الناس بخطى كثيرة، وهم الذين يتولون قيادة الركب عادة.
هذه الرؤية التي تتحدثين عنها بالعموم هي مما ينقص كثيرا من شبابنا، فأنت تحزنين على ضياع أوقاتك في غير ما ينفعك في الآخرة، وهي رؤية أسأل الله أن تصحبك إلى جنة الله سبحانه ورضوانه إذ هي رؤية الصالحين وشعورهم تجاه الأوقات.
ضيقة صدرك أراها ذات شقين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فأما الإيجابي فهو أثرها المهم في دفعك نحو العمل والإنجاز والإتقان في الأداء في كل ما أنت بصدده، وأما السلبي فكونها توقفك عن العمل أو تصيبك باكتئاب أو بضيق صدر – كما ذكرت في رسالتك – وكل هذا سلبي الأثر وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل"...
فأنصحك بداية ألا تستسلمي لهذا الشعور السلبي من الضيق، وعليك بالدعاء السابق وكرريه كثيرا حتى تشعري بذهب هذا الضيق من صدرك.
ولاشك أن قضاء وقتك فيما هو مباح لا غبار عليه، لكن الإكثار منه بحيث يؤثر تأثيرا سلبيا على الواجبات والمستحبات شيء غير مرغوب فيه، وقد كره العلماء الاستزادة في المباح بحيث يؤثر سلبا على الواجبات والمستحبات، بل كرهوا الولوغ في المباحات الشاغلة عن الدور العبادي الحقيقي الذي خلق المرء من أجله.
أما شكواك من أن نفسك لا تقبل على الطاعات وتأنس بها، فهي شكوى الكثيرين من الناس وحلها قد وصفته لنا الشريعة الغراء، ويكمن في عدة أمور معا، أهمها دعاء الله سبحانه بأن يحبب إليك الإيمان والعمل الصالح ولتكثري من الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ قوله "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، كذلك ذكر الله سبحانه سواء أذكار الصباح المساء أو غيرها، فذكر الله طارد للشيطان ومحبب للطاعة والعبادة، فإذا رأيت من نفسك بعدا عن العبادة أو ضعف نشاط فيها فأنصح بذكر الله لوقت متتابع بما أثر من صحيح الأذكار، ثم أنصحك بالإيجابية في العبادة، فابدئي بها فإنك إن بدأت تيسرت ولكنك إذا ظللت بعيدة عن العمل وظللت تشتكين من ضعفه فسيطول بك الوقت في غير عمل، فابدئي حتى لو شعرت بنقص نفسي في الأداء لأن النقص مع الاستمرار سينجبر إن شاء الله خصوصا مع استمرار الدعاء كما ذكرت لك.