29 ذو القعدة 1432

السؤال

سلام من الله ورحمة تغشى يومك.. لدي أخت تصغرني بـ٦ سنوات، وقعت بمثل ما وقعن به فتيات هذه الأمة، وهو اللباس القصير، يبد أنها تشتري اللباس ولا تلبسه.. قبل نصحها قرأت فتاوى في اللباس، وعلمت أن الحلال بمقدار شبر من الكعب وما أعلى يدخل ضمن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الكاسيات العاريات، خفت عليها جداً ونصحتها كثيرا،ً ولكن لم تسمع لكلامي واشترت للعيد فستاناً يصل للركبة! تناقشت معها حتى تعيده للبائع، وأدخلت والدتي، وللأسف لم تسمع لكلامنا، برأيك هل أخبر والدي؟ أو إخواني؟ أو ماذا أفعل؟ وأيم الحق من حرقة فؤادي دعوت عليها بالهلاك؛ لأنها تعصي من أعطاها النعم، وتقلل من تربية والداي لها، خاصة أنهما كبيران في السن.

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ونشكر لكم ثقتكم في موقع المسلم.
جزاك الله خيراً على حرصك وغيرتك على أختك، نسأل الله أن يصلحها ويهديها.
يبدو أن أختك في مرحلة المراهقة، ومعرفتك بطبيعة المرحلة العمرية التي تمر بها تعينك بإذن الله على التعرف على الأسلوب المناسب في التعامل معها.
أولى هذه السمات الحساسية الشديدة لرأي الآخرين لاسيما ما يتعلق بالمظهر، كما أن المراهقة في هذه السن تميل لتقييم ذاتها بمقارنتها بالآخرين، وثقافة التعري بدأت تشيع في أواسط النساء، وارتباط التمدن والتحضر بالعري والتهتك أمر له أثره في ضعف مقاومتها لهذه الثقافة رغم معرفتها بحرمة ذلك.
كذلك تميل المراهقة لمن يقدرها، ويحترم عقلها، ويشعرها بالاهتمام، كما أنها مرحلة مهمة لتبلور الاتجاهات كما يقول علماء النفس، فالمراهقة تكوِّن مواقف عقلية معينة تجاه المبادئ والمجتمع من حولها، ثم تتصرف بناء على تلك الاتجاهات التي كونتها. والفتاة في مرحلة المراهقة وأولى سني الشباب تكون انتقائية في إدراك المعلومات بناء على ما كونته من اتجاهات، ولنضرب مثالاً من الواقع: نتيجة لربط التحضر والتمدن بتقليد الغربيين في الملبس وشتى أمور الحياة تميل المراهقة لتكوين اتجاه سلبي ضد الحشمة والحياء وغيرهما من القيم التي يشوهها الإعلام، وتطمسها الثقافة الغربية الغازية، وبعد ذلك تراها تبحث لا شعورياً عما يؤيد الاتجاه الذي كونته، فإن وجدت مقالاً يحض على الاحتشام فإنها تتجاهله، ولو سمعت حديثاً من زميلاتها عن أنواع الموضات الجديدة، وجمالها ورقيها فإنها تنساق معهن وربما تستحسن ما استحسنه، والخطير في هذه الانتقائية أنها تقوي الاتجاه الذي تبنته، مما يجعل تحولها عنه مستقبلاً أكثر صعوبة. وبداية تكوين الاتجاهات ليست عقلية دائماً كما يقول علماء النفس، بل قد تكون انفعالية عاطفية. لكن في المقابل للمراهقة استعداد للتمرد على ثقافة المجتمع، وإخضاعها للنقد. كذلك أثبتت إحدى الدراسات الغربية أن المراهقين أكثر ميلاً للتدين من غيرهم بعكس ما يشيع بين الناس من أن مرحلة المراهقة مرحلة طيش.
فحاولي التعامل معها على أنها فتاة ناضجة عاقلة، وأشعريها باهتمامك بها، وحدبك عليها، لتشعر أن توجيهاتك نابعة من حرصك عليها، وأنها ليست من باب التسلط. ولتكن تصرفاتك عفوية غير مصطنعة، وحاول أن تناقشيها في موضوع اللباس وتعرفي وجهة نظرها، دون أن تشعريها أنها في جلسة محاكمة، بل أنك تريدين أن تعرفي وجهة نظرها ونظر البنات في سنها، وكوني هادئة في تفنيد ما يرد في كلامها من شبهات، سواء بأدلة شرعية أو عقلية، وضرورة الاحتشام طاعة لله أولاً، ولتجنب الوقوع في ما يترتب على التعري من تعرض للعين أو الوقوع فيما وقعت فيه بعض البنات من مشاكل الإعجاب وغيرها من المفاسد. وكذلك ذكريها أن طاعة الله وستر ما ينبغي ستره نوع من شكر النعمة، والله تعالى يقول: "لئن شكرتم لأزيدنكم".
ولا يكن موضوعك الوحيد كلما جلست إليها هو الكلام عن لبسها وتعليقك عليه، بل أكثري من مسامرتها في مواضيع مختلفة لها بها اهتمام، وحاول في كل مرة أن تكون محصلة الموضوع ضرورة معرفة الحق والتمسك به بغض النظر عن سلوك الآخرين. وتطرقي للموضوع كلما سنحت فرصة بشكل مناسب، سواء بالكلام المباشر معها، أو إثارة الموضوع مع غيرها في وجودها، دون أن تشعر أن في ذلك لمز لها.
كذلك شاركيها بعض الاهتمامات واربطيها بالصالحات المستقيمات العاقلات. وعند الذهاب للتسوق كوني معها واقترحي عليها بعض الخيارات المحتشمة التي يمكن أن تعجبها، واشعريها أن التجمل شيء منفصل عن التعري. يمكن أن تتجمل بحشمة، فتناسق الألوان ومناسبتها لبشرتها، وطريقة التفصيلة ومناسبتها لجسمها، هي التي تحدد مدى جمال ما ترتدي وهذه من الممكن التحكم فيها دون مخالفة شرعية. كذلك استعيني بها في اختيار ما تريدين شراءه ولو اقترحت شيئاً قصيراً أو عارياً فبيني أنه جميل من ناحية كذا لكن فيه كذا، وفي ذلك توجيه بالقدوة في ترك ما يبدو جميلاً إرضاء لله تعالى.
كذلك احضري لها كتاباً أو شريطاً لتعرف أحكام اللباس. وللشيخ عبد المحسن الأحمد محاضرات جميلة في الموضوع منها: لباس المرأة إلى أين؟، المنافقين والحجاب، قوية الشخصية، وكتيب: "لك أنت لأنك غالية". وعلى اليوتيوب مقاطع كثيرة عن لباس المرأة، وقصص لتائبات، أو لمن تعرضن لبعض المشكلات بسبب اللباس العاري يمكن إرسالها على بريدها أو جوالها. وباختصار تفنني في طرق الموضوع بوسائل مختلفة وليكن نصحك لها مغلف بغلاف: أنصحك لأنك غالية.
إن لم يجد ما تقدم وأحسست أنها تعاندك مثلاً، وأرجو أن يجدي إذ يبدو من كلامكم أنها متحرجة نوعاً ما من لبس القصير لكنها تجاري من حولها، لأنها تشتري ولا تلبس، يمكن الاستعانة بالوالدين والإخوان في التعاون على نصحها بالتي هي أحسن. لكن المعاملة الحسنة والتلطف في الإقناع لا يعني ترك الحبل على الغارب، بل لابد أن تشعر أن الأمر واجب شرعي لا ينبغي مخالفته، وأنه "ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخير من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً"، وأن أبوها قد يضطر لاتخاذ ما يراه مناسباً إن هي تمادت في ما لا يرضي الله لأن الأمر خطير على دنياها وأخراها.
ولا تدعين عليها أيتها الكريمة الفاضلة، بل سلي الله لها الهداية والتوفيق لما يحبه الله ويرضاه، واحرصي على الدعاء لها أمامها بالهداية، والصلاح، فإن لذلك أثراً عظيماً على النفوس. ولا تيأسي إن لم تري نتيجة سريعة، بل عليك الاستمرار وستجدين أثر ذلك بحول الله.
هدانا الله جميعاً، ووفقنا لدعوة الناس إلى الخير، وثبتنا على ذلك.