دور إسلاميي مصر في ثورة 25 يناير
4 شوال 1432
علا محمود سامي

في ظل الدور المتنامي للإسلاميين في مصر، أصبح غيرهم يطرحون العديد من علامات الاستفهام حول دور الإسلاميين في ثورة 25 يناير، ويشككون في هذا الدور، على خلفية الظهور الذي صار عليه الإسلاميون في مليونية الهوية الإسلامية لمصر يوم 29 يوليو الماضي.

 

منذ هذا التاريخ تحديدا، وما قبله بقليل، أخذت كثير من الألسنة تلوك دور الإسلاميين في الثورة، بل وتنتقده قليلا ، مقابل أخرى كانت ترفضه جملة وتفصيلا، للدرجة التي جعلتها تتساءل: "وأين كان الإسلاميون وقت الثورة، ماداموا قد ظهروا بعدها بهذا العدد"، علاوة على تساؤلهم حول الدور النفعي الذي أصبح يحصده الإسلاميون من تداعيات الثورة، إلى غيرها من التساؤلات التي تحمل بين سياقها عبارات الغمز واللمز ، والنيل من مكانة الإسلاميين في أوساط من يسميهم العلمانيون الأغلبية الصامتة.

 

الواقع، يجيب بأن أي فعل يأتي نتيجة تراكمية لما قبله، وعليه فان فرية عدم مشاركة الإسلاميين في الثورة، أو عدم السعي إلى صنعها، هو قول مردود على قائليه، وذلك لأن الإسلاميين منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير أعلنوا مشاركتهم في التظاهر والاعتصام بميدان التحرير. كيف لا ، وهم الفئات الأكثر في المجتمع الذين كانوا يرفضون جبروت وطغيان النظام المخلوع، وكثيرا ما دعوا إلى تظاهرات واعتصامات، غير أنها لم تكن تلقى بالا ، حتى ممن دعوا وشيدوا للمظاهرات تاليا، على الرغم من الملاحقات الأمنية المتكررة والضغوط الهائلة التي كان يتعرض لها الإسلاميون من وقت لآخر.

 

ولذلك، لا ينكر إلا جاحد أن الإسلاميين كانوا أكثر شرائح وتيارات المجتمع المصري تعرضا للتنكيل والبطش من قبل جهاز مباحث أمن الدولة "المنحل"، طوال فترة ثلاثة عقود، هى فترة حكم الطاغية حسني مبارك، وهو التنكيل الذي تنوع بين الضرب في سويداء القلب، وبين اعتقال لمدد تجاوزت ثلاثين عاما ، خلاف الأحكام القضائية العسكرية الجائرة، على الرغم من كون أصحابها هم من المدنيين.

 

وإذا كان من نحسبهم شهداء، قد قضوا خلال ثورة 25 يناير، فان صفحة الإسلاميين ملئ بمئات الشهداء التي يحفرها التاريخ بأحرف من نور لهم، فلا يخفى أن أول شهيد، ونحسبه كذلك، في عهد حسني مبارك كان من أبناء الحركة الإسلامية، وهو الشاب شعبان راشد، الذي تم إطلاق الرصاص عليه، وهو يعلق لافتة تدعو لمحاضرة دينية في مدينة أسيوط بصعيد البلاد، كانت تنظمها الجماعة الإسلامية، ومن يومها والنظام السابق وهو يستحر القتل في عشرات ، بل مئات الشباب من أبناء الحركة الإسلامية، حتى تلطخت أيدي الأجهزة الأمنية بدماء شباب طاهر عفيف، كان كل همة الدعوة إلى الله، ما دفعته ممارسات النظام آنذاك إلى حمل السلاح ، ليواجه جبروت وآلة مبارك العسكرية.

 

لذلك ، فطوال هذه العقود كان الإسلاميون يحصدون ثورة شعبية، مطالبته بالتغيير، كثيرا ما سعت إلى استنهاض الروح الثائرة عند المصريين، غير أن الأجهزة الأمنية كثيرا ما كانت تجهض هذه الروح، عندما تطلق عليهم رصاصات الغدر والخيانة من ناحية، أو القيود الحديدية لاعتقالهم من ناحية أخرى، فضلا عما كانت تطلقه على الإسلاميين من أفكار بالية، وعفن فكري ، وإفلاس عملي من أصحاب العلمانية الزائفة، والليبرالية المهترئة، واليسار المقيت.

 

الشريحة الأخيرة، هي التي أصبحت تروج حاليا إلى مزاعم تدعي صراحة أن الإسلاميين لم يشاركوا في ثورة 25 يناير، وأنه لم يكن لهم دور فيها، وأنهم أصبحوا أكثر التيارات استفادة منها، وتنعما بنسائم حريتها. أمثال هؤلاء لايزالوا يثبتون أنهم يمارسون الإقصاء بعينه، فهم يريدون الحرية لهم، ولهم فقط، وليس لغيرهم، وأن الحرية التي يفهمونها، لابد أن تأتي بمن يتوافقون أو يتفقون عليه. أما إرادة المواطن، وإبداء رغباته، فهذا ليس لها محل من مكتسبات الثورة، ومحله حيث الأغلبية الصامتة، والتي ينبغي أن تظل في عرفهم هكذا، حتى تنتصر الليبرالية، وينهزم غيرها.

 

على هذا النحو، تروج العديد من الشبهات حول دور الإسلاميين في الثورة، وينسى أو تناسى هؤلاء، وباعترافهم هم في أثناء أيام الثمانية عشر يوما بميدان التحرير، بعد يوم 25 يناير، أن الإسلاميين هم الذين وقفوا على تخوم ميدان التحرير، وحالوا دون وصول أذناب النظام البائد إلى ساحة الميدان، والذين لولاهم لأثخن زبانية النظام الجراح في صفوف المتظاهرين، وذلك بعدما وقف الإسلاميون سدا منيعا على حدود الميدان، في اليوم المعروف إعلاميا ب"موقعة الجمل"، وهى المعركة التي استمرت زهاء 17 ساعة متواصلة، تحمل الإسلاميون خلالها العبء الأكبر من الصمود والاستبسال واليقين بالله بأن ثورة مصر ستنتصر.

 

ومع ذلك لم ينسب أي من الإسلاميين الفضل له في حماية المتظاهرين، وساحة الاعتصام ، حيث ميدان التحرير، بل أعلنوا أن جميع المصريين شاركوا في الثورة، وأن من حماها هو الجيش، والذي لولاه لصارت مصر كاليمن وسوريا اليوم، وليبيا الأمس.
هو دور إذن لم يغفله الإسلاميون تجاه غيرهم، بقدر ما طعن عليه مناوئيهم، في محاولة للنيل من هذا الدور، والذي إن غفلوه ، فلن يغفله التاريخ، والذي إن عملوا على تزويره ، فان ميدان التحرير شاهد على جسارة الإسلاميين.
الإشكالية الكبرى لدى مناوئ التيار الإسلامي رغبتهم في أن يكونوا هم ، وهم وحدهم في الساحة، لا منافس لهم ، ثم يتشدقون بالحديث عن الحرية الفكرية، والحريات العامة، وفي مقدمتها حرية التعبير.

 

هذه الحريات أصبح مخالفو التيار الإسلامي يستصعبونها على الإسلاميين، ليجعلونها حكرا لهم وعليهم، وليس لغيرهم، وهم الذين ارتموا في أحضان النظام البائد ضد الإسلاميين، في الوقت الذي كان ينكل فيه بالإسلاميين، ويحصد على أرواحهم واعتقالهم المناوئين أرفع المناصب بالدولة المصرية، وكلما كان عداؤهم أكثر للإسلاميين كان قربهم أكثر إلى النظام المخلوع.

 

على العلمانيين ومن لف لفيفهم أن يدركوا أن معادلة الأمور قد تغيرت، وأن زمن ادعاء الفروسية والنضال قد ولى، وأن الجميع أصبح أمام حقيقة كاشفة ، يدركها ويعيها جيدا من يراهن عليه الجميع، وهم الأغلبية الصامتة، التي تتوق إلى الإسلام، والى حكمه والعيش في كنفه، مهما كانت مكائد المحاربين لوطنهم وأمتهم، والمرتمين في أحضان الرأسمالية الساقطة، والشيوعية المنهارة، والحداثة الزائفة.