30 ربيع الأول 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: سؤالي هو لي طفلتان الكبيرة أربع سنوات والصغيرة سنتان، الصغيرة دائمة البكاء والتمسك بي، وعنيدة، وترمي كل ما في يدها على الأرض، وعصبية جداً، ولا أعرف كيف أتصرف معها، أرجو الإفادة.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أختي الكريمة: أحترم اهتمامك بتربية أولادك، وبالبحث عن أساليب ترقى بتنشئتهم وتربيتهم تربية حسنة.
بداية أقول: إن لعناد الأطفال بأعمار مختلفة أسبابا كثيرة، منها ما يكون ردة فعل اتجاه التربية الغير السليمة، ومنها ما يولد معهم وراثة، وعادة ما يكون الطفل العنيد لديه عصبية زائدة، ويُعاند لأسباب كثيرة، ويحاول من خلاله أن يفرض سلطته داخل أسرته، ويحاول أن يوصل صوته لوالديه، ويرسل رسالة قوية بصورة شعورية أو لا شعورية، ليثبت ذاته أن له حقوقا ورغبات، وأنه إنسان يحتاج لمن يحس بوجوده وكينونته، ولمن ينصت لكلامه، ويفهم عالمه وحاجاته وآرائه، وهذا قد ينطبق على طفلتك الصغيرة حفظها الله، فتعاملي معها على هذا الأساس.
ومن النصائح التي أقدمها لك أختي الكريمة ما يلي:
أولا: لا تجبري طفلتك على طاعتك، وتجنَّبي استخدام اللغة السلطوية في التعامل معها، حتّى لا تربّي لديها العناد أكثر، وهذا لا يعني التساهل في تربيتها وتدليلها، ومنحها الحرية المطلقة دون إشراف أو توجيه، إنما علِّميها أولاً كيف تطيعك حبًّا لا جبراً.
ثانيا: ازْرعي بداخلها حب الله، وأنت تتحدَّثي معها عن عظمته وجمال خلقه وصفاته وأسمائه..، بما يناسب سنها وفهمها، ودرِّبيها على العبادة والطاعة لله بأن تشجعيها على الوقوف بجانبك في الصلاة، أو الإنصات إليك وأنت تقرئين القرآن أو تتوضئين للصلاة، واصحبيها معك للمسجد، حتّى تتفتّح جوارحها على الارتباط بالعبادة والارتباط بالله وبطاعته، ليتمَّ تعزيزه بعد ذلك مع مراحل عمرها، فيكون عندها استعداد لطاعتك وطاعة والدها، وبرِّكما طاعةً لله تعالى كسلطةٍ عليا يخضع لها كل الناس كبيرهم وصغيرهم.
ثالثا: استخدمي معها أسلوب الحوار والتفاهم بهدوء، فإذا ما ألقت مثلا بعض لعبها لا تعنِّفيها بشدَّة بل قولي لها بهدوء مثلا: "لا يا حبيبتي"، أو سمِّها بإسم تدلِّلينها به، "هكذا ستكسري لعبتك وهي جميلة"، "انظري كم هي رائعة"، وتبدئي تلفتي انتباهها لشكلها ولألوانها، ولكيفية استخدامها، وتحركينها أمامها بطرق جميلة، ثم تعيدي اللعبة إلى مكانها، أو ضعيها بين يديها من جديد، أو ابتعدي لمسافة وقولي لها: لو شاطرة حاولي أن تأخذيها مني، حتى تركض خلفك لتفوز بها، ثم اتركيها تسقط من بين يديك بطريقة بهلوانية، حينها ستبدأ هي تضحك وأنت كذلك، وحتى لو تعصَّبت مرة أخرى، تصرفي بطريقة عادية للغاية، ولا تظهري اهتمامك لتصرُّفها وإن ساءك، والأفضل أن تبتعدي وتركزي في عملك كأنَّك غير مبالية بما فعلته، حينها هي ستمل وستعود لطبيعتها.
رابعا: عوِّديها أن تخاطبيها وعينك مصوبة لعينيها الصغيرتين، وأنت تحدثينها أو توجِّهينها أو تصوّبي أخطائها، ودَعيها تنظر إليك بطريقة لطيفة كأن تحمليها أو تحضنيها أو تمسكي يدها بين يديك برفق، ولتكن جملك محدَّدة ومختصرة وواضحة لتفهمها.
خامسا: اردَعي عنادها وعصبيتها يما يتطلبه من البديل الناجح، وتنوِّعي في تقديم اختيارات أفضل وبدائل بأسلوب المفاجأة وشد الانتباه بصورة صحيحة وطريفة، يكون لها تأثير إيجابي على سلوكها.
سادسا: لا تفرِّقي بين بنتك الكبرى والصغرى في التربية، وفيما تقدِّمينه لهما من عواطف الحب، والحنان، والاهتمام، والرعاية، والمعاملة، والعطاء المادي والمعنوي، وفي تقديم الهدايا والمكافآت، فالسلوك العنادي كثيرا ما يظهر وسط مجموعة من الأطفال بسبب عامل الغيرة.
سابعا: تحمَّلي انفعالات طفلتك وعصبيَّتها وعنادها، وامْتَصِّي غضبك وتتسلحي بالصبر فهذا مهم جدًّا، ولا تطفئي النار بالنار، أو تقابلي القوة الصغيرة بالقوة الكبيرة، والعناد بالعناد، فتتطور المسألة إلى تحدٍّ، ينتهي بكما إلى التَّصادم الذي يولِّد الانفجار والتَّطاحن، والصراخ، والضرب، واستخدمي معها أسلوب الترغيب أكثر، والشجيع والتحفيز، والتسامح، والتجاهل لأخطائها، وعدم إعطاء أهمية لعنادها وعصبيتها وردّات أفعالها السلبية، وكوني في تربيتها ليِّنةً من غير ضعف، وشديدةً من غير عنف، حينها ستهدأ وتترك عنادها، لأنَّها لا تجد آذانًا صاغية، ولا تشد انتباهك إلى تصرفاتها السيِّئة، وكوني على ثقة أن طفلتك في هذا العمر تفهم الكثير حتى لو لم تلاحظي تجاوبًا منها.
ثامنا: طفلتك تحتاج أن تتيحي لها الفرصة لتعبِّر عن نفسها، ولتتفاعل مع جسمها وحواسها، ومع الطبيعة وما حولها، فلا تكتمي أنفاسها ودَعيها تُخْرِج طاقتها الصَّغيرة، وغضبها وعصبيتها، واسْمَحي لها بأن تمارس حريتها المشروعة في فرض ذاتها بالطريقة التي تحبُّها وترضيها، لا بالطريقة التي تحبِّينها أنت وترضيك، فهي تتحرَّك بكامرتها الصغيرة وبحواسِّها الفتيَّة، تبصر ما تعجزين عن إبصاره، وتسجِّل ما تعجزين عن تسجيله، فأطلقي العنان لها لتعيش طفولتها بالطريقة التي تريحها نفسيا، سواء من خلال اللَّعب، أو الرَّسم، وحتى لو بتكسير بعض الأشياء أو تمزيقها أو إتلافها، فهي ما زالت في طور التجربة والاكتشاف ومن أخطائها تتعلَّم، وما عليك إلا أن تراقبي تصرفاتها وتوجيهها بهدوء.
تاسعا: خصصي لها وقتا لتوجيهها وتعليمها، من خلال القصص المفيدة والحكايات الهادفة، لأن لها قيمتها التربوية في تنمية خيال الطفل وحسِّه الذوقي والجمالي، واكتسابه لرصيدٍ لغوي، وإشباعِ احتياجاته النفسية لأحاسيس ومشاعر مختلفة، كما تطبع هذه القصص في ذهنها مجموعة من المعاني والإرشادات التي ستنعكس على تصرفاتها في المستقبل، وستساعدك في التخلص من عصبية طفلتك وعنادها، وتربيتها تربية حسنة بعيدة عن العقد والأمراض النفسية.
عاشرا: من ألطف الأساليب المقربة للطفل هو اللعب معه، وحاجته للَّعب مع والديه أكثر من حاجته للعبة نفسها، فشاركي طفلتك اللعب وإخراج طاقتها الحيوية، وانسجمي معها في عالمها الصغير، واخرجي معها إلى الطبيعة، وللمنتزهات العامة حتّى تخالط أطفالا آخرين، وتعيش في أجواء خارجة عن المألوف، من ناحية الترفيه والترويح عن النفس، مما يكون له انعكاسه الإيجابي على سلوكها.
الحادي عشر: لتربي أطفالك تربية حسنة لابد أن تكوني أنت أولا قدوة حسنة، تحققي التوازن والهدوء النفسي داخل بيتك ومع أطفالك، وتتخلي عن مجموعة من الصفات السلبية وإن كانت من طباعك كالعناد، والعصبية، والقلق، والتَّوثُّر الزائد،
فأنت مرآتهن الصادقة، فلا تجعليهن يقلدونك في سلبياتك، وعاداتك السيئة.
الثاني عشر: حاولي أن تطالعي كتبا متخصصة في الصحة النفسية للأطفال، وفي كيفية التعامل معهم، والتحكُّم بردات أفعالهم وسلوكياتهم، لتكتسبي معلومات تربوية صحيحة، تساعدك في المحافظة على صحتهم الجسمية، والنفسية، والعقلية، وطبِّقي منها ما ترينه نافعا مناسبا لأطفالك، وللبيئة وللمجتمع الذي أنت منه، الموافق لقيمك ولمبادئك ولدينك.
كما أنصحك بأن تستفيدي من الدورات التكوينية في كيفية التعامل مع الطفل العنيد والعصبي، في المراكز المتخصصة في العلاج السلوكي والمعرفي، وتواصلي عن قرب مع أخصائي أو أخصائية نفسية لتستفيدي مما يقدمونه لك من تدريبات في كيفية التغلب على هذا النوع من السلوكيات لدى الأطفال.
ختاما أقول لأختي الكريمة: لا تيأسي من تصرفات طفلتك، ولا تستعجلي النتائج والثمار قبل أوان جنيها، فطفلتك كالشريط النظيف، أنت من تسجلين عليه صوتك وخطابك، وكلماتك، ونصائحك وإرشاداتك.. لكن الفرق بين ذاكرة طفلتك وشريط التسجيل العادي أنك لا تملكين أن تسمعي صوت التسجيل، إنما تجدين كلما سجلته يظهر على تصرفاتها وأقوالها وينمو مع مراحل سنها، ولا تنسي أن طفلتك تحتاج منك أن تراقبي تصرفاتها عن كثب، وتفكّري بها بأسلوب الأطفال، لا بأسلوبك كامرأة كبيرة وناضجة، بمعنى أن عليك أن تنزلي بلغتك وبحوارك وبفهمك وبإحساسك وبحجمك الطويل، لمستوى طولها، وفهمها، وإحساسها، ولغتها،.. ولا تنسي أنك في يوم من الأيام كنت في عمرها ولو عدت سنوات طويلة إلى الوراء بالتأكيد سوف تنجحين في فك أسرار شخصية طفلتك، وحل مشاكلها، وقراءة مذكرتها الصغيرة، وماذا تود أن تقوله لك في رسالة عنادها وعصبيتها من رموز وإشارات، فقد يكون عنادها وتمردها ليس إلا رسالة خفية تعبر من خلالها عن رغبتها في تغيير أسلوب معاملتك أو معاملة والدها، بما يتناسب مع سنها ورغبتها، وقد يكون انعكاسًا لظروف تحيط بها، تسبب لها ضغطًا عصبيًا، فاحرصي على فهم هذه الرسائل والانتباه لفحواها، والمبادرة بإصلاح ما تقدرين على إصلاحه أو تصحيحه حتى لا يتحول إلا طبع متجذر فيها.
أسأل الله العلي القدير أن يهديك ويرشدك لتربية بناتك أحسن تربية، ويقر عينك بهن ويصلح من شأنهن، ويجعلهن ذرية صالحة بإذن الله.