سعد عبد المجيد: تركيا تستند إلى ركائز لقرارها ضد "إسرائيل" بخلاف مصر
10 شوال 1432
همام عبدالمعبود

أوضح المحلل السياسي المصري سعد عبد المجيد؛ الخبير المتخصص في الشئون التركية أن قرار الحكومة التركية بتخفيض التمثيل الدبلوماسي بالسفارة "الإسرائيلية" في أنقرة إلى مستوى سكرتير ثان؛ هو بمثابة رسائل للحكومة "الإسرائيلية" بضرورة التعامل بإنصاف مع القضية الفلسطينية، ودعوة للتخلي عن أسلوب العنجهية والغرور؛ الذي تتبناه دولة الكيان الصهيوني، مشيرًا إلى أن "ما كان مقبولا بالأمس لم يعد مقبولا فى عالم".

 

وقال عبد المجيد؛ المقيم بتركيا منذ قرابة ربع قرن؛ في حوار خاص لموقع "المسلم": "تركيا تعرف مدى احتضان الغرب لإسرائيل، وحمايته لها، ولهذا فإنها تتحرك بدقة، وتعمل دون تسرع؛ لكي لا تفقد علاقات تجارية واقتصادية وعسكرية مع الغرب ليس بمقدورها الاستغناء عنها"؛ كاشفًا عن أن "القوى الغربية متعهدة بحماية تل أبيب، وتمدها بكل شيء لكي تتفوق على من حولها، وتساعدها فى المنظمات الدولية والمجتمع الدولى".

 

وأضاف عبد المجيد: "مصر لازلت ضعيفة، ولا تملك خبزها، ولهذا يجب أن تسعى أولا لبناء إرادتها من جديد، بعدما تم تخريبها على أيدى عصابة الرئيس المخلوع حسني مبارك، التي حكمت البلاد ثلاثة عقود متواصلة، نهبت فيها ثروات البلاد، وسيطرت على مقدراتها"؛ موضحًا أن "تركيا لا تستورد القمح، ولديها بدائل كثيرة، وثروة كبيرة من الخضروات والفاكهة والأسماك واللحوم ..إلخ، أما مصر فطبقا لمعلوماتى فإنها تستورد 50 % من المواد الغذائية من الخارج".

 

مزيد من التفاصيل في نص الحوار التالي:

 

كمحلل سياسي وخبير بالشأن التركي... كيف تقرأ القرار التركي بطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة وتعليق الاتفاقيات العسكرية؟
القرار التركي جاء ردًا على تقرير اللجنة الدولية؛ التي شكلتها الأمم المتحدة لتقصي الحقائق؛ بشأن مذبحة السفينة مرمرة الزرقاء، ولأن المعلومات المتوفرة عن مضمون التقرير لم تنصف الجانب التركي؛ وفقا لما أكد عليه الرئيس التركي عبد الله جول، ووزير خارجيته الدكتور أحمد داود أوغلو؛ فقد استخدم الأتراك طريقة دبلوماسية مرنة فى طرد السفير الإسرائيلي بطريقة غير مباشرة؛ تمثلت في تخفيض التمثيل الدبلوماسي بالسفارة الإسرائيلية في أنقرة إلى مستوى سكرتير ثان.
وهو ما يعنى عدم سماح تركيا بوجود تمثيل دبلوماسي إسرائيلي على مستوى السفراء، وهى رسالة دقيقة توجهها تركيا لكل من تل أبيب والولايات المتحدة وأوروبا؛ لأن تركيا دولة عضو بحلف الأطلسي، ولا تريد إغضاب الحلف وزعيمته الولايات المتحدة؛ ومن ثم فإن إدارة حكومة حزب العدالة والتنمية تبحث عن القرارات غير الراديكالية؛ لكى تحافظ على علاقاتها مع الغرب.

 

وما مضمون هذه الرسالة التي أرادت تركيا أن توجهها إلى تل أبيب وأمريكا وأوروبا؟
الرسالة تقول باختصار شديد لتل أبيب: نحن لازلنا نحترمكم، ولا نريد توجيه إهانة لكم، وإنما نريد منكم التعامل معنا بإنصاف، وكذا مع القضية الفلسطينية، كما ندعوكم إلى التخلي عن أسلوب العنجهية والغرور؛ لأن ما كان مقبولا بالأمس لم يعد مقبولا فى عالم اليوم.
كما أن تركيا تعرف مدى احتضان الغرب لـ"إسرائيل"، وحمايته لها، ولذا فإنها تتحرك بدقة، وتعمل في هذا الملف بهدوء ودون تسرع؛ حتى لا تفقد علاقات تجارية واقتصادية وعسكرية مع أوروبا ليس بمقدورها الاستغناء عنها اليوم، ولا بمقدورها أن تخطو بمفردها مغردة بعيدة عن سرب الحلف الغربي.

 


لكونك بالأساس إعلامي ومحلل سياسي مصري، وتعرف ظروف مصر جيدًا؛ هل تعتقد أن بوسع مصر أن تأخذ قرارًا مثل القرار التركي هذا في هذا التوقيت؟

 

الحالة المصرية متشابهة مع الحالة التركية؛ من حيث الارتباطات مع الغرب، والبنوك والمنظمات الدولية التى يسيطر عليها الغرب؛ لذا لا أتوقع قيام مصر الجديدة بقرارات "عنترية" تقود لفرض ضغوط كبيرة عليها، وهي في مرحلة الضعف المالي والاقتصادي؛ ولازالت تمد يدها للغرب، ومؤسساته التمويلية؛ خاصة وأن الثروات العربية فى فم الأسد الغربي، ولا يتحكم فيها العرب.

 

ولا يجب أن ننسى أن القوى الغربية هي المتعهدة بحماية تل أبيب، وتمدها بكل شيء، لكي تتفوق على من حولها، وتساعدها فى المنظمات الدولية و"المجتمع الدولى"؛ كما أذكرك بأن الأسلحة الرئيسية في الجيش المصري غربية؛ ويمكن أن تتحول إلى قطع من الحديد إذا منع الغرب عن مصر قطع غيارها، وخاصة قطع غيار الطائرات الحربية، بينما روسيا الحالية تسير فى ركب الغرب، وتتعامل معه، ولم يعد لديها مفهوم الدولة السوفيتية والإشتراكية القديمة.

لكن أليست حالة الضعف البادي على دولة الكيان الصهيوني فرصة مواتية لمصر يجب استثمارها؟
صحيح أن تل أبيب تتعرض لضعف ما؛ للمرة الأولى في تاريخها، ولكن نحن كمصريين لازلنا ضعفاء، لا نملك خبزنا، ونحاول بناء إرادتنا من جديد، بعد تخريبها على أيدى العصابة غير المباركة، التي حكمت البلاد لثلاثة عقود متواصلة، نهبت فيها ثروات البلاد.
فمن يمكن أن يمدنا بالسلاح فى حال اندلاع حرب مع الكيان الصهيوني؟، ومن يمكن أن يوفر لنا نصف كمية القمح التى نستهلكها سنويًا لإنتاج احتياجاتنا من الخبز؛ فنصف الكمية على الأقل تأتينا من الغرب، وليس لدينا بديلا، فمن يمكن أن يقنع الفقراء بعدم وجود خبز خصوصًا ونحن بلد ليس لدينا بدائل قوية.

 

وهل الفارق بين مصر وتركيا كبير إلى هذا الحد؛ الذي يسمح لها بإصدار قرارات تاريخية نعجز نحن في مصر عن إصدارها؟!
هذه حقيقة يجب الإقرار بها؛ ففى تركيا الخبز ليس غذاءً رئيسًا، كما أن تركيا لا تستورد القمح، ولديها البدائل الكثيرة، فضلا عن ثروة كبيرة من الخضروات والفاكهة والأسماك واللحوم ..إلخ، وطبقا لمعلوماتى فإن مصر تستورد 50% من المواد الغذائية من الخارج، نحن إذن فى حاجة لإعادة البناء، والبحث عن البدائل الغذائية؛ لكي نتحرر ونصدر قرارات دون خوف أو توجس من نتائج عسكية.
كما أن تركيا تصنع أسلحتها ذاتيًا، ولديها مستويات إنتاج متعددة بمجالات متعددة، وهى حاليًا تسعى لإنتاج طائرة حربية تركية؛ بعد أن صنعت دبابة ومدفع وصاروخ وبندقية وذخيرة وغيرهم، فضلا عن أن تركيا لم يقهرها أو يذلها شخص مثل مبارك وعصابته، الذين نهبوا البلاد وأفقروا العباد.

 

لكن هل تعتقد أن تركيا ستصعد من الأمر في حال عدم تجاوب إسرائيل؟ أم أنها مجرد مناورة؟ وإلى أي مدى؟
نعم؛ تركيا ستصعد ولن تتراجع إلى الخلف، ولكنه تصعيد بشكل محسوب وتدريجي؛ أما عن إلى أي مدى فإن هذا يتوقف على الطرف "الإسرائيلي"، وقراراته وتصرفاته.

قرأت اليوم خبرًا في جريدة الوسط المصرية؛ عنوانه (تركيا: الجيش يحمي السفن المتجهة إلى غزة ولن نترك البحر المتوسط لإسرائيل!) وفي التفاصيل أن تركيا أكدت أن جيشها سيقوم بتأمين سفن المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة خلال الفترة المقبلة، مشددة على أنها لن تترك شرق البحر المتوسط لإسرائيل لكي تواصل فيه تهديداتها ضد المدنيين... فما تعليقك على هذا الخبر؟

 


هذا الكلام قيل بطريقة غير مباشرة من وزير الخارجية التركي الدكتور أحمد داود أوغلو، ولذا لا يمكن القطع به، أو وضعه فى خانة حماية مدخل قطاع غزه البحري، نعم صحيح أنه من المنتظر قيام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بزيارة إلى غزة، لكن في اعتقادى أن هذا سيكون عن طريق الحدود البرية المصرية، وليس عبر مظاهرة بحرية فى حماية البحرية التركية!

وإذا حدث كسر حقيقى للحصار فلا بد وأن يكون بالتعاون مع مصر، وأردوغان سيزور مصر قريبًا، وربما يكون ضمن الأجندة بحث هذا الأمر مع حكومة الدكتور عصام شرف، رئيس مجلس الوزراء، والمجلس العسكري بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي، وربما تؤجل الزيارة لحين الانتهاء من إجراء الإنتخابات البرلمانية، وتشكيل الحكومة المصرية الجديدة.

 

إلى أي مدى كسبت تركيا من هذا القرار وإلى أي مدى خسرت؟
لا شك أن تركيا كسبت من إعلانها هذا القرار التاريخي؛ من الناحية المعنوية؛ وعلى المستويين العربي والإسلامي؛ لكن حسابات الخسارة لم تتضح بعد!.

 

وما ردود فعل الشارع التركي؟.. مع أو ضد القرار؟
الأمر لم يتضح بعد؛ لأننا فى عطلة عيد الفطر؛ ومدتها في تركيا 9 أيام، والقرار جاء خلال أيام العيد، ومن ثم لم تتضح الصورة بعد!

 


لكن بخبرة السنين الطويلة التي قضيتها في تركيا، والتي تقارب ربع قرن من الزمان.. ماذا تتوقع من الداخل التركي إزاء هذا القرار؟

أتوقع أن يعجب الداخل التركي بالقرار؛ لأن هناك دم وثأر شعبي لدى إسرائيل، والأتراك شعب غير متسامح أو متهاون، وطبيعتة عنيفة وعنيدة؛ وهو لا يترك حقوقه، ويميل للإنتقام والرد، ولديه إحساس وغرور بالقوة التاريخية، وربما ترفضه المعارضة؛ وأقصد الحزب الجمهورى الذي يخالف حكومة العدالة والتنمية فى كل شيء؛ لإثبات وجوده كمعارض، معارضة للمعارضة فقط!

 

إذن هي أيضا معركة بالداخل سيسببها هذا القرار؟
ربما إلى حدٍ ما؛ ولكن ليس بشكل كبير؛ لأن معارضة الحزب الجمهوري لم يعد لها مردود شعبي، فهو (الحزب الجمهوري) يعبر عن قطاع محدد، يتراجع ويتآكل بشكل مستمر، وبقية الأحزاب فى صف الحكومة بشكل أو بآخر؛ خاصة حين يتعلق الأمر بالمواطنين والحقوق وحق الرد، والحزب الجمهوري يعبر عن نخبة علمانية أتاتوركية، وينطوي به عدد كبير من العلويين.