22 صفر 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا متخرجة منذ أقل من سنة من قسم المحاسبة، ولا مجال لطرح معاناتي النفسية في دراستي (أرق وقلق وضغوط نفسية)، من أسباب مشكلتي هو إعطائي الأمور أكبر من حجمها، وقلة ثقتي بنفسي، مع العلم بأني نجحت في دراستي واستطعت أن أحقق أعلى الدرجات، ومع ذلك كنت أكره الجامعة، وأكره المباني والطالبات، وكنت أشعر باكتئاب، وأنتظر التخرج بفارغ الصبر.. لكن أثَّر ذلك على نفسيتي بعد التخرج؛ فلم أعد أرغب في الوظيفة وكرهت الروتين، مع العلم أن الجميع أقنعني بأن الوظيفة مختلفة عن الدراسة، ودائما أعاتَب من قِبَل أهلي بالكسل وعدم تحمل المسؤوليه.. حتى إنني تقدمت لوظيفة في قطاع خاص وباشرت العمل، لكن من اليوم الأول لم أستطع الانسجام وانسحبت من الوظيفة، ويعود ذلك لسببين: ضغط العمل الشديد، وقلة خبرتي وشعوري بالاكتئاب بمجرد التفكير بالتقديم على وظيفة! حتى إنني لم أستطع النوم قبل موعد الوظيفة؛ لأنني لم أستطع إبعاد الأفكار التشاؤمية والوساوس.. مشاعري متضاربة، لكن حاولت أن أوضح صورة حالتي وأطلب المشورة والنصح منكم؛ لأن الاستسلام والتوقف عند حد معين من الحياة ليس طموحي!

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وحياك الله في موقع المسلم.
أختي الكريمة: لا أدري ما هو السبب وراء معاناتك النفسية أثناء دراستك، هل التحقت بهذه الكلية مرغمة؟ اختارها لك الأهل، أو أنك اضطررت لدخولها بسبب نتيجة الثانوية العامة مثلاً؟
فيك صفات جميلة تفتقدها الكثيرات، فأنت –ما شاء الله- طموحة، ولا تحبين الاستسلام، وناجحة في دراستك بتفوق. فلم التشاؤم والاكتئاب؟! وما السبب في قلة الثقة بالنفس؟
كل ما في الموضوع أنك -كما تفضلت- تعطين الأمور أكبر من حجمها، وتنساقين خلف الوساوس. الناجحون المتفوقون من أمثالك يستعينون بالله، ولا يترددون، ويتنقلون من نجاح لنجاح فابعدي عنك الأوهام، وتجنبي الفراغ الذي يأتيك بمثل هذه الأفكار. إذا أويت لفراشك فاشغلي نفسك بالذكر حتى تنامي، إن لم تستطيعي التركيز اقرئي من المصحف حتى يغلبك النعاس، أو حتى يمكن قراءة أي كتاب، المهم لا تضعي رأسك على الوسادة وتطلقي لأفكارك العنان.
من أسباب الإحساس بالاكتئاب وضيق الصدر وتسلط الشيطان وإكثاره من الوساوس البعد عن الذكر، والتقصير في الفرائض، فاحرصي –حفظك الله- على أداء الصلوات المفروضة في وقتها، وحاولي الانتظام في السنن الراتبة، واشغلي لسانك بكثرة الذكر والاستغفار وليكن قلبك حاضراً ما استطعت. واجعلي لك ورداً من القرآن تحرصين عليه، فبالذكر والقرآن تطمئن القلوب، ويذهب كيد الشيطان. كذلك داومي –أختي الكريمة- على أذكار الصباح والمساء، وأكثري من الدعاء، فرب دعوة في سجدة تحل مشكلتك بلا رجعة.
كذلك بادري إلى اجتناب المعاصي كسماع الأغاني، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، وغيرها.
أما مشكلة إعطاء الأمور أكبر من حجمها فأحد أسبابها فيما يبدو الوساوس والتخيلات، فكل موقف عابر ترين في ثناياه مشكلة، ثم تتضخم المشكلة المتوهمة في ذهنك بسبب التشاؤم فتكون ردة فعلك في النهاية أكبر بكثير مما يتحمله الموقف. فحاولي أن تأخذي الأمور على ظاهرها، وأحسني الظن بمن حولك، واستعيني بالله وأحسني الظن به سبحانه، وتفاءلي خيراً تجديه بإذن الله.
أما السبب الآخر فيما أظن فهو التطلع لبلوغ القمة فوراً دون مكابدة المشقة، ولابد من الصبر وتحمل المشقة في التعلم والتطبيق. فيوم واحد ليس كافياً للحكم على العمل، ومن الطبعي أن لا يكون عندك الخبرة الكافية ما دمت لم تمارسي العمل من قبل، لكن بشيء من التمرس ومع مضي الوقت يسهل العمل ويخف الضغط، وحتى ذلك الحين لابد من التحمل والصبر.
قد يكون السبب كذلك عدم قدرتك على الانسجام مع من حولك لميلك للعزلة، وضيقك بتعليقاتهم وتصرفاتهم مثلاً التي قد يكون سببها تضخيمك للأمور. وإن كان الأمر كذلك فلابد من خروجك من هذه العزلة على الأقل في حدود المقربين. وبادري بمساعدة من حولك والانغماس معهم في أي برنامج يشغلك. مثلاً ما دمت متفوقة أكاديمياً يمكن مساعدة بعض قريباتك في فهم بعض المواد التي تحسنينها. المهم استفيدي من قدراتك وامكاناتك وسخريها في إيجاد برامج تستهلك جزءاً من وقتك وطاقتك، وتقوي علاقاتك الاجتماعية، واحتسبي أجر ذلك العمل كذلك.
ملاحظة أخيرة: النجاح والسعادة في الحياة لا يقتصران على التفوق الدراسي والالتحاق بوظيفة، بل السعادة الحقيقية في طاعة الله وتجنب معاصيه، سواء كنت في المنزل أو خارجه. ومن أنواع المعاصي التي ألفها الناس حتى لم تعد في عداد المعاصي الاختلاط في بيئة الدراسة والعمل فاجتنبيه ما استطعت وفقك الله.
جربي ما ذكر من اقتراحات وتذكري دائماً أنك بحول الله قادرة على تخطي المشكلات. حددي لنفسك مدة تنفذين فيها برنامج التغيير هذا، فإن لم تشعري بتغير وتحسن فاستشيري طبيبة نفسية.
أسأل الله لك التوفيق والسداد.