28 ربيع الثاني 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: وبعد، أنا سيدة أبلغ من العمر 24 سنة، وأم لطفلتين، الكبرى عمرها سنتان، والصغرى 9 أشهر، وأعاني من مشاكل كثيرة مع زوجي، وهي تتلخص في: أنه عصبي جداً، وغيور بدرجة كبيرة، ويشعرني دائما بأنه لا يريد الاستمرار معي، وأنه يتمنى زوجة يكون من صفاتها الصدق، والإخلاص، والحنان.. لأنني بنظره أفتقدها، ولما واجهته وقلت له: بأنني ما دمت بهذه الصفات السيئة لماذا لا تزال متمسكاً بي، فأجابني بقوله: أنا أبقي عليك حتى أجد غيرك، فهو يتفنن في الإساءة لي، ودائما يردد علي: أنه ما يمنعه عن تطليقي ظروفه المادية فقط، وأنني لو تنازلت له عن حقوقي فلن يتوانى عن ذلك، كما يهينني كثيراً أثناء ثورة غضبه، مع أنني أصبر عليه ولا أجادله أو أغضب، وأسامحه لأنني أحس بندمه، ولكنه ما يلبث أن يعود لثورة غضبه ولأتفه الأسباب، ويظل يجتر مشاكل حدثت قبل سنوات ويعيدها بالتفاصيل، فأذهب إلى بيت عائلتي وهو في كل مرة يصالحني ويعيدني، ولكن للأسف نعود لأسوأ مما كنا عليه وتزداد نقمته علي، ومع أنني حاولت الاستعانة بأسرته ولكنهم فشلوا في مساعدتي، وزاد الأمر سوءاً لأنني أفشيت لهم أسرار بيته، ولكن علاقته جيدة بابنتيه، إلا أنهما يتأثران بخلافاتنا وشجاراتنا، كما أنه يتدخل بكل أمور البيت حتى في نظافته، ويتهمني بأنني لا أتقن فعل أي شيء، مع أن بيتي مثال للترتيب والنظافة، كما أنني ملتزمة دينياً، وعلى درجة عالية من الجمال، ومن عائلة مرموقة، وأنا حالياً في منزل عائلتي وطلبت منه الطلاق، لأنني لم أعد أستطيع التحمل أكثر، فشعوري بأنه لا يرغب فيّ يقتلني، وكثيراً ما أُصاب بالاكتئاب النفسي، وهذا كله يؤثر على ابنتيّ، إلا أنني أخاف على مستقبلهما، وأن أعاني إن حرمتهما من والدهما، فرجاءً لا تهملوا رسالتي وحاولوا أن تخففوا عني، وتنصحوني، وجزاكم عن أمة الإسلام خير الجزاء ونفع بكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أختي السائلة الكريمة: اعلمي أن الحياة الزوجية تحتاج الكثير من المجاهدة للنفس وللآخر الذي هو شريكك والذي اختاره قلبك وعقلك، وأنت ذكرت في رسالتك كل الجوانب السلبية في زوجك والجوانب الإيجابية في شخصيتك، لكن من العدل والإنصاف أن تفكري بنفسك وتواجهي حقيقة شخصيتك، وتعرفي الأسباب الحقيقية التي وراء عصبية زوجك وغيرته الشديدة، وقبل أن تقرري الطلاق، لابد أن تفكري جيدا هل هذا القرار هو الحل لمشاكلك ولمعاناتك، أم أنه بداية لمعاناة أكبر في مجاهدة واقع حياة جديدة داخل أسرتك، وفي تربية بناتك بمفردك.
ولتصلي للقرار الصائب وللحل المناسب أرشدك أولا إلى الأخذ بمجموعة من الإرشادات منها:
أولا: إن علاج العصبية الزائدة يبدأ بلجوئك إلى من بيده إصلاح النفوس وهدايتها، فتقربي إليه بالدعاء وألحِّي عليه في طلب أن يصلح زوجك ويرشده للخير ويهديه، فلا يهدي لأحسن الأخلاق ولا يصرف سيئها إلا هو سبحانه، واعلمي أن طاعتك لله مما يصلح زوجك ويجلب لك التوفيق والخيرات.
ثانيا: ابتعدي عن أسباب غضبه وتفادي دواعي غيرته ومواطنه ما استطعت لذلك سبيلا، وتأكدي أن طاعتك له، واستسلامك لرغباته المشروعة، وتخليك عن مخالفته وعصيانه وعناده سيقربه منك، ويصلح من شأنه.
ثالثا: خذي بوصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم للغضبان، واصرفي غضب زوجك بالتزامك بأمور منها:
- تعوَّذي بالله من الشيطان الرجيم وترفعي صوتك بها لتذكِّرين بها زوجك وقت الغضب.
- التزمي الصمت والهدوء والحكمة، فلا تردِّي على كلمته الجارحة ولا على إساءته بمثلها، بل قولي له قولا لينا، وتصدّقي عليه بالكلمة الطيبة، والابتسامة، وأشعريه بحنانك ورفقك وطيبة قلبك، فذاك يهزم أشد الرجال وأقساهم طباعا.
- غادري الحجرة التي يحصل فيها الخلاف بينك وبين زوجك إلى حجرة أخرى داخل المنزل، وتجنبي ترك منزلك والذهاب إلى بيت أهلك، وطلب مساعدتهم والتدخل في حلِّ مشاكلك، وحافظي على أسرار بيتك داخل محيط بيتك، لتمنعي تدخُّل شياطين الإنس والجن فيفسدوا عليك حياتك، ويزرعوا في قلبك كره زوجك والنفور منه، ويزيِّنوا لك الطلاق وفراقه وهجره.
- غيِّري الهيئة التي تكونين عليها وساعدي زوجك على ذلك، فإن كان واقفًا أطلبي منه أن يجلس، وإن كان قاعدًا أمسكيه برفق حتى يضطجع، واجلبي له كوب ماء أو عصير، وقدميه له بشكل لطيف حتى يهدأ.
- أكثري من ذكر الله وذكِّري زوجك بذلك، وعوِّدا لسانكما ساعات الغضب على دفع الغضب بالتَّلفُّظ بالكلمات الطيبة لا بالسِّباب والشتم والإهانة، وخاطبي زوجك بأسلوب يطيِّب خاطره ويرد ثورته كقولك له: "الله يهديك"، "الله يغفر لك"، "الله يسامحك"، " الله يرضى عنك"، " الله يغفر لك"، وكل الجمل التي تعبرين من خلالها عن احترامك لمشاعره وأحاسيسه، وعن حبك له وافتخارك به، وحزنك لغضبه، وحتى لو استمر في ثورته دَعِيه يفرغ شحنة غضبه، واعتبريها حالة نفسية أو مرضية وعلاجها بيدك، وهو يحتاج إلى صبرك وتحملك.
- توضئي وذكرِّي زوجك بذلك، فإن عجزت أن تقنعيه بذلك امسحي على وجهه ورأسه بالماء، لأن الشيطان خلق من النار ولا يطفئ لهيب النيران إلا الماء.
- توجَّهي إلى الصلاة خاصة في حالات شدة غضب زوجك، فالصلاة تفرج الكربة، وترفع الغمة، وتعالج ضيق الصدر، وهي تُشيع الطمأنينة في البيت وتطرد الشياطين، وتبعث على الراحة النفسية، وكما قال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ} [الحجر:97 – 99]
رابعا: زوجك يحتاج منك أن تتفهَّمي أسبابه النفسية، وأن تكبِّري عقلك وتتعالَيْ عن التفكير الضيق بما يقوله ساعات غضبه وغيرته، لأنها ساعات يفقد فيها الإنسان حكمته وتمييزه بين الحق والباطل، واتزانه واستقراره النفسي، وتحكُّمَه في ردّات أفعاله وأقواله وتصرُّفاته، فيصير كالمجنون لا يفرق بين الصَّواب والخطأ، فقوّي إحساسك ولا تضعفي أو تنكسري لشعورك بالمهانة، بل برِّري تصرفاته وإذلاله لك وإهانته وإساءته على أنها فساد في الطبع أو نتيجة تربية غير سويَّة، وفسِّريها على أنها تعبير غير مباشر عن حبه لك بمنطقه الذَُكوري، وإلاَّ فما معنى غيرته عليك، وما معنى إصراره على استمرار علاقتكما معا، على الرغم من خلافاتكما المتكررة، أما مبرراته المادية التي تمنعه من طلاقك، وأنه يمهل تنفيذ هذا القرار لغاية ما يجد زوجة أخرى، لا تتعدّى أن تكون مبرِّرات واهية جدا استخدمها كسلاح ضدك ليضعفك، ويقمع تحّديِك ومواجهتك له، ويكسر كبريائك وتجرُّئك عليه، فيُلزمك طاعته والخضوع لسلطانه، لأنه لا يمنع الزوج عن طلاق زوجته، إلا حبه واحترامه لهذه المرأة ولبيته ولأولاده، وخوفه من فراقهم والتخلّي عنهم، وشعوره بالمسؤولية والالتزام اتجاههم، ولو كان حقا يرغب في سواك أو طلاقك لبحث عن ألف حل لأسبابه المادية وبأي شكل من الأشكال، وما كان سيمنعه مانع عن الزواج بأخرى أو فراقك، كما بإمكانه أن يستدين، أو يضيَّق عليك لغاية ما تتنازلي له عن كل حقوقك المادية، فتطلبي منه الطلاق بدون أي التزامات أو أداء لواجبات، أو أن يهجرك ما شاء من الزمن ويتركك كالمعلقة، لكنه لم يفعل، بل كان في كل مرة تغضبين فيها تحسِّين فيها بندمه ويأتي ليُصالحك ويردَّك لبيتك على الرغم من شدته.
خامسا: تعرَّفي على مفتاح قلب زوجك وعقله، فالعصبي بطبعه غالبا ما يكون طيب القلب، يحتاج فقط لمن يمتص غضبه ويصبر عليه حتى يهدأ، وبعدها بإمكانك محاسبته بهدوء، وتعريفه بخطئه من غير تعنيف أو عتاب بل ذكريه بالله، ولا تقابلي العصبية بعصبية فهي نار تدمر الحياة الزوجية.
وإجمالا: أنصحك بأن تتركي فكرة الطلاق وتحافظي على بيتك وحياتك الزوجية والأسرية، فأنت صاحبة رسالة سامية غايتك أن تحقِّقي النجاح كزوجة وكأم تملك أن تدير شؤون بيتها بحكمة واتزان وتوفر الاستقرار داخل بيتها والسعادة لكل أفراده، وتملكين أن تنتصري على همومك وأحزانك، تساهمين في إصلاح نفسك وزوجك، وتوثِّقين علاقتك بزوجك وبناتك، وتحاسبين نفسك على أخطائها ومساوئها، ولا تنظرين لنفسك بمنظار الجمال وزوجك بمنظار القبح، لأن كلاكما يحمل الكثير من المحاسن والمساوئ، وكلاكما يشارك من جانبه فيما يحصل بينكما من خلافات، وحتى وإن كنت مظلومة كوني عادلة ومنصفة وسبّاقة للخير وللعطاء، وغيِّري أولا من نفسك ومن عاداتك وطباعك، واشغلي نفسك بأمور أهم من التفكير بغضب وغيرة زوجك، وهي كيف تملكين قلبه وعقله، وكيف تنالين رضاه، وكيف تسعدينه، وكيف تتعلمين مهارات جديدة في التعامل معه، وفي ترتيب بيتك وتنظيمه، واظْهَري في كل مرة أمامه بمظهر مختلف وبصورة للمرأة التي يتمناها هو وتسعده لا بالصورة الذي ترضيك وتسعدك، لأن مقاييس الجمال عند زوجك حتما تختلف عما عندك، لهذا جرِّبي أن ترى بعيونه وتحسي بإحساسه، وتفكِّري بتفكيره، لتكتشفين مواطن الجمال والقبح بمفهومه وتعرفي ما يحبه وما يكرهه، فتنجحي في أن تكوني المرأة التي يبحث عنها ويقارن بينك وبينها في خياله وأحلامه، وابحثي عن أسباب ما يجري بينكما من خلافات وقومي بحلِّها بنفسك فأنت أقوى بكثير من أن تلجئي لغيرك بحلها، وبإيمانك، وعقلك وذكائك، وحكمتك ستملكين قلب زوجك واحترامه، وبأسلوبك الراقي واللين تكسبين مودَّته، فاقنعيه بكفاءاتك ومهاراتك بدل أن تتحدّيه أو تواجهيه بحقيقته وأخطائه، أو تفضحينه أمام أهلك أو أهله، وحسِّسيه برجولته وسلطته، وأشْعِريه بكرامته ونخوته وقوامته وسلطته المشروعة، وأنه الرجل والسيد داخل بيته ومملكته فهذا لا يعيبك، بل يشرِّفك ويحسِّسه بحبك وافتخارك واحترامك له، وبهذا تنجحين في علاج زوجك، وتقوِّمين تفكيرك به وتنظرين إليه بطريقة مختلفة، تصيرينِ سكنه بما يحمله من معاني الحب والصحبة والرفقة والعلاقة الراقية للحياة الزوجية السعيدة.
أسأل الله العلي القدير أن يصلحكما ويوفق بينكما ويصلح ذريتكما ويصرف الشيطان عنكما ويهديكما لما يحبه الله ويرضاه.