دلالات صفقة تحرير الأسرى الفلسطينيين
22 ذو القعدة 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

في وقت كان يسعى فيه رئيس السلطة الفلسطينية ـ المنتهية ولايته ـ محمود عباس الحصول على شعبية زائفة عن طريق طرح موضوع الدولة الفلسطينية في الامم المتحدة وهو يعلم جيدا أنه لن يصل إلى شيء سوى الجلبة الإعلامية و"فلاشات" كاميرات المصورين, ووسط التمثيلية التي حاولت أمريكا إخراجها بشأن رفض عباس التراجع عن طرح موضوع الدولة وتهديد واشنطن باستخدام الفيتو تجاه هذه الخطوة ثم رجوع عباس إلى الضفة وتحضير استقبال حافل له من قبل حركة فتح , في هذا لوقت الذي كان عباس يمثل دور البطولة في المسرحية الامريكية الهزلية والمعدة سلفا من أجل "تنجيم" عباس بعد أفوله, جاءت صفقة الاسرى التي صنعتها حماس وتمكنت من إطلاق أكثر من ألف أسير فلسطيني من المقاومين للاحتلال مقابل جندي واحد فقط صهيوني وهي أضخم صفقة للإفراج عن الاسرى في تاريخ الصراع العربي ـ الصهيوني وبأقل خسائر ممكنة وبشروط هي الافضل خصوصا مع العلم بأن المبعدين من الاسرى سيعودون إلى فلسطين بعد فترة وجيزة..

 

هناك أكثر من دلالة جديرة بالالتفات إليها في هذه الصفقة, الاولى: إن الحصول على مكاسب حقيقية على الارض في الصراع مع الاحتلال لن يتم إلا بالمقاومة والجهاد وإراقة الدماء وليس عن طريق أروقة الفنادق والامم المتحدة والموائد المستديرة وأكواب العصير..

 

الدلالة الاخرى هي أن التعامل مع الاحتلال يحتاج إلى نفس طويل فهذه الصفقة تُبحث منذ سنوات وخضع الاحتلال لشروط المقاومة رغم رفضه المتواصل لها أما منطق التسرع والتنازل عن الحقوق في سبيل الوصول لأي مكسب فهو يزيد من عناد وصلف الاحتلال ويشعره بضعف الطرف الآخر..

 

كما كشفت الصفقة عن كذب الدعاية التي يبثها الاحتلال واعوانه عن قوته وأسلحته وجواسيسه وتمكنهم من معرفة أي مخطط للمقاومة, فقد فشل تماما في معرفة أي معلومات عن مكان شاليط طوال 5 سنوات كما فشل في تنفيذ عملية مسلحة لإنقاذه رغم التحدي الذي كانت تظهره المقاومة ليل نهار..

 

ومن دلالات الصفقة أن الدول العربية إذا أرادت أن تساعد الفلسطينيين حقا فعليها أن تقف وراء خيارات المقاومة قبل خيارات التفاوض لأن التفاوض بلا قوة يعني الاستسلام, وهو ما قامت به مصر ما بعد الثورة حيث زالت الحساسيات التي كان يضعها نظام مبارك البائد مع حركة حماس المقاومة, واستطاعت القاهرة أن تقوم بدور فعال في إتمام الصفقة دون ضغوط أو إملاءات وظهر ذلك جليا في تصريحات مشعل التي أشاد فيها بالدور المصري ..

 

كذلك من الصور المضيئة في هذه الصفقة تأكيد المقاومة على مواصلة طريقها حتى إطلاق آخر أسير في سجون الاحتلال وعدم الاكتفاء بالنجاح الذي وصلت إليه, كما يحسب أيضا للاسرى الذين لم تشملهم الصفقة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات ثناؤهم على الصفقة وتأييدهم لها واعترافهم بأهميتها وتأكيدهم على ضرورة استمرار المقاومة..

 

في نفس الوقت أوضحت الصفقة أن طريق المصالحة الحقيقية بين حركة فتح وحماس أمامه وقت طويل فزعيم فتح محمود عباس تجاهل تماما دور حماس في الصفقة واكتفى بتهنئة الاسرى المحررين ومصر فقط رغم أن هذه الصفقة خلقت أجواء مواتية للتقارب بين الطرفين ..

 

لا زال الطريق طويل من أجل تحرير بقية الارض وبقية الاسرى ولكنه بصيص نور في ظلمات حالكة ساعد الربيع العربي على إشعاعها, وتظل إرادة المقاومة وصبر الشعب الفلسطيني أهم معاول هدم أسوار الاحتلال ولو بعد حين.