أنت هنا

فوائد من بطون كتاب الحج
28 ذو القعدة 1432
اللجنة العلمية

استصحاب ماء زمزم

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصحب معه من ماء زمزم شيئا. قال الحافظ أبو عيسى الترمذي حدثنا أبو كريب، حدثنا خلاد بن يزيد الجعفي، حدثنا زهير بن معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة،  أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله
ثم قال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال البخاري حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله- هو ابن المبارك- حدثنا موسى بن عقبة، عن سالم ونافع، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  إذا قفل من الغزو أو من الحج أو من العمرة، يبدأ فيكبر ثلاث مرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده
والأحاديث في هذا كثيرة ولله الحمد والمنة.

 

ذكر أسماء الأيام التي يقع فيها الحج

اليوم السادس من ذي الحجة قال بعضهم: يقال له يوم الزينة، لأنه يزين فيه البدن بالجلال وغيرها.
واليوم السابع يقال له يوم التروية، لأنهم يتروون فيه من الماء ويحملون منه ما يحتاجون إليه حال الوقوف وما بعده.
واليوم الثامن يقال له يوم منى لأنهم يرحلون فيه من الأبطح إلى منى.
واليوم التاسع يقال له يوم عرفة، لوقوفهم فيه بها.
واليوم العاشر يقال له يوم النحر ويوم الأضحى ويوم الحج الأكبر.
واليوم الذي يليه يقال له يوم القر، لأنهم يقرون فيه، ويقال له يوم الرءوس لأنهم يأكلون فيه رءوس الأضاحي، وهو أول أيام التشريق.
وثاني أيام التشريق يقال له يوم النفر الأول، لجواز النفر فيه، وقيل هو اليوم الذي يقال له يوم الرءوس. واليوم الثالث من أيام التشريق يقال له يوم النفر الآخر. قال الله تعالى:  {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه} الآية.

 

وصف الكعبة

وأما صفة الكعبة فاعلم أن الكعبة البيت الحرام مربعة البنيان في وسط المسـجد، ارتفاعـها من الأرض سبـعة وعـشرون ذراعـا، وعرض الجـدار وجهـها الآن أربعـة وعشرون ذراعا، وهو الذي فيـه بابها، وعرض مؤخرها مثل ذلك، وعرض جدارها الذي يلي اليمن، وهو فيما بين الركن اليـمـاني والركن العـراقي، وهو الذي فـيـه الحـجر عشـرون ذراعا، وإلى وسـط هذا الجدار كـان يصلي النبي صلى الله عليه وسلم قـبل هـجـرته إلى المديـنة، وعـرض جـدارها الذي يلي الشام وهو الذي فـيـما بين الركن الشامي والركن الغـربي أحد وعشرون ذراعا، وميزاب  - ص 29 - الكعبـة على وسطه يسكب في الحـجر، ومن أصل هذا الجدار إلى أقصى الجدار ستـة عشر ذراعا، وعرض باب الحجر الشامي خمسة أذرع إلا شيء يسير، وعرض بابه الغربي ستـة أذرع إلا شيء يسير، وجدار الحـجر مدور من بابه الشـامي إلى بابه الغـربي كالطيلسـان وعرضـه ذراع، وارتفـاعه من الأرض أربعة أشـبار، والحجـر الأسود في الركن الـعراقي المقابل لزمـزم، وهو سبـعة أشبار من الأرض، وباب الكعبـة على أربعة أذرع من الأرض وعلوه ستـة أذرع، وعرضه أربعـة أذرع وما بين الباب والحجر الأسـود أربعة أذرع، ويسمى ذلك الموضع الملتزم، لأن رسـول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ مـن طوافه التزمه ودعا فـيه، ثم التـفت فرأى عمر فقـال:  هاهنا تسكب العبرات
ومن الباب إلى مصلى آدم عليه السلام حين فرغ من طوافه وأنزل الله عليه التوبة، (وهو موضع الخلوق ومن أزار الكعبـة أرجح من سـبعـة أذرع) وكان هناك موضع مقـام إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم عنده حين فرغ من طوافه ركعتين، وأنزل الله عليه:  واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى  ثم نقله صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي هو فيه الآن وذلك على عشرين ذراعـا من الكعبة لئـلا ينقطع الطواف بـالمصلين خلفـه، أو يتـرك الناس الصلاة خلفه لأجل الطواف حين كثـر الناس، وليدور الصف حول الكعبة، ويري الإمام من وجهه، ثم حمله السيل في أيام عمر، وأخرجه من المسجد فأمر عمر برده إلى مـوضعه الـذي وضعه فـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين  - ص 32 - مـوضع الخلوق، وهو مصلـى آدم عليـه السـلام وبين الركن الشـامي ثمـانيـة أذرع، ومن الركن الشـامي إلى اللوح المرمـر المنقـوش في الحـجـر الذي بني هناك ابن الزبير ركن البيت، وهو على قواعد إبراهيم عليه السلام تسعـة أذرع، وفيما بين الحـجر إلى مقـام إبراهيم عليه السلام خمسة وعشرون ذراعـا، ويسمي ذلك الحطيم، لأنه يحطم الذنوب، أي يسقطها، وقيل لأنه حطم من البـيت، وقيل لأن من حلف هـناك كاذبا انحـصم دينه ودنياه، ومـا بين الركن العراقي وهو الذي فـيه الحـجر الأسود إلى مصلي النبي صلى الله عليه وسلم قـبل هجـرته إلى المدينة عشرة أذرع، وكان يستقـبل بيت المقدس ويجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، ولهذا لم يبن توجـهه إلى بيت المقـدس إلا لما هاجر إلى المدينـة، وبين الركن اليمـاني وبين المسدود في ظهر الكعبة أربعة أذرع، ويسمي ذلك الموضع المسـتجـار من الذنوب وعـرض الباب خـمسـة أذرع، وارتفاعـه سبعة أذرع، وبـينه وبين الركن الغربي  - ص 33 - ثلاثة عـشر ذراعـا، وبين الركن الغـربي وآخـر قواعـد إبراهيم - وهناك اللوح المرمر المنقوش - أزيد من سبـعة أذرع وإلى هناك بناء ابن الزبيـر، وقد قدمـنا أن ارتفاع الكعبة سبعة وعشرون ذراعا.

 

تاريخ بناء الكعبة بالترتيب

اعلم أن الكعبة بنيت في الدهر خمس مرات
إحداهن: بناء الملائكة، وآدم وشيث على ما تقدم.
الثانية: بناء إبراهيم.
الثالثة: بناء قريـش، والسبب في ذلك أن الكعـبة استـهدمت وكانت فوق القامة وأرادوا تعليتها، وكان بابها لاصـقا بالأرض في عهـد إبراهيم وعهـد جرهم، إلى أن بنتـها قريش، فـقال أبو حـذيفة بن المغـيرة: يا قوم: ارفعوا باب الكعبة حتى لا يدخلها أحد إلا بسلم، فإنه لا يدخلها حينئـذ إلا من أردتم، فإن جاء أحد ممن تكرهونه رميتم به فسقط، وصار نكالا لمن يراه. فرفعت بابها وجعلت لهـا سقـفا، ولم يكن لهـا سقف، وزادت ارتفاعها كما تقدم، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك  - ص 16 - خمسا وعـشرين سنة، وقيل: خمسا وثـلاثين، فحضر البناء، وكـان ينقـل الحـجـارة مـعـهم كـمـا ثبت في الصحيح، وتنافـست قريش فيمن يضع الحـجر الأسود موضعه من الركن، ثم رضوا بأن يضعه النبي صلى الله عليه وسلم .
الرابعة: بناء عبـد الله بن الزبير، والسـبب في ذلك على ما ذكر السـهيلي أن امرأة أرادت أن تجمـر الكعبة، فطارت شـررة من المجمـرة في أستارها فـاحتـرقت، وقيل: طارت شررة من أبي قبيس فوقعت في أستار الكعـبة فاحـترقت، فـشاور ابن الزبـير من حضـره في هدمهـا فهـابوا ذلك، وقالوا: نرى أن يصلح ما وهى منها ولا تهـدم. فقـال: لو أن بيت أحدكم احـترق لم يرض له إلا بأكمل إصـلاح، ولا يكمل إصلاحـها إلا بهدمـها، فـهدمـها حتـى أفضي إلى قواعـد إبراهيم،  - ص 17 - فأمرهم أن يزيدوا في الحفر، فحـركوا حجرا منها فرأوا لجته نارا وهولا أفزعهم، فبنوا على القواعد.
وفي الخـبر أنه سترها وقت حفـر القواعد، فطاف الناس بتلك السـتارة، ولم تخل من طائف، حـتى لقد ذكر أن يوم قتل ابن الزبير اشـتد الحرب، وشغل الناس حـينئذ، فلم ير طائف يـطوف بها إلا جـمل! ثم بناها وألصق بابهـا بالأرض وعـمل لهـا خلفـا، أي بابا من ورائها، وأدخل الحـجر فـيها، وذلك أن خـالته عـائشة رضي الله عنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  ألم تر أن قـومك قـصرت بهم النـفقـة حـين بنو الكعـبة، فاقـتصروا على قـواعد إبراهيم  ثم قـال: لولا حدثان قومك بالجاهلية لهدمتـها، وجعلت خلفا، وألصقت بابها بالأرض وأدخلت فيها الحجر  فقال ابن الزبير: فليس بنا عجز عن النفقة، فبناها على مقتضى حديث عائشة.
 - ص 18 - وحكى أبو الوليـد الأزرقي أنه لما عزم على هدمـها، خرج أهل مكة إلى منى، فأقاموا بها ثلاثا خوفا أن ينزل عليهم عـذاب لهدمهـا، فأمر ابن الزبير بهدمها، فـما اجتـرأ على ذلك أحد، فـعلاها بنفـسه، وأخـذ المعول وجعل يهدمها ويرمي أحجارها، فلما رأوا أنه لا يصيبه شيء صعدوا وهدموا، فلما تم بناؤها خلقها من داخلها وخارجـها من أعلاها إلى أسفلـها، وكساها القباطي، وقال: من كـانت لي عليه طاعة فليـخرج فليعتـمر من التنعيم، ومن قدر أن ينحر بـدنه فليفعل، ومن لم يقدر فليذبح شـاة، ومن لم يقدر عليهـا فليتصدق بوسـعه. وخرج ابن الزبير ماشيا وخرج الناس مشاة فاعتمروا من التنعيم شكرا لله تعـالى، فلم ير يوم أكثر عتـيقا وبدنة منحورة وشـاة مذبوحة وصدقة من ذلك الـيوم، ونحر ابن الزبير مائة بدنة.
قال السهيلي: ولما قام عـبد الملك بن مروان في الخلافة قال: لسنا من تخليط أبي خبيب بشيء، يعني عبد الله بن  - ص 19 - الزبير، فـهدمها وأعادها على مـا كانت عليه في عـهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في ارتفاعها، ثم جاءه الحارث بن أبي ربيعة المخزومي ومعه رجل آخـر، فحدثاه عن عائشة عن رسـول الله صلى الله عليه وسلم بالحـديث المتـقـدم، فندم وجـعل ينكث بمخـصـرة في يده الأرض ويقـول: وددت أني تركت أبا خـبيب ومـا تحمل، وتولى البـناء في زمن عبـد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي، وهو البناء:
الخامس: الموجود الآن والذي هدمه الحجاج هو الزيادة وحدها، وأعاد الركنين، وسد البـاب الذي فتحه ابن الزبير، وسده بين إلى الآن، وجـعل في الحجر من البيت دون سـبعة أذرع، وعلامة ذلك فـي داخل الحجر لوحان مرمر منقوشان متقابلان في الحجر، وصار عرض وجهها - وهو الذي فيه الباب - أربعة وعشرين ذراعا.
 - ص 20 - وقيل أن الكعبة بنيت مرتين آخـرتين غير الخمس، إحداهما بناء العمالقة بعد إبراهيم، والثانية بناء جرهم بعد العمالقة.
قال السهيلي: إنما كان ذلك إصلاحا لما وهى منه، لأن السيل قد صدع حائطه، وكـانت الكعبة بعد إبراهيم عليه السلام مع العمـالقة وجرهم إلى أن انقرضـوا، وخلفتهم فيها قـريش بعد استيلائهم على الحـرم لكثرتهم بعد القلة وعزهم بعد الذلة، وكان أول من جدد بناءها بعد إبراهيم قصي بن كلاب وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل.
وروى الطبراني عن أبي سعيـد الخدري مرفوعا أن أول من جـدد الكعبـة بعد كـلاب بن مرة قـصي. وحكى السهيلي أن أول من اتخذ للكعبة غلقا تبع، ثم ضرب لها عـبد المطلب بابا من حـديد، وهي الأسياف القلعـية التي كـانت مع الغـزالين الذهب، وهو ما استـخرجـه عبد المطلب من بئر زمزم كما احتفرها بعـد ما طمها  - ص 21 - الحـارث بن مـضاض، لمـا أخـرج الله جـرهم من مكة بسبب إحـداثهم في الحرم، واستـخفافـهم بالحرم، وبغي بعضهم على بعض، فتغور ماء زمزم، وعمد الحارث إلى مـا كان عنده من مـال الكعـبة، وفـيه غـزلان من ذهب وأسيـاف قلعيـة كان ساسـان أهداها إلى الكعبـة، وقيل سـابور، وجـاء تحت الليل ودفن ذلك في زمزم وعـفى عليها ولم تزل دارسة حتى حفرها عبد المطلب، واستخرج ذلك كما هو مذكور في موضعه.
واتخذ عبد المطلب من الغزاليـن المذكورين حلية للكعبة، فهو أول ذهب حليت به الكعبة، فلما جاء الإسلام، وآلت الخلافة إلى الوليد بن عـبد الملك، بعث إلى واليه على مكة خالد بن عبد الله القسري بستة وثلاثين ألف دينار، فضرب منها على باب الكعبة صفائح الذهب، وعلى الميزاب وعلى  - ص 22 - الأساطين التي في جوفهـا، وعلى الأركان، وهو أول من ذهب البيت في الإسلام.
وذكر السـهيلي أن الذي عمله الوليد هو مـا كان من مائدة سليمان بن داود عليهما السلام من ذهب وفضة، حمل إليـه من طليطلة من جزيرة الأندلس وكـانت لها أطواق من زبرجد وياقـوت، وكانت قد احـتملت على بغل قوي فتفسخ تحتها.
ثم لما آلت الخـلافـة إلى الأمين رفع إليـه أن الذهب الذي عـمله الوليـد قـد رق، فـأرسل إلى عامله على ضواحي مكة سـالم بن الجراج بثمانية عشر ألف دينار ليضـربها صفائح على بابـا الكعبة، فقلع مـا كان على الباب من الصفائح وزيد عليهـا ثمانية عشر ألف دينار، وضرب الصفائح والمسامير وحلق الباب والعتبة، فالذي كان عليه من الذهب ثلاثة وثلاثون ألف مثقال.
 - ص 23 - ثم جـدد البـاب الشـريف في الأيام الزاهرة الملكيـة الناصرية سقي الله عهدها عمل بمصـر ومصحفا بالفضة وأنا كتبت نسـخة ما كتب عليه، وجـهز به "برس بغا" الناصري أحد الحجاب في ذلك الوقت.
قـال الأزرقي: وعـمل الوليـد بن عبـد الملك الرخـام الأبيض والأخضر والأحـمر في جوفها فوزر بهـا جدرانها وفرشها بالرخام، فجـميع ما في الكعبة من الرخام هو من عمل الوليـد، وهو أول مـن فـرشـهـا بالرخـام وأزر به جدرانها، قلت: ثم تقلع غالب ذلك، وغالب ترخيمها وما فيهـا الآن من آثار المظفر يوسف بن عمـرو رسول صاحب اليمن واسمه بالرخام داخل الكعبة حيث يصلي المصلي بين العمودين تجاه وجهه في الجدار المتصل بالركن اليماني.

 

المراد بالمسجد الحرام

اعلم أن المسجـد الحرام يطلق ويراد به عين الكعبة كـما في قوله تعالى:  فول وجهك شطر المسجد الحرام  إذ لم يقل أحد من المسلمين بالاكتفاء بالتوجـه إلى استقبال المسجد المحيط بالكعبة، وهذا هو أصل حقـيقة اللفظ وهو المعني بقوله تعالى:  إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا  وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو ذر عن أول مسـجد وضع أول قال: "المسجد الحرام" .
وقد يطلق المسجد الحرام ويراد به المسـجد المحيط بالكعبة، وهو الغالب في الاستـعمال على وجه التغليب المجـازي كما في قوله صلى الله عليه وسلم:  صلاة في مسجـدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام  .
 - ص 40 - وقوله تعالى:  سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام  على قول من روى أنه صلى الله عليه وسلم كان نائما في المسجد المحيط بالكعبة.
وقد يطلق المسجد الحرام ويراد به مكة والحرم بكماله على قـول من يقـول: إن المراد بالمسـجـد الحـرام مكة لأنه صلى الله عليه وسلم كان نائما في بيت أم هانئ لما أسري به، وكما في قوله:  ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام  على قول من يقول: إن المراد الحرم الخارج عن مكة بكماله، وهذا كله على وجـه التغليب المجازي ولا ريب فيه، وإلا يلزم الاشتـراك في موضوع المسجد الحرام والمجاز أولى منه والله أعلم.

 

منى

منى، حيث ترمى الجمرات، وتهمل العبرات، ذوات الليالي المقمرات، بطحاء بين جـبلين، مهدمة الجوانب، فيها مجتمع الحجيج، والمحصب منها موضع الجمرات، على مدرجة السوق الأعظم، حيث ينصب كل سنة أيام الموسم، يجـتمـع فيـه الخليطان من شـام ويمن، وينزل الركـوب به في منازلهم من شرف الوادي، إلى حـيث تنحر البدنات تحت العقبة الأولى، حيث تنصب سقايات الحـاج، وكـانت في قـديم الإسـلام موسم لـقـاء الأحباب ومكان موعد كل مفارق.
وثلاث ليال منى معروفة موصوفة، قد أكثر منها الشعراء، وترنم بها المـتيمـون، ولمنى بيوت هي كـالقرية، منهـا ما هو مسكون ومنها ما هو يرنم بضائـع الحارم أيام الموسم، تكرى بأجرة طائلة وبها آبار متخـذة لخزن ماء الأسنيـة، تباع على  - ص 51 - الحجـيج، وهو ماء ثقيل وبئ لما يحـمل من أوساخ الذبائح وبقايا الأضاحي ودماء القرابين.