أنت هنا

كلمة الافتتاحية
30 ذو القعدة 1432
أحمد بن عبد الرحمن الصويان

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.. وبعد :

فإن تخصيص السلفيين بهذا المؤتمر ليس تعصباً أو تحزباً أو إقصاء للآخرين, معاذ الله, فالأمة أحوج ما تكون في هذه المرحلة خصوصاً إلى التعاون على البر والتقوى, والبعد عن الافتراق والتعصب. لكن لذلك أسباب موضوعية منها: أن الحملة على التيار السلفي قطعت أشواطاً بعيدة, جديرة بالمدارسة والمناقشة؛ فالغرب جعل  لكل مرحلة من حروبه على الإسلام شعاراً جديداً, فبعد شعار (الحرب على الإرهاب), تبنى الآن (حرب العقائد والأفكار)، وأصبحت (الحرب على السلفية) أحد معالم المرحلة, وهو يسعى لتصدير  إسلام عصري متسامح يمكن ترويضه واحتواؤه, يكون بديلاً عن الإسلام السلفي الذي يصفونه بالتشدد والانغلاق. ولهذا فقد سعى لبناء شبكة من الإسلاميين المعتدلين يخترق من خلالهم واقع المسلمين الدعوي والفكري، ويعيد تفسير الإسلام ليتوافق مع مصالحه ونفوذه السياسي. 

 

ومنها: أن الاتجاهات البدعية التقليدية  – من جهة أخرى-  وجدت نفوذها ينحسر ويتآكل, في الوقت الذي يزداد فيه نفوذ التيار السلفي, ولهذا سعت جاهدة لإحياء ما اندرس من أعلام البدعة, وشنت هجوماً ضارياً على منهج السلف وأئمته في القديم والحديث,  ووجد الغرب في بعضهم حليفاً يمكن توظيفه لمواجهة السلفيين.

 

وأما التيارات والأحزاب العلمانية والليبرالية فقد تعاملت بتشنج وقلق شديد من الحضور السلفي الذي أذهلهم -خاصة بعد الثورات العربية -، وراحت تمارس أرخص الأساليب في تشويه صورة السلفيين في الإعلام العربي, وأصبحت السلفية هي (الفزاعة) التي يصيح في التحذير منها بعض السياسيين والإعلاميين والمفكرين العرب.

 

هذه الحملة بأبعادها المختلفة ليست شراً محضاً, بل إنها تدل على أن التيار السلفي حقق – ولله الحمد والمنة – حضوراً قوياً، ونجاحاً كبيراً, أذهل السلفيين أنفسهم, فضلاً عن غيرهم, وهذا يحمل السلفيين أمانة عظيمة و مسؤولية كبيرة تتلاءم مع حساسية وخطورة المرحلة التاريخية التي تمر بها المنطقة العربية.

 

لكننا في الوقت نفسه ندرك أن بعض السلفيين – كغيرهم من أبناء الدعوة -  فيهم من الأدواء والمشكلات ما نرى أنه يعوق من إنطلاقتهم, ويحدُّ من تأثيرهم, وهذه المشكلات تحتاج إلى مصارحة ومكاشفة في تدارسها وعلاجها, والأمر كما قال الشاعر:

ولم أر في عيوب الناس عيبا

                               كنقص القادرين على التمام

لقد فرضت الثورات العربية واقعاً جديداً ليس على الأنظمة والحكومات والأحزاب التقليدية فحسب, بل حتى على الوسط الإسلامي نفسه, وعلى التيار السلفي خصوصاً. وهذا يتطلب أفقاً جديداً, يتجاوز ردود الأفعال المتسرعة، والرؤى الانطباعية القاصرة، ثم يستوعب المتغيرات المتلاحقة، ويعيد ترتيب الأوليات، ويقرأ الواقع ببصيرة واعية تتخلص من أدواء وأثقال الماضي التي أهدرت فرصاً دعوية كثيرة, وبطأت من إنطلاقة بعض العلماء والدعاة. وهذه القراءة لا يمكن أن يقوم بها شخص واحد, أو مؤسسة واحدة, أو فصيل واحد, ولكن يجب أن تستنهض الطاقات, وتأتلف الجهود, وتجتمع الخبرات, لتحقيق ذلك. 

 

من أجل ذلك كله رأينا في "مجلة البيان" أن يعقد هذا المؤتمر لمناقشة هذه الآفاق والتحديات, وأزهار الربيع العربي لمَّا تقطف بعد, لاستدراك ما يمكن استدراكه من آفاق وفرص دعوية, ولتحقيق التعاون على البر والتقوى، والتشاور وتبادل الخبرات والتجارب. وحرصنا أن يكون ذلك بعيداً عن الأضواء ووسائل الإعلام، من أجل تتميز حواراتنا بأكبر قدر ممكن من المكاشفة والمصارحة, على بساط من المحبة والأريحية وسعة الصدر وحسن الظن.

 

ونتطلع بتعاونكم وتسديدكم تحقيق الأهداف الآتية:

1- تعزيز التواصل والتعارف، وبناء الثقة والأخوة.

2- تبادل الخبرات والتجارب العملية.

3- الحوار حول بعض الإشكالات بين السلفيين أنفسهم، ومع الواقع من حولهم.

4- الوضوح والمكاشفة في ترشيد الأداء السلفي.

 

وهذه الأهداف كما ترون أهداف كبيرة ومتشعبة, ونتطلع في هذا اللقاء إلى معالجة بعضها, لكننا بالتأكيد لا نستطيع مناقشة جميع القضايا، والإحاطة بكل التفاصيل, ولهذا أقترح على أصحاب الفضيلة الحرص على التركيز , وتجاوز المقدمات, وتأجيل الاستطرادات قدر الإمكان, حتى لا يكون ذلك على حساب المحاور الأساسية.

 

أيها العلماء والدعاة:

هذا اللقاء يجمع ثلة كريمة من السلفيين, لكنه لا يمثل كل السلفيين, فهناك كوكبة مباركة دعوناهم ولم تتيسر مشاركتهم معنا, وهناك كوكبة أوسع لم تتيسر لنا دعوتهم لأسباب عديدة, مادية وتنظيمية, نرجو أن نراهم في مناسبات أخرى قادمة، ونرجو أن ينجح هذا المؤتمر في تأليف القلوب، وجمع الشتات، وتوحيد الصفوف، فهذا هو سبيل النصر بإذن الله – تعالى - قال جل وعلا: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال: 46].

 

ختاماً: من المسائل التي سببت لنا حرجاً كبيراً في إعداد البرنامج العلمي أن هذا اللقاء يجمع نخبة من أشياخنا الأعلام, وكنا نتساءل: من سيتحدث منهم, ومن سيداخل؟ والذي نتمناه أن نستفيد من الجميع قدر الإمكان, لكن الوقت كما ترون قصير جداً, فلعنا نسدد ونقارب, ومثلكم يلتمس العذر ويحسن الظن. وربما يكون هذا اللقاء فاتحة خير للقاءات قادمة بإذن الله – تعالى - تُتمِّم ما بدأنا فيه في هذا المؤتمر.

 

وصلى الله على محمد وآله وسلم