28 ذو القعدة 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أنا فتاة عمري خمسة وعشرون عاما، تزوجت منذ ثلاثة أشهر بعد خطبة طالت أربع سنوات، بعد الزواج قضيت مع زوجي شهراً ونصف، ومن ثم تفرق كل منا إلى بلد مختلف مع الأهل بسبب عدم عمل الزوج؛ لحين استقرار وضعه والتجمع مرة أخرى... في هذه المدة التي قضيناها سوياً حصلت بعض الخلافات بيننا كأي زوجين فهو شكاك للغاية ويغضب لأقل سبب وفي بعض الأحيان كان يميز إخوته عني في حين أن علاقتي بجميع أهله طيبة للغاية، وحين نتخاصم يبدأ بتجاهلي أمامهم مع العلم أنه لم يظهر تلك الطباع في فترة الخطبة، وأنا لدي طبع سيئ وهو العصبية ورفع صوتي عليه حين نتشاجر، ولكن كنا على علاقة طيبة نتخاصم ونتصالح، وأقول هذا طبيعي في بداية الزواج وكنا نواظب دائما في رمضان على قراءة القرآن والصلاة سويا، فمنذ البداية ونحن على اتفاق أن نعيش حياتنا على منهج الإسلام وطاعة الله... ولكن الآن بعد أن عدت إلى أهلي بأسبوعين جاء وطلب مني أن ننفصل؛ لأنه لا يرى أننا على اتفاق وأنه لا يشعر بالراحة أو الميل تجاهي ولا يريد أن يظلمني معه وحين سألته لماذا تزوجتني إذاً؟ قال لي إنه كان يشعر بذلك منذ عامين ولكن كان يكذب شعوره ولا يرى أننا نصلح لبعضنا البعض وأنه لم يكن يشعر بالراحة في الفترة التي قضيناها سوياً، في حين أن كلامه كان العكس تماماً في تلك الفترة.. معنى ذلك كل مدحه وحبه لي كان كذباً!!
حاول والدي الاتصال به عدة مرات ولكنه لم يجب عليه، أهله يتصلون بنا ويقولون لا ندري ما به، وهم أيضاً حزينون لما يجري، فهو متكبر لا يحترم كلام أحد وبعد أسبوعين من طلبه علمت أني حامل وأخبرت والدته وهو يدري ذلك ولكن لا مبالاة، اتصل مرة واحدة بي وبوالدي، فهو سيئ الظن لا أدري كيف هنت عليه؟! يتركني هكذا كل تلك الفترة، فهو يعمل الآن بعمل مؤقت ألهذا السبب استغنى عني وأصبح لديه بديل، أم سوء ظنه وشكه عماه أم فعلاً يكرهني.. أهذا هو التدين حقاً!...فأنا مجروحة الآن وأشعر أني أهان ولا أستحق هذه المعاملة السيئة منه.. هل أمتنع عن عودتي له؟ فأنا أصبحت لا أطيقه ولا آمَن على نفسي ولا طفلي معه، ماذا أفعل؟

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

إننا كأمهات لاشك نحب بناتنا، لكن الحقيقة التي تقع فيها الكثير من الأمهات تجاه بناتهن هي ترجمة ذلك الحب كشيء من التدليل لكن قد يكون حنانا زائدا فيضر صاحبه أكثر مما يفيده، فتهتم كل أم وتنفد طاقتها لإشباع رغبات ابنتها وتنسى دوراً أساسياً قد يعد واحداً من المشكلات التي تواجه تلك البنات بعد خروجها من بيت أبويها، ذلك الدور ينحصر في تعويد ابنتها على تحمل المسئولية وتفهيمها أن بيت الزوج غير بيت الأب......
السائلة الكريمة:
خلق الله تعالى المرأة وكرمها حيث جعل لها رسالة من أهم رسالات الحياة فهي ملكة في بيتها ولكل ملكة تاج فقد يضع الزوج ذلك التاج على رأس زوجته عندما يشعر منها بالراحة والاستقرار فيبادلها جزاء ما يجد منها حباّ ورضا.. أو تنقلب الحياة منغصات وآلاما..
فكلنا يعرف أن بداية الزواج تظهر فيه اختلاف الطباع فليس على المرأة في ذلك الوقت إلا أن تسمع أكثر ما تتكلم فسماعها له نلك دراسة لطباعه وصمتها تفكير في كيفية التصرف والتعامل معه وعليها أن تقابل أي سلوك منه أو شده أو عنف بهدوء على أنه سلوك غير موجه لها بل طبع جديد عرفته منه، فلا تواجه تلك الطباع بالاصطدام لكنها عليها الصبر والحكمة والهدوء لكي تستطيع امتصاص غضبه.. ذلك الغضب الذي تواجهينه بالعصبية - تلك الصفة التي وصفتيها لنفسك برسالتك –
لكن عليك أن تعلمي أن المرأة المسلمة مهما كان في طبعها العصبية، فلا بد أن تخفى هذه العصبية، فالزوج لا يحب الزوجة العصبية التي من أقل الكلام والحوار يرتفع صوتها وتتعصب عليه فكيف بالمرأة المسلمة أن ترفع صوتها على زوجها؟!
أمر آخر أحب أن أعاتبك عليه، فقد ظلت خطبتك له أربع سنوات كيف في هذه السنوات لم تعرفي شخصيته وما يحب وما يكره؟ فقد تعاونتما سويا قبل الزواج أي في فترة العقد على الصلاة وقراءة القران – بحسب قولك - فما حدث بعد الزواج الذي كانت مدته شهر ونصف فأين ذهبت معاني الخير والتعاون على العبادة بينكما بعد الزواج؟
وأيضا قولك أن زوجك لا يشعر بالراحة أو الميل تجاهك فلا اعتقد ذلك ربما قالها في ساعة غضب وإن كان على حق فيها فعليك أن تنظري في نفسك ما الذي عليك أن تفعليه ليرى عندك الراحة والألفة والحب؟
أيضا عندما يقع بينك وبين زوجك مشكلة ولتكن مشكلة مصيرية كهذه فلا ينبغي لك أن تتحدثي عنه بأنه كان يظهر التدين ويبطن غيره وتتهميه بالنفاق لقوله – تعالى-: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: من الآية237]، فالله سبحانه وحده أعلم بما في الصدور، قال بعض السلف: إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، فحاولي أن تتذكري حسنات زوجك...
أما كونه كثيرا ما يسئ بك الظن فأحب أن أعرفك أن بعض الأزواج تكثر عندهم الغيرة، فلا اعتقد أن ما ذكرتينه وأسميتينه شكا أنه شك بل أظنه كثرة حب لك وحرص عليك، لكن الشيطان يسول لك ذاك التصور ليضع بينك وبينه فجوة ويبعدك عنه..
أيضا عليك ألا تضعي نفسك في أي موضع يجعله يشعر بذلك الشعور من الشك مادام حساسا لهذه الدرجة، وابعدي عن كل ما يحزنه منك.
ذكرت أيضا أن زوجك متكبر، فإن كان ذلك في طبعه فعليك ألا تجعليه يحتك بأبويك أو إخوانك على قدر المستطاع فربما كان مدللا بين أبويه، فاقداً معنى احترام الكبير فمع الأيام إن شاء الله سوف يتغير.
ذكرت أيضا في رسالتك انك صبرت أربع سنوات خطبة وتنازلت عن أشياء كثيرة وبعد كل ذلك الصبر وجدت منه بعد الزواج بشهر ونصف جرحا لكرامتك وذلك في قوله: "إنك لن تصلحي له"، فكثير من الأزواج والزوجات في بداية الزواج ومع كثرة الخلافات يحدث الكثير من ذلك الكلام وليس معنى ذلك أنه أهان كرامتك بل كرامتك محفوظة لكن عصبيتك ورفع صوتك عليه جعلته يلفظ بتلك العبارات لكنني أظن أن حبك موجود في قلب زوجك فما سر ارتباطه بك أربع سنوات قبل الزواج؟ فلو كان غير ذلك لتم الانفصال قبل البناء.
السائلة الكريمة لا تجعلي للشيطان حظا في حياتك، فإنك تحملين منه طفلا فليس عليك إلا أن تدافعي عن بيتك فإنه لا يريد منك الانفصال والدليل على ذلك كونه لم يطلقك حتى الآن.
وأما عن تجاهله لاتصالاتكما أنتي ووالدك فعليك ألا تحزني وادعي الله كثيرا أن يذهب عنكما هذا الحزن والهم ووطدي علاقتك بوالديه وبإخوانه وبأخواته بالسؤال عنهم والزيارات والهدايا إن أمكن، على أن تراسليه برسائل صادقة، واجعلي هذه الرسائل على فترات.
لكن ليس عليك أن تطلبي الطلاق ولا تفكري في الانفصال ولو طلب ذلك وليس عليك إلا الصمت والدعاء – كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
واعلمي أنه إن كان في القلب هم فلا يزيله إلا الإقبال على الله سبحانه وإن كان فيه حزن فلا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته سبحانه وإن كان فيه قلق فلا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه سبحانه فكما صبرت في أول الأمر فليس عليك إلا أن تكملي مسيرة ذلك الصبر فواصلي الدعاء وصلي ما بينك وبين ربك فإنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، وأملئي قلبك بالعفو والتسامح لزوجك ولكل من حولك لقوله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: من الآية40].