28 جمادى الثانية 1433

السؤال

أسرتنا ملتزمة جداً، ونحفظ القرآن كاملاً بفضل الله، وأبي وأمي على خُلُق عالي جداً، لكن عندي أخ عاق لأهلي، وهذه السنة السادسة له في بُعده عن الصلاة وحفظ القرآن، وصاحَب أصدقاء السوء، وتناول السجاير، والآن يتناول الحشيش.. ودائماً في مشاكل مع والدي في المنزل، ولم يعد يحترم أحداً فيه.. ما الحل في التعامل معه؟ علماً بأنه يزداد سوءاً يوما بعد يوم.. أخي يبلغ 18 عاماً.. هل ما زال هناك أمل أن يرجع لرشده ولصلاته ولالتزامه؟! جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

مرحباً بك أختنا الكريمة في موقع المسلم.
آلمني حال أخيك، وأحسست بالفجيعة التي تأكل فؤاد أمك، والحسرة التي تذهب بنفس أبيك حفظهما الله، والأسى الذي تشعر به أسرتكم التي ما عرف عنها إلاّ الاستقامة والصلاح، وهي ترى فتاها الذي شب على الطاعة يتردى في مهاوي المعصية، وينهش عمره الحشيش والدخان، أسأل الله أن يرفع عنكم الضر، ويبدل حاله إلى أحسن حال.
لنعرف التصرف المناسب في التعامل مع مثل حالته لابد من التعرف على كيفية تفكيره، والأسباب التي دفعته للانتقال من الصلاح إلى الضياع.
أيتها الفاضلة: أخوكم يعرف أنه مخطئ، وأن ما يفعله خطير، وأنه يقتل نفسه بذلك قتلاً بطيئاً، وأنه يدمر مستقبله الأكاديمي وما يترتب عليه بيديه، وقبل كل شيء أنه يغضب ربه عز وجل، يدرك ذلك قبل أن يقدم على فعله، ويوقن به بعد أن تورط، فما الذي دفعه للإقدام ابتداء رغم صلاح أسرته؟ وما الذي منعه من الإحجام طوال هذه السنوات؟
هذه بعض الحقائق التي أثبتتها عدد من الدراسات:
- الأولاد -بغض النظر عن أعمارهم- يقدمون على ركوب المخاطر للمغامرة والإثارة.
- تعرض الولد للمخاطر يزيد إن وجد مع مجموعة من أقرانه.
- التحدي والاستفزاز من قبل الأقران يدفع الولد للوقوع في الخطر.
- الولد الذي يجرب خرق القوانين في جانبٍ ما، أكثر قابلية من غيره من الأولاد في خرقها في جوانب أخرى.
- الولد لا يميل لإخطار والديه بما حدث له، وبما يصيبه من ضرر.
- الولد لا يعتبر بتجارب الآخرين ويعتقد أنه "غير"، وأقوى وأفضل مِن مَن سواه من الضحايا.
- عقلية الذكور عموماً مبرمجة على أن الضربة التي لا تقتلهم تقويهم -سلباً أو إيجاباً-.
وجل هذه الحقائق أثبتتها عدد من التجارب في ذكور الثديات العليا، إذن هذه طبيعة عقلية الذكور.
ولتوضيح المراد أكثر دعني أذكر لك هذه الحقيقة: أنفقت الحكومة الأمريكية ما بين عامي 1997-2002 تسعمائة مليون دولار في حملات دعائية لتشجيع المراهقين على تجنب المخدرات. كانت أشهر الدعايات تشبه العقل البشري بالبيضة، فإذا تعاطى المخدر تحولت تلك البيضة إلى بيضة مقلية إثر التعاطي، وغرضهم من الدعاية التبشيع! أي أنه لا أمل في إعادته كسابق عهده قبل التورط في تعاطي المخدرات.
فكانت النتيجة انخفاض نسبة الفتيات المتعاطيات وزيادة عدد الأولاد!
ويفسر بعض الدكاترة المعنيين الأمر قائلاً ببساطة لأن الرسالة التي توصلها الدعاية للشاب أنه بذلك سيحلق في سماء الإثارة على جناحي مغامرة خطيرة، فأول ما يحدث به نفسه بعد رؤية الدعاية: "كوووول"!
حتى إنهم وجدوا أن بعض الشباب حصلوا على صور من الإعلان وعلقوه في غرفهم وجاهروا بتعاطي المخدر، وأعلنوا عدم مبالاتهم بالنتائج جهرة! وبالطبع تزيد الدافعية للتجريب والمغامرة بين الشلل.
المقصود مما سبق: يبدو أن أخاكم جرب أول سيجارة بدافع المغامرة وسط تأثير الشلة الفاسدة، وطبيعة أخلاق الوالدين جعلتهم يركزون على نصحه وإظهار الشفقة والخوف عليه، فلم يكن للنصح معنى لأنه لم يضف إليه جديداً، ودفعته المعاملة اللينة للتمادي والانتقال لما هو أخطر.
ما يجب فعله لإنقاذه:
- بالنسبة للصلاة فعلى الوالد أن يخبره بأن ترك الصلاة بالكلية كفر كما ذكر أهل العلم، وعليه أن يثوب إلى رشده ويتوب إلى ربه وينتظم في الصلاة في المسجد وإلا فإنه سيضطر لمعاملته كما يعامل المرتد. ينبغي أن يحس ويستيقن أن الموضوع خطير، ولابد أن يتأكد أن أبوه لن يتهاون معه.
- التعرف على المصدر الذي يحصل منه على الحشيش وإبعاده عنه تماماً، حتى لو دعا الأمر للتعاون مع الجهات الرسمية كشرطة أمن المجتمع أو ما شابهها.
- التحكم في مصدر المال الذي يتحصل به على هذه الخبائث.
- منعه من الاختلاط بأصحاب السوء هؤلاء، ونقله من المدرسة التي عرف فيها بالسمعة السيئة، والانتقال من الحي بل المدينة إن أمكن.
- وإن اقتضى الأمر إبعاده عن الدراسة مدة لأجل إنقاذ حياته ومستقبله فذاك!
- إخباره بأنه سيكون مراقباً ومتى ما ثبت اتصاله بهؤلاء الفاسدين فسيبعد عنهم قسراً ولو بالحبس في المنزل أو غيره، وعدم التهاون في ذلك مطلقاً حتى ييأس من إمكانية الرجوع لهم.
- عدم الاكتفاء بأخذ العهود والمواثيق بل لابد من إشعاره بأنه ليس ثمة خيار، وأنه إما أن يرعوي طوعاً، أو يؤطر على ذلك أطراً. فالولد يستحيي أن يتعذر لزملائه بأن تعهد لأبيه بعدم فعل أمر معين لأنه سيعير بالخنوع، ويشبه بالأطفال والقصر والبنات، لكنه يمكن أن يعتذر بأنه يشك أن عيون الشرطة تراقبهم، وعليهم ألا يقترفوا الفعل المعين لئلا يمسك بهم متلبسين بالجرم.
- عرضه على طبيب لمعرفة مدى حاجته لرعاية طبية لمعالجته من آثار هذه السموم.
- تقييد حركته وإلزامه بالتواجد في المنزل بعد العشاء، ومعاقبته إن حاول التمرد على ذلك. وقد ذكرت إحدى الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة أن الأسر التي تلزم أفرادها بتناول العشاء معاً، تقل نسبة وقوع المراهقين فيها في مهاوي الإدمان، ويكون الوالدان أكثر إلماماً بما يفعله أبناؤهم من غيرهم من الأسر التي يعود كل فرد فيها إلى البيت متى شاء.
- تواصل الوالد مع ذوي أصدقائه والتعاون معاً لإنقاذ أبنائهم.
- إفهامه بأن الدين والصحة بدنية كانت أو عقلية خطوط حمراء لا مجال للتهاون فيها، ولا حرية له في التفريط فيها، أما ما سوى ذلك فقابل للنقاش، ويمكن اعتبار رأيه والعمل به.
- إشراكه بعد تعافيه في برنامج رياضي أو ما شابه مما يشبع رغبته في المغامرة، ويقوي بدنه، ويشغله عن الوقوع في مثل هذه المصيبة.
- عدم إشعاره بالاحتقار أو نحو ذلك بل التعامل معه على أنه مريض يحتاج للمساعدة وهو في النهاية من لحمكم ودمكم كما يقال.
- مساعدته في الاندماج في المجتمع وذلك بخروجه مع الوالد في المناسبات الاجتماعية مثلاً، وإبعاده عن الوسط الذي عرف فيه بالسوء حتى لا يُعير بما كان منه، أو يشعر أنه منعزل أو غير مرحب به.
- لا يكن همكم الخوف من كلام الناس، ولا تلتفتوا لمن يصف طريقتكم بالشديدة أو العنيفة فهو بحاجة للحزم، والأطر على مفارقة المنكر، وهذه نقطة ينبغي أن تفهم.
- كما أن الابن بحاجة للأب الصديق، فهو كذلك محتاج للأب الحاكم الذي يستطيع أن يفرض سلطته متى ما دعا الأمر، وهذا تؤكده دراسات عديدة.
- ولا تقنطوا من أوبته لما كان عليه من استقامة وصلاح، فالقلوب بين يدي الرحمن، فالحوا عليه بالدعاء أن يشمله برحمته، ويتوب عليه، أنت وأخواته والأهم من ذلك دعاء أبويه، فإن لدعاء الوالد أثره.
أسأل الله أن يقر عينكم بصلاحه، واستقامة أمره، وأن يجعلكم أسرة متعاونة على البر والتقوى.