12 ربيع الثاني 1433

السؤال

السلام عليكم.. هل رفضي لأفكار زوجي ومعارضته في كونه مهاجراً منذ سنة إلى بلاد الفسق والفحش والمنكرات، وإقراره بذلك، دون أن يخشى على نفسه شر الفتن، وهو مقصر في طاعة الله مما أثار ثائرتي، ويلهيه الأمل!! وحججه واهية يرغب في نيل حقوق مدنية بإقامته هناك وتأمين مستقبل أحسن لأبنائه وكأنه طريق الصواب.. أفيدوني.

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وحياك الله في موقع المسلم.
أختي الكريمة أنت محقة في رفضك لإقامة زوجك في بلاد الفسق والفحش كما ذكرت. وحجته بالرغبة في نيل حقوق مدنية هناك، وتأمين مستقبل أفضل لأبنائه حجة داحضة، إذ لا يجوز للمسلم أن يضيع دينه ليحصل دنيا قد تأتي وقد لا تأتي. ولو تذكر المسلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين" لما فكر مجرد تفكير في ذلك.
أيتها الفاضلة: عليك بالإكثار من مناصحته، وبيني له أن حرصك على مستقبل أولادكما لا يقل عن حرصه، وأنك تتمنين أفضل وضع لكم جميعاً، لكن ينبغي للمسلم أن يضن بدينه ضنه بماله وولده ونفسه.
قولي له: لنفترض أنك كنت من كبار الأثرياء، وكنت تعرف أن سفرك هذا سيضمن لنا بعض الحقوق المدنية لكن سيضيع المال أكنت ستسافر إليها؟ بالتأكيد لا، رغم أن المال يذهب ويأتي، فكيف يرضى من يؤمن بالله واليوم الآخر أن يضيع دينه برضاه سعياً وراء تلك الحقوق غير المضمونة!
بيني له أن الكثيرين هاجروا لذات الأسباب بل بعضهم خرج من بلاده لتلك البلاد مضطراً وفي نيته المحافظة على دينه، لكنهم لم يسلموا والقصص كثيرة تملأ فضاء الانترنت. فالإقامة في بلدان الكفار سبب للعجز عن إقامة الشرائع والوقوع في الربا وأكل الحرام، وهذا قد يضطر إليه الحريص على دينه فما بالنا بمن سواه. كما أنها سبب في إلف المنكرات وهي الخطوة التي تسبق الوقوع فيها وربما القناعة بها والدفاع عنها. بيني له أن التسويف وطول الأمل من حبائل الشيطان التي يلفها حول الرقاب ليجرهم بها إلى أسوأ مصير، فالمرء لا يعرف متى يموت، ولا يضمن إن ضل أن يُوفق للأوبة والاستقامة، كما أن الأعمار قصيرة فلم يرتضي العبد لنفسه أن يضيع زهرتها في ما يغضب ربه على أمل أن يُعمَّر ويتوب؟ وهل يقدر على فعل ما يقدر عليه من الطاعات الآن بعدما يكبر ويهرم، وتضعف قوته وتتكاثر أمراضه؟
هذا ولم تذكري هل تقيمين مع زوجك في تلك البلاد أم سافر لوحده؟
فإن كنت معه فنشأة الأولاد هناك تعرضهم لمخاطر دينية وثقافية يصعب التقليل منها، والقصص كثيرة عن انحرافات الأجيال التي نشأت في تلك البيئات، أو نزعهم من آبائهم لأنهم يريدون حملهم على سلوكيات معينة يمليها عليهم دينهم وثقافتهم، وتسليمهم لأسر تتبناهم وتكون في الغالب نصرانية. ولا شك أن العاقل لا يرضى أن يفقد أبناءه لأي سبب كان؛ يفقدهم لانسلاخهم من دينهم، أو يفقدهم حقيقة. ولن تشفع النية الحسنة الصادقة في السعي لتحسين مستقبلهم حينما تقع المصيبة.
أما إن كان مهاجراً دونكم، فتلك مصيبة أخرى، لأنه يعرض نفسه للفتن لاسيما مع رقة دينه، ويضيع حقكم جميعاً في العيش معا، ويحملك أعباء إضافية في تربية الأبناء والإشراف عليهم، وما أكثر مشاكل أبناء المغتربين الذين يقضون طفولتهم وصباهم بعيداً عن آبائهم مهما كان الوضع المادي الذي يوفره لهم الأب.
كذلك يمكن الاستعانة بالعقلاء من أهلك وأهله أو من له تأثير عليه كوالدته مثلاً، أو من تعرفون من الأعيان عساه يثوب إلى رشده. ولتكثري من الدعاء له بالهداية والعودة إلى الحق.
أما إن أبى إلا البقاء في تلك البلاد، ولم يكن بإمكانك العيش في بلدكم مع أبنائك فيمكنك استفتاء من تثقين به من أهل العلم بشأن الانفصال عنه بالطلاق خوفا على دينك وحفظا لك وللأولاد، بعد استشارة من تعرفينهم من أقاربك الناصحين العقلاء في كيفية تطبيق ذلك
أصلح الله حالكم وهداكم لما يحبه ويرضاه.