الخطاب الرابع لمبارك!
27 ذو الحجه 1432
تقرير إخباري ـ نسيبة داود

طلع علينا المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر بتفويض من الرئيس المخلوع حسني مبارك، بخطاب يوم الثلاثاء لم يختلف كثيرا عن خطاب مبارك الثالث والأخير قبل تنحيته عن الحكم.

فبعد مقدمة طويلة عريضة لم ينسى فيها المشير تذكير المصريين بتاريخ القوات المسلحة وإنجازاتها وبأفضال المجلس العسكري المبجل عليهم، وتخويفهم من عواقب تنفيذ مطالب المحتجين، بدا طنطاوي وكأنه يقول للمصريين "إما العسكر وإما الفوضى"، على غرار ما قاله مبارك ضمنا في خطاباته الثلاث إبان الثورة "إما أنا وإما الفوضى".

خطاب المشير هذه المرة يبدو استكمالا لسلسلة خطابات مملة ملأ بها مبارك أسماعنا على مدار الأيام الثمانية عشر المباركة التي صمد فيها الشعب مدافعا عن حقه. فجاء هذا الخطاب الرابع بعد ثلاثة أشهر مرت منذ انتهاء الفترة الانتقالية التي وعد بها العسكر.

الآن ورغم أن جميع الواعين في مصر يدركون أهمية الهدوء في الوقت الحالي من أجل استكمال أهداف الثورة بإجراء الانتخابات في موعدها، إلا أن الدماء، التي تخضبت بها أرض ميادين التحرير في القاهرة والأسكندرية والسويس، لا يمكن السكوت أو الهدوء وهي بعد لم تجف.

وفي ظل هذا الغليان، وبعد إلحاح الكثيرين من القادة السياسيين على ضرورة أن يخرج المشير بنفسه ليوجه خطابا للأمة المصرية، وبعد عدة تصريحات حمقاء أصدرها عدد من القادة العسكريين للفضاءيات المصرية تعليقا على الأزمة، أعلن التلفزيون المصري أخيرا أن المشير سيلقي بيانا هاما.

وبعد ساعات ظل فيها المصريون معقودي الأصابع في انتظار تلك القرارات "الهامة" التي سيعلن عنها المشير؛ فإذا به يعلن قبول استقالة الحكومة.

"يا سلام".. هذا كان رد فعل رجل الشارع المصري العادي، الذي أصبح في هذه الظروف العصيبة ثائرا غير "عادي". فالاستقالة أساسا جاءت متأخرة بعد أن أقال الشعب المصري تلك الحكومة المظلمة من حساباته تماما في ظل صمتها عن جرائم وزارة داخليتها بحق المحتجين.

الأنكى أن يكلف المجلس الوزارة نفسها بتصريف الأعمال، بذات الأيدي الملوثة بخليط من دماء الشهداء والجرحى ورماد البارود والغازات المسيلة للدموع!

وببساطة، رد طنطاوي على المحتجين المطالبين بتنحيه عن الحكم فورا بالطريقة ذاتها التي اتبعها مبارك من "استغفال" الشعب المصري واستهلاك الوقت طمعا في ملل المحتجين أو استسلامهم في معركة عض الأصابع تلك. وقال طنطاوي للمطالبين بتسليم السلطة فورا إلى مدنيين بالقول" إن "القوات المسلحة ممثلة في مجلسها الأعلى لا تطمح في الحكم، وتضع المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار، وأنها على استعداد تام لتسليم المسؤولية فورا والعودة إلى مهمتها الأصلية في حماية الوطن إذا أراد الشعب ذلك من خلال استفتاء شعبي إذا اقتضت الضرورة ذلك".

لكن مراقبون اعتبروا أن التلويح باستفتاء جديد للخروج من السلطة قد يعد بمثابة التهديد بمزيد من الفوضى إذ تسبب الاستفتاء الذي أجراه المجلس على تعديل الدستور في مارس الماضي شقاق كبير بين طوائف الشعب المصري، في حين لم يثمر عن كثير من التغيرات، إذ أصدر المجلس العسكري بعده إعلانا دستوريا كاملا لم يقتصر على المواد التي تم تعديلها.

لم يكتفي المشير بذلك، بل استمر في سياسة الكذب والحنث بالعهود التي اتبعها سابقه مبارك، حيث رد على مطالب المحتجين بوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين، بالقول: "أعلنا مرارا وتكرارا أننا أوقفنا إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية إلا في الحالات التي ينطبق عليها القضاء العسكري".

وتؤكد المنظمات الحقوقية والنشطاء على أن المجلس العسكري لازال يحتجز نشطاء سياسيين من أبرزهم الناشط الليبرالي علاء عبد الفتاح، كما حاكم أكثر من 12 ألف مصريا محاكمات عسكرية مجحفة منذ بدء الثورة. وتوسع المجلس العسكري منذ توليه السلطة في تقديم المدنيين ومن بينهم نشطاء إلى محاكم عسكرية.

ويتهم مصريون المجلس العسكري بالإفراط في استخدام القوة ضد احتجاجات سلمية مما أدى إلى مقتل عشرات المحتجين وإصابة ألوف آخرين.

لكن طنطاوي لم يعتذر في خطابه للشعب المصري عن سقوط الضحايا، بل اكتفى بتقديم العزاء لأسرهم وكأنه غير مسؤول عن دمائهم.

جملة أخرى جاءت على لسان المير لا يستطيع المنطق تفسيرها بعيدا عن التضليل والتدليس، قال المشير: "وأمام ادعاءات البعض بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتباطىء في تسليم السلطة تم الإعلان في جدول زمني محدد لذلك على المسار الذي حدده الشعب في استفتاء 19 مارس".. كان المجلس وعد بإجراء انتخابات برلمانية في سبتمبر.. لقد تجاوزنا هذا التاريخ منذ شهرين ولا زال الشعب المصري يترقب إجراء الانتخابات، فأين هو الالتزام بالجدول الزمني؟ وأين هو موعد الانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر لها أن تجرى أوئل العام القادم.

الآن يتحدث المشير عن إجراء الانتخابات الرئاسية التي ستشكل تسليما كاملا للسلطة إلى المدنيين في يونيو 2012. ناهيك عن أن تسليم هذه السلطة سيكون مشروطا بقيود "عسكرية" إذا تم إقرار وثيقة المبادئ الدستورية التي أعلنها علي السلمي نائب رئيس الوزراء الذي لا يزال في مهامه.

بصيص الأمل الوحيد الذي تخلل الخطاب هو تأكيد المشير طنطاوي على الاتزام بإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها يوم الاثنين القادم، لكنه لم يتناول كيف يتعزم الجيش تأمين اللجان الانتخابية في ظل الأوضاع المشتعلة، وهو التساؤل الذي يراود كل ناخب مصري قلِق على حياته في "المعركة" الانتخابية المقبلة.