رغم الآلام .. مصر بخير
29 ذو الحجه 1432
جمال سلطان

لست قلقا على مصر من تلك الأحداث الملتهبة التي شهدتها خلال الأيام الماضية ، وما زالت متوهجة حتى كتابة هذه السطور ، ولكني آسف جدا وحزين على الشهداء الذين ذهبوا ضحية لسوء تقدير بعض القيادات الرسمية للمسؤولية وإقدامها على طرح أفكار ومشروعات مفخخة بدا أن الهدف منها تفجير الوضع الداخلي وإحراج القوى السياسية التي علقت آمالا على الانتخابات ، ولكن مصر بخريطتها السياسية والمجتمعية أكبر كثيرا مما يحدث ، وسوف تمضي في مسارها الديمقراطية الصعب إلى نهايته ، وسوف تنتصر إرادة الشعب المصري بملايينه الحقيقية في النهاية .

 

بدون شك فإن التصعيد في ميدان التحرير منذ السبت الماضي كان نتيجة استهتار المؤسسة الأمنية بمشاعر الشباب وسوء تقديرها لردات الفعل ، وتصورت أن عملية "تنظيف" ميدان التحرير من المعتصمين يمكن أن تمر بسهولة في كل مرة ، فكان العنف المفرط الذي استخدم ضد المتظاهرين سببا مباشرا في اشتعال الموقف ، وبعض من تركوا الميدان بإرادتهم عادوا إليه مرة أخرى بعد أن استفزهم عنف الشرطة وقسوتها المفرطة ، وأنا مندهش من سرعة نسيان المؤسسة الأمنية لدرس "ثورة يناير" وأن غضب الشعب لا يمكن قهره بمحض السلوك الأمني الخشن .

 

ستعبر مصر تلك الأزمة ، كما عبرت أزمات أخرى خطيرة ، لأن جسم الأمة الأساس ، سياسيا واجتماعيا ، يدرك ببساطة خريطة الطريق لإنقاذ مصر ، صحيح أن الغضب مشروع ، والتظاهر حق مكفول ، ولكن الدول ومؤسساتها الديمقراطية لا تبنى إلا من خلال مؤسسات ، والمؤسسات تبدأ من صندوق الانتخابات وتفويض الشعب في الاختيار ، وكل ما نحتج عليه من سياسات أو قيادات أو غيرهم نستطيع تفكيكه عن طريق بناء مؤسساتنا الديمقراطية ، وعندما يحاول البعض إثارة الغبار على مسار الانتخابات ، ويلوح بأن المجتمع ليس مؤهلا لها ، فهو في الحقيقة يتآمر على أغلى أهداف الثورة ، ويعزز من تكرار الاختيارات الخاطئة للقيادات السياسية ، ويدعم فوضى القرار السياسي ، ويحرم الوطن من القدرة على النهوض ، ويفجر الفرصة الأخيرة لتحقيق إنقاذ وطني حقيقي .

 

مشكلة ما يحدث في ميدان التحرير أن الأمور اختلطت ، وأن الرؤية السياسية تشتتت ، والمطالب تبعثرت إلى حد أنه يصعب أن تجد اثنين هناك يتفقان على ثلاثة مطالب ، فبعض ذهبوا إلى الميدان بأجندات خاصة والبعض لم يخف رغبته في وقف مسار الانتخابات وتأجيلها ، ولذلك نأت بنفسها قوى سياسية شعبية كثيرة عن المشاركة في تلك الأحداث .
كان مثيرا للدهشة أن صحف "الفلول" هي الأعلى صوتا في تهييج الرأي العام ، ويبدون في ثياب ثورية أكثر من ثورية شباب الميدان أنفسهم ، رغم أن ملاك تلك الصحف وقياداتها الصحفية هم أنفسهم الذين صنعهم النظام السابق وهم أنفسهم الذين كانوا خدما لرموزه وحتى بعد نجاح الثورة كانوا يحاولون إجراء عمليات "غسيل السمعة" لهم عبر صحفهم ، هذه الصحف هي التي تقود خطاب التهييج والمزايدة الآن ، وبالتوازي معه تمرير الدعوات العلنية والخفية إلى وقف مسار الانتخابات وإلغائها ، لأن هذه الانتخابات في المحصلة النهائية ، هي التي ستقطع دابر النظام السابق ، وتطوي صفحة حقبته بالكامل ، وتشكل مؤسسات الدولة الديمقراطية الجديدة والبديلة ، وهم لا يريدون ذلك ، ويحلمون بأن البلاد يمكن أن تعود إلى سابق عهدها المشؤوم ، عصر الفساد والرشوة والانتهازية ودفء المال الحرام .